ذكرى نكسة حزيران والاجتياح الصهيوني للبنان.. نتائج مغايرة ودروس تاريخية مستفادة

لقد فشل العدو الصهيوني من استثمار نتائج حرب حزيران 67، سياسياً رغم الهزيمة العسكرية، وفشلت الدول العربية وخاصة مصر من استثمار نتائج حرب تشرين/ أكتوبر 73، سياسياً رغم النصر العسكري، وهذه مفارقة تأسس عليها مسار الحلول والتسويات والرهان على المفاوضات، فأنتجت ليس نكسات فحسب، بل ويلات وكوارث لازالت أمتنا تعيش آثارها وتداعياتها المدمرة.

ومنذ أن شق هذا النهج التسووي فلسطينياً وعربياً طريقه أخذ العدو الصهيوني يلتقط هذه الظروف السانحة باعتبارها تحولاً استراتيجياً هاماً، لتكريس اغتصابه للأرض وتهويدها واستيطانها، وإخضاع الشعب الفلسطيني لأهدافه، في محاولة لفرض الحلول والمشاريع التي تصب في خانة تصفية القضية الفلسطينية.

 

* لم تتوقف المقاومة بخروج قوات الثورة الفلسطينية، بل هب الشعب اللبناني وقواه الوطنية للمقاومة، وبرز بشكل واضح ومدوٍ دور المقاومة الإسلامية في لبنان بقيادة حزب الله، الذي واصل بثبات وإبداع رحلة المقاومة، وقدم التضحيات الغالية، وأجبر العدو الصهيوني على الاندحار حتى الشريط الحدودي، وصولاً لتحرير كل لبنان في الانتصار الهائل في الخامس والعشرين من أيار عام 2000.

تحل علينا في هذه الآونة الذكرى الـ (50) لحرب حزيران 1967، وما نتج عنها من نكسة أصابت الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص، والأمة العربية جمعاء.

فلقد ترتب على هذا العدوان الصهيوني الغاشم، احتلال ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) إضافة إلى صحراء سيناء، وهضبة الجولان السورية، ولسنا هنا اليوم لإعادة استحضار أهداف هذه الحرب وأطرافها، بقدر ما نحتاج إلى الدروس المستفادة من المسارات التي أعقبتها.

لقد تحقق للعدو الصهيوني في هذه الحرب نصراً عسكرياً، ولكنه لم يتمكن من استثمار ذلك في تحقيق نصر سياسي طالما تطلع إليه، وهو فرض الاستسلام على الأمة وإخضاعها، وذلك بفضل إرادة الصمود والمواجهة التي تلت هذه الحرب (النكسة).

ففي الوقت الذي أراد به العدو فرض شروط الاستسلام، كان الرد في مؤتمر قمة الخرطوم باللاءات الثلاث المشهورة، (لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات)، وبشكل أدق كما جاء في نص القرارات الصادرة، (لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل).

لقد أيقظت النكسة الوجدان العربي، ونبهت الشعور القومي إلى الخطر الذي بات يهدد كل العرب، وعلى الرغم من قساوة النكبة إلا أن التوجه بعزيمة وإصرار لإعادة تنظيم الخطط العسكرية، وبناء الجيوش، والقيام بحرب استنزاف على الجبهتين السورية والمصرية، أعاد الثقة للمواطن العربي، وتشكلت حالة من النهوض على المستوى القومي، وبرزت الثورة الفلسطينية بفصائلها، بفعالية مشهودة من خلال سلسلة من العمليات العسكرية ضد مواقع العدو وجنود الاحتلال، في رسالة واضحة أن قضية فلسطين لازالت حية، وأن الشعب الفلسطيني لم يستسلم، وأن كل محاولات تغييبه وطمس هويته واحتلال كامل وطنه لم تزعزع من إرادته، وهو اليوم أكثر عزما و إصراراً على مواصلة النضال على قاعدة الكفاح المسلح وحرب الشعب الطويلة الأمد.

وجاءت معركة الكرامة الخالدة نموذجاً وتعبيراً عن هذا الإصرار والعزيمة والصمود، مما أدى إلى التفاف جماهيري واسع حول العمل الفدائي وفصائل الثورة الفلسطينية.

ولقد شكلت حالة النهوض على المستوى الشعبي فلسطينياً وعربياً، وحالة الصمود على الصعيد العربي الرسمي وخاصة مصر وسورية وعدد من الدول التي رفضت النكسة قولاً وفعلاً، وأيدت ظهور الثورة الفلسطينية وفعلها الكفاحي، ووقفت إلى جانب قوى المقاومة الحقيقة في تلك المرحلة، مرحلة جديدة في نضال أمتنا، أعطت الأمة كلها أملاً في استعادة الكرامة والأرض والحقوق، وإزالة آثار العدوان، وحماية وصون قضية فلسطين كقضية مركزية للأمة.

