بدلات الرقص النسائية المصرية في طريقها الى الانقراض
يعتبر الرقص الشرقي واحداً من أكثر الفنون المرتبطة بالثقافة المصرية.
وقد كتب مؤرخون أن نشأة هذا الفن كانت في مصر، ورافقته حرفة صميم ثياب الرقص المعروفة شعبياً ببدلة الرقص، والتي تطورت عبر الأزمنة. وقد شهد ذلك الزي المزركش الكاشف الذي ترتديه النساء في أثناء رقصهن، تطورات وتغيرات كثيرة من فترة لفترة.
اليوم، لم يعد تصميم بدل الرقص مهنة رائجة رغم تميزها بتحقيق أرباح جيدة.
فهي لا تحظى بالتقدير من المجتمع المصري، ويميل كثيرون للحديث عن كونها فعل محرم يتم من خلاله إعداد أثواب عارية ترتديها النساء لإثارة غرائز الرجال.
وقد تأثرت هذه المهنة بوجود التيارات الإسلامية. ومع صعود الإسلاميين إلى الحكم في عام 2013 شهدت مهنة الرقص الشرقي بكل ما يرتبط بها من أنشطة تراجعا نظرا للتضييق عليهم.
حتى “ضاحي” احد مصممي بدلات الرقص الذي حقق شهرة ونجاحاً كبيراً في مصر ويفخر دوماً بأنه يصدر إنتاجه للخارج، يردد أنها مهنة مؤقتة، وأنه سوف يتركها إن آجلاً أو عاجلاً لقناعته بحرمانيتها وخاصة أنه أب لبنتين.
الرقص في مصر بقدم التاريخ
عرفت مصر الرقص منذ العصر الفرعوني حيث أظهرت جدران المعابد والمخطوطات القديمة صوراً لراقصات.
وفي دراستها المنشورة “الرقص في مصر القديمة” أوضحت أميرة خالد، الباحثة في الفن المصري القديم، أن الفراعنة عرفوا الرقص وكان وسيلة للترفيه عن النفس وعبادة دينية كما أنه طقس جنائزي، وللرقص الفرعوني 12 نوعاً.
وفي بحث أعدته أسماء فتحي أبو عيانة عن الملابس في مصر القديمة جاء فيه أن ملابس الراقصات كانت تصمم بحيث تتيح لهن حرية التعبير بحركات أجزاء الجسم، لذلك تكون إما قصيرة لإظهار حركة السيقان والأرجل أو بدون أكمام لإظهار حركة الأيدي، وإذا كانت الراقصات ترتدين ملابس طويلة تكون شفافة، وفي كل الأحوال تختلف طبيعة الأزياء حسب نوع الرقصة ومناسبتها.
وفي العصر المملوكي انتعشت حركة الرقص والغناء وتأثرت بالأوضاع السياسية وفق ما جاء في دراسة “الغناء والسياسة”، وكانت تقوم بالغناء والرقص الجاريات.
للبدلة أصول، وتصميمها يخضع لقوانين
تقضي القوانين المصرية بضرورة استخراج الراقصة لتصريح من وزارة الثقافة، ويشترط فيه تحديد جهة العمل، ويتم إصدار ترخيص في حالة سفر الراقصة إلى الخارج.
تتولى شرطة الآداب مهمة الإشراف على قانونية ملابس الراقصة وتصبح معرضة للعقوبة القانونية إذا تجاوزت هذه القواعد، ومنها تغطية الثلث الأسفل من الثدي، وارتداء بنطلون قصير يصل إلى منتصف الفخذ، فضلا عن تغطية المسافة بين الصدر والبطن، وهي القواعد المطبقة منذ الخمسينات في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر.
بالنسبة للراقصات الأجنبيات يشترط الحصول على تصريح من وزارة القوى العاملة، والرقابة على المصنفات الفنية، إضافة إلى حصولها على إقامة دائمة، ويتم تقديم استمارات لعدة جهات منها شرطة الآداب وأمن الدولة.
في نهاية الخمسينات وبالتحديد عام 1959 انطلقت فرقة رضا للفنون الشعبية والتي لاقت نجاحاً كبيرا، وفي عام 1961 تم ضمها إلى وزارة الثقافة.
وبالإضافة للرقصات الجماعية والتراثية قدمت الفرقة الرقص الشرقي من خلال فريدة فهمي راقصة الفرقة الأولى، والتي ارتدت بدلات رقص وفق المواصفات المعمول بها في ذلك الوقت.
وفي نفس الفترة أنشئت الفرقة القومية للفنون الشعبية التابعة أيضا لوزارة الثقافة، واتسمت بإحياء الفنون الشعبية، وملابس الراقصات تتسم بالتحفظ ويغلب عليها ارتداء الجلباب البلدي.
تحدثت الراقصة المصرية نجوى فؤاد في إحدى حواراتها التلفزيونية عن اشتراط تغطية السرة وهو ما كان يدفع الراقصات للابتكار في تصميم نجمة أو أي قطعة بشكل مميز تغطي تلك المنطقة إضافة إلى قطع تشبه الأساور مصنوعة من القماش المطرز بالخرز والترتر يتم ارتدائها في المعصم، وقالت إنهن تحايلن على القيود بزيادة فتحة الأرجل في بدلة الرقص، وكن يستخدمن شالاً حريريًا في الرقص.
البيع للأجانب ولو في الصين
باعتزاز شديد يقول ضاحي إن غالبية زبائنه من الأجانب، فهو يقوم ببيع بدلات الرقص عبر مواقع التسوق المشهورة منها E-bay وأمازون، وعبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
“أفضل التعامل مع الأجانب لأنهم أكثر احترافاً ويقدرون فني، ولا يتناقشون في السعر لأنهم يقدرون قيمة عملي، ويعتبرون الرقص الشرقي رياضة لذلك يتحمسون لشراء الملابس الخاصة بالرقص” يقول ضاحي لرصيف22.
يبدأ سعر البدلة من 250 دولاراً وتصل حتى 700 دولار، بحسب ضاحي، ويضيف أن البدلات عليها طلب كبير في الصين.
يقول إن تصنيع بدلة الرقص لا يحتاج إلى “صنايعي” متخصص لأنه يقوم بقص الموديل ويتولى العامل الخياطة، مشيراً إلى أن غالبية الموديلات يتم تصنيعها يدوياً.
يستخدم قطع الكريستال الصيني في تطريز ملابس الرقص، أما القماش فيكون من الليكرا أو الشيفون، ويتم تبطين الجزء العلوي بالإسفنج.
“يوجد 5 مصممين متخصصين في تصميم بدلات الرقص ومن المشهورين في المجال أميرة قطان وعبلة وسحر عكاشة، أما البقية فهم يقلدون الموديلات مثل الموجودين في الحسين أو في شارع محمد علي، وهي مهنة صعبة تحتاج إلى الإبداع”، يقول لرصيف22.
بضاعة حي الحسين… مطلب عرائس مصر
يقول صلاح نديم، أحد الباعة في حي الحسين لرصيف22 إن بدلة الرقص تعتبر جزءً أصيلاً من مشتريات العروس في مصر.
فهي لا غنى عنها للكثيرات، وتتفاوت الموديلات والأسعار.
فهناك جلباب نانسي عجرم الذي ارتدته في أغنيتها الشهيرة “آه ونص”، وجلباب فيفي عبده الذي ارتدته في مسرحية “حزمني يا”، ولعل الأكثر رواجا هي بدلات “صوفينار”، الراقصة الأرمينية. تبدأ الأسعار من 100 جنيه وتصل حتى 2000 جنيه حسب الموديل والتطريز والخامة.
وتتنوع الخامات ما بين قماش الشيفون أو الليكرا أو الكريب، وهناك البدلة المكونة من قطعتين، أو المكونة من قطعة واحدة وهي الأكثر رواجا بين المصريات بخلاف الأجنبيات.
ولفت إلى أن بدلات الرقص كانت دوما تذكاراً هاماً لدى السائحات، ولكن تعثر بيعها بسبب ضعف حركة السياحة في مصر نتيجة الظروف الأمنية، كما أن إقبال المصريات على الشراء لم يعد كبيرا نظرا لارتفاع تكاليف المعيشة بوجه عام.
عن تطور تصميمات بدلات الرقص يقول “صلاح نديم” بائع بدلات الرقص إنها متأثرة بالثقافات التركية والفارسية، ومنها الموديلات التي تتكون من قطعة تغطي الصدر والبطن وبنطلون واسع مطرز بالخرز والسلاسل، كما تحدث أيضا عن التأثر بالموديلات الهندية وبالتحديد الساري الهندي الذي أصبح مطلباً هاماً لدى كثير من الفتيات، ويتسم بألوانه الزاهية وهو جزء يغطي الصدر والجزء السفلي يكون واسع ومن قماش لامع.
ومن الملاحظ رواج بدلات الرقص الشرقي للأطفال، والتي تتوافر بسعر يبدأ من 50 جنيها وتصل إلى 300 جنيه، وتتواجد أيضاً بدلات الرقص في مناطق العتبة ووسط البلد وشارع محمد علي، وتتواجد عادة في محلات البازار المتخصصة في بيع التحف الأثرية.
“ليلة مصرية” و “أهلاً وسهلاً” و”نايل جروب” و”رقص أوف كورس”، هي أسماء أشهر معارض الرقص الشرقي، والتي يقول “ضاحي” إنها لا يشترط إقامتها في مصر، بل تقام عادة في دول غربية منها إسبانيا والمكسيك والصين، ومؤخراً أصبح بعدها يقام في دبي.
لكنه رغم رواج البدلات لازال يتخوف من حرمانية مهنته، رغم تطمين بعض الشيوخ له.
“سألت في دار الإفتاء في مصر والسعودية ودبي وتلقيت نفس الرد بأنه لا يوجد بها حرمانية”، يقول ضاحي.
فقد أخبره الشيوخ أن كل ما له شقين ليس حراماً والعقوبة تقع على المستخدم، فقد ترتديها السيدة أمام سيدات أو تستخدمها في الرياضة أو قد تستخدمها للرقص في الملاهي الليلية.