لقد تحققت بفعل وفضل المقاومة والكفاح المسلح جملة من الانجازات الوطنية الهامة، فأعادت استحضار كقضية نضال عادل لشعب اغتصبت أرضه وشرد من وطنه، وأعادت الاعتبار إلى الشخصية الوطنية الفلسطينية، كهوية نضالية في إطار الصراع مع العدو الصهيوني الذي عمل طويلاً على تغييب الهوية، ولسنا هنا بصدد تعداد الانجازات، فصفحات التاريخ حافلة بالعديد منها، لكن ما ينبغي إبرازه واستحضاره وتذكره، هو تنامي حملات التأييد والمناصرة للشعب الفلسطيني في مختلف أنحاء العالم، فلقد أبرزت قضية فلسطين، كقضية تحرر وطني، تكتسب العدالة والمشروعية، وتحظى بالتأييد والدعم والمناصرة.

لقد أخذت قضية فلسطين مسارها التحرري، وهب الشعب الفلسطيني ملتفاً حول النضال الوطني في الداخل والخارج، فكان الالتفاف الجماهيري العربي حول الثورة الفلسطينية مشهوداً ومعمداً بالدماء.

وكانت مناصرة الشعب الفلسطيني، وإدانة الكيان الغاصب، بوصفه مصدر الإرهاب العنصري، وكاستعمار استيطاني في خدمة المشاريع الاستعمارية الغربية مشهداً بات يقلق العدو ويحاصره، ويدينه في العديد من المحافل الدولية.

واليوم في الذكرى الـ (50) للنكسة ، بتنا نعيش مشهداً آخر بفعل عوامل فلسطينية وعربية رسمية والحديث عنها يطول.

لقد فشل العدو الصهيوني من استثمار نتائج حرب حزيران 67، سياسياً رغم الهزيمة العسكرية، وفشلت الدول العربية وخاصة مصر من استثمار نتائج حرب تشرين/ أكتوبر 73، سياسياً رغم النصر العسكري، وهذه مفارقة تأسس عليها مسار الحلول والتسويات والرهان على المفاوضات، فأنتجت ليس نكسات فحسب، بل ويلات وكوارث لازالت أمتنا تعيش آثارها وتداعياتها المدمرة.

فكانت اتفاقية كامب ديفيد التي أعقبت زيارة الرئيس السادات إلى الكيان الصهيوني بحثاً عن (السلام)، والحلول والتسويات بنتائجها المدمرة على الصعيد العربي بأسره، ونتائجها القاسية على النضال الوطني الفلسطيني بشكل عام، فلم يعد للاءات الخرطوم من ذكر أو حضور، وتحولت مع الأيام، إلى سلام، واعتراف، ومفاوضات، بدءاً بكامب ديفيد، وصولاً إلى أوسلو ووادي عربة، ليكمل طريقه في مسار التطبيع من جانب بعض الدول العربية وصولاً إلى بناء تحالفات سياسية وعسكرية وأمنية بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني، في مواجهة عدو جديد جرى اختراعه تلبية للمصالح الاستعمارية والصهيونية، وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبالتالي خط ونهج المقاومة في الأمة ووصفها (إرهاباً).

ومنذ أن شق هذا النهج التسووي فلسطينياً وعربياً طريقه أخذ العدو الصهيوني يلتقط هذه الظروف السانحة باعتبارها تحولاً استراتيجياً هاماً، لتكريس اغتصابه للأرض وتهويدها واستيطانها، وإخضاع الشعب الفلسطيني لأهدافه، في محاولة لفرض الحلول والمشاريع التي تصب في خانة تصفية القضية الفلسطينية.

واليوم أكثر من أي وقت مضى، وفي ظل المتغيرات والتحولات العنيفة التي تشهدها المنطقة بأسرها، واندماج عدد من الدول العربية في المشروع الاستعماري الغربي-الصهيوني، باتت الأمة كلها تواجه أخطر التحديات المرتبطة بوحدتها، وأمنها القومي، وسيادتها واستقلالها، وباتت قضية فلسطين عرضة لمشاريع التصفية وهو خطر داهم لا يجوز التقليل من شأنه.

لقد جسدت زيارة الرئيس الأميركي مؤخراً للرياض والقمم التي عقدها، والمليارات التي حصل عليها، وتشكيل تحالفات عربية-إسلامية-أميركية، والتحضير لعقد مؤتمر إقليمي للقضية الفلسطينية الهدف منه تطبيع علاقات عدد من الدول العربية مع الكيان الصهيوني، وإقامة تحالفات ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقوى المقاومة في المنطقة، يرافق ذلك الشروط التي باتت معروفة، ومفروضة على السلطة للعودة إلى المفاوضات، وأن تكون بلا شروط، وإشراك مصر، والسعودية، والأردن، والإمارات، إلى جانب الكيان الصهيوني في المفاوضات، ووقف المقاومة، وتغيرات حقيقة في النظام التعليمي، وصولاً لتغير أسماء شوارع فلسطينية تحمل أسماء شهداء فلسطينيين، إلى غير ذلك من وقف دفع رواتب أسر الشهداء، ووقف تحويل السلطة للأموال لقطاع غزة.

وكل هذا يدفعنا للقول في الذكرى الـ (50) للنكسة، لقد كانت نكسة قبل وضع أي حجر أساس لأول مستوطنة في القدس والضفة الغربية، فما هو التوصيف السياسي من قبل أصحاب نهج التسوية ورموز السلطة وقيادة المنظمة راهناً، بعد تغول الاستيطان ومشاريع التهويد، وصولاً لوقاحة وجرأة قادة العدو بعقد أول اجتماع لحكومتهم تحت أنفاق المسجد الأقصى.

ما الذي تبقى لهم وقد اعترفوا بحق الكيان الصهيوني بالوجود، وتنازلوا عن 78% من مساحة فلسطين التي تشكل الوطن المغتصب عام 1948، وبعدما لاحقوا المقاومة والمقاومين ونسقوا وتعاونوا مع العدو لإجهاض النضال الوطني الفلسطيني.

ماذا بوسع الذين قالوا جربنا المقاومة ولم تفلح، وعلينا دخول معترك العمل الدبلوماسي والسياسي، لقد قالت الشعوب الحية والقوى الثورية في العالم أجمع أن المقاومة ليست تجريباً، ففي مراحل المقاومة هناك تجربة يجري دراستها، وبالتالي وضع الخطط والمهام التي تناسب المرحلة، أما المقاومة فهي خيار ونهج وثقافة وبنية وسلاح، إعداد واستعداد، مبادئ وأهداف، بذل وفداء، ميدان نصر وليس ميدان تجريب.

وهنا نتوقف عند مناسبة أخرى هي ذكرى الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، وما نتج عنه من احتلال أجزاء كبيرة من لبنان وصولاً للعاصمة بيروت.

لقد جاء الاجتياح في حينه لتحقيق عدة أهداف أبرزها خروج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان، وإخراج قوات الجيش العربي السوري من لبنان، وإقامة حكومة مركزية ترتبط بالكيان الغاصب بمعاهدة سلام، وكانت اتفاق 17 أيار، اتفاق الذل والإذعان.

لم تتوقف المقاومة بخروج قوات الثورة الفلسطينية، بل هب الشعب اللبناني وقواه الوطنية للمقاومة، وبرز بشكل واضح ومدوٍ دور المقاومة الإسلامية في لبنان بقيادة حزب الله، الذي واصل بثبات وإبداع رحلة المقاومة، وقدم التضحيات الغالية، وأجبر العدو الصهيوني على الاندحار حتى الشريط الحدودي، وصولاً لتحرير كل لبنان في الانتصار الهائل في الخامس والعشرين من أيار عام 2000.

واصلت المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله مسارها التحرري، لم تراهن على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (425)، لم تعش الوهم يوماً بإمكانية انسحاب العدو بالمفاوضات، لم تقدم تنازل في أي ميدان، وخاضت معارك وحروب مجيدة، وتم التحرير كما وصفه سماحة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله على مراحل، فأعطى لمفهوم المرحلية مضمونها الكفاحي، مرحلية التحرير، فالهدف هو التحرير، والوسيلة هي الكفاح والجهاد والمقاومة، والمسار حماية وصون وحدة لبنان أرضاً وشعبناً، وضمان تحرره وحريته وسيادته واستقلاله.

لقد أهدت المقاومة في لبنان للأمة كلها والمقاومين في صفوفها نموذجاً مشرفاً لفعل الكفاح والجهاد، وأعطت الشعب الفلسطيني أملاً، وأعطت الصهاينة الغزاة علامة على قرب موعد انحدارهم ورحيلهم.

لقد قالت المقاومة في لبنان، لا مستقبل لغزاة في أوطان شعوب حرة وكريمة، تأبى الذل والهوان، ولا تسوية مع طامعين مستعمرين همهم الإخضاع والهيمنة وبسط السيطرة والنفوذ.

هذا هو الدرس الذي يجب تعلمه في ساحتنا الفلسطينية، وهي مهمة باتت على عاتق كل المقاومين الفلسطينيين، لنحمي القضية الفلسطينية من براثن التصفية، ونحمي المقاومة، ونعيد لقضية فلسطين اعتبارها كقضية تحرر وطني على الصعيد الفلسطيني، وقضية مركزية على صعيد الأمة، وقضية نضال عادل على الصعيد العالمي.

الخامس من حزيران ذكرى النكسة، والخامس من حزيران ذكرى الاجتياح الصهيوني للبنان.

مسارات متعددة.. ونتائج مغايرة… ودروس مستفادة.

وشعبنا الفلسطيني لن يرضخ لمشاريع التسوية (التصفية)، ولن يرضخ لأمراء الذل والعار، وسيواصل كفاحه المجيد، حتى تتحقق أهدافه في التحرير والعودة.

* أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى