أزمة النظام العربي الاقليمي

 بقلم: محمود كامل الكومي/مصر

الغمة التى تواجه الامة العربية منذ بداية ازمة الخليج الثانية بغزو العراق للكويت والتى مازال تتتابع آثارها الى الآن , وما أعقبها من أحتلال العراق واعدام صدام, الى ما وصلنا اليه الآن من ربيع عربى سقطت فيه ليبيا بعد مقتل العقيد القذافى بفعل ضربات الناتو, وكذلك سقوط مصر وتونس فى يد قوى الاسلام السياسى بفعل قوى خليجيه جرتهما الى حظيرة الولايات المتحدة الامريكية — وما يحدث الآن فى سوريا من مؤامرة كونية عليها تستخدم فيها القوى الارهابية المتأسلمة لتحقيق هدف الناتو فى تفكيك سوريا…

وقبل هذا وذاك تقسيم السودان, لهو من اخطر الازمات والفترات فى تاريخ الوطن العربى , لانها بالغة التعقيد , ولان الحق يتداخل فيها مع الباطل , الامر الذى يولد الاختلاف فى الرأى والتضارب فى المواقف , ليس بين الانظمة العربية وبعضها فحسب ولا حتى بين الشعوب العربية وحدها بل داخل صفوف الشعب الواحد وداخل صفوف الفصيل السياسى الواحد . وما يزيد الامور تعقيدا كثرة الشعارات المضلله , بمنطق الحق الذى يراد به باطل.

ولاشك ان أزمة الخليج قد أثرت تأثيرا عميقا على حاضر ومستقبل النظام الاقليمى العربى, وهو ما نلحظه الآن فى تفتيت للمفتت وتجزيىء للمجزء فى بلدان الوطن العربى , وتدخل سافر من جانب الامبريالية الامريكية وحلفاء الناتو فى شئون هذا البلد العربى او ذاك, لكن ليس صحيحا ان ازمة الخليج وما تبعها هى التى سببت ازمة النظام الاقليمى العربى الراهن , وليس صحيحا ان غزو العراق للكوي هو الذى يتحمل مسئوليه هدم النظام العربى الراهن , فهذا النظام مأزوم منذ ولادته ,مشلول منذ ولادته , والقول الاصح ان ان الغزو العراقى ليس سببا لازمة النظام العربى , انما هو مظهر حاد لهذه الازمة.

وفى البدايه يجب ان نشير الى مجموعة من المعايير التى يجب ان نسترشد بها فى الحكم على الامور , حتى لانقع فى شرك الشعارات والحجج المضللة.

المعيار الاول : وجوب الحذر من الحكم على الامور من منطلق نظرة احادية الجانب , بل علينا ان نحكم على الامور بنظره لا تصرف عيوننا عن الخطر الاكبر بتركيزها على الخطر الاصغر- والنظرة الشاملة للامور تفضى بنا الى موقف يرفض دعاوى الاستعمار العالمى لدس انفه فى شئون منطقتنا , ويستنكر مسلك الاطراف العربية التى استقوت بالاجنبى ضد اطراف عربية أخرى..ويقدر الاعتراض على ارسال قوات عربية لافى مهمه سلام فى اطار حل سلمى عربى لتقف فى خندق واحد مع القوات الاستعمارية ولتلعب دور المحلل العربى للتدخل الاجنبى .

المعيارالثانى : هو ضرورة تغليب المنطق القومى على المنطق الاقليمى او القطرى وترجيح المصالح القومية على المصالح الاقليمية او القطرية.

المعيار الثالث : هو ان ننطلق من الحكم على تصرفات مختلف الاطراف من المواثيق الدوليه لحقوق الانسان والشعوب .

واذا كانت الانظمة العربية فى العراق ومصر وتونس وليبيا والسودان تتحمل مسئولية الازمة, فان الدول الامبريالية والانظمة العربية (خاصة الخليجية) التى استنجدت بها تتحمل مسئولية الصعود بالازمة الى ذروتها وتحويلها من نزاع بين دولتين اومن نزاع داخلى الى صراع ذو طابع دولى .

ان تداعيات حرب الخليج الثانية وما جرته على المنطقة من آثار تمثلت فى احتلال امريكى اطلسى للعراق الى ان أصبح الغزو الاستعمارى هو الخطر الرئيسى الذى يتهدد الامة العربية الآن فى ليبيا حيث التدخل العسكرى السافر وفى السودان حيث تم تقسيمها وفى مصر وتونس حيث انضوت تحت لواء الهيمنة الامريكية قوى الاسلام السياسى فيهما , وما يتهدد سوريا الآن من مؤامرة كونية , لهو خير دليل على اعادة المنطقه من جديد الى عهود الانتداب البغيضه , بل هو احتلال أخطر من اى احتلال سابق , بسبب تستره خلف غلاله من الشرعية الدولية , ولان الشعوب العربية هى التى تتحمل بأعباء ونفقات احتلال بلدانها .

وعلى ضوء اعمال هذه المعايير يمكن ان نميز بين الحقائق والاباطيل , ليتضح لنا زيف شعار الدول الامبريالية حول حماية الشرعية الدولية وحريات الشعوب وحقوق الانسان , فمهما سكبت من دموع التماسيح فان هذه الدموع لن تمسح سجل الولايات المتحدة الامريكية الحافل بأنتهاكت الشرعية الدولية واهدار حقوق الشعوب فى تقرير مصيرها وحريتها , والله يرحم , شعوب باناما , وجرينادا , ولبنان – وهذه الدموع لن تمسح من ذاكرة الشعوب موقفها المتواطىء مع العدو الاسرائيلى لحماية ودعم اجتياحه للبنان , ومصادرة حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وذبحه لابناء فلسطين وانتهاكه للمقدسات الاسلامية والمسيحية فى القدس , ان التدخل الامريكى فى الشأن العربى لايستهدف سوى هدف واحد هو حماية المصالح الاستعمارية فى المنطقه ونهب ثرواتها , ولن تتورع أمريكا عن التضحيه بهذا العرش العربى او ذاك وهذا النظام العربى او ذاك لو ضمن لها هذا التخلى حماية مصالحها ( والكلام موجه الى انظمة الخليج وحكامها).

والسؤال المطروح : لماذا ولد النظام العربى الاقليمى مشلولا ..؟؟

اولا : لان هذا النظام العربى حاصل جمع انظمة حكم استبدادية , ولأن الديمقراطية مغيبة , ولأن كل الدول العربية تفتقد الى المجتمع المدنى العربى , ولا نجد سوى انظمة ملكية استبدادية اوعشائرية او دول بوليسية, وتدليلا على ذلك يكفينا ونحن فى القرن الواحد وعشرين ان نجد دوله مثل السعودية ليس بها دستور, وحتى فى مصر بعد ثوره اختطفها الاخوان يعرضون على الشعب دستورا يكرس لحكم طائفى ويعمق ديكتاتورية الحاكم .

ثانيا: عدم تطابق الرؤى بين الدول العربية وخاصة الاختلاف على تحديد الاعداء-ففى حين تعتبر اسرائيل هى التهديد الرئيسى للامن القومى العربى ,نجد ان مصر والاردن قد عقدا معها صلحا منفردا , والادهى ان النظام الاخوانى فى مصر صار على نفس الخطى وحظى الرئيس الاسرائيلى بعبارات الصديق العزيز الوفى من الرئيس مرسى , فى حين هى مازالت عدو رئيسى للبعض من الدول العربيه , كذلك فان الامبرياليه الامريكيه اذا كانت هى عدو لبعض الدول العربية ,فان مصر ودول الخليج ترتبط بها بعلاقات خاصة .

واذا كانت تلك الازمات التى مرت بها الامة العربية ابتداء من ازمة الخليج وانتهاء بما يسمى الربيع العربى والتدخل الخليجى الامريكى بالتعاون مع حركات الاسلام السياسى لاجهاضه , قد عجل بأنهيار النظام العربى القائم وكل هياكل العمل العربى المشترك من جامعة عربية مشطورة شطرين , الى ان وصل الحال بها الى ان أصبحت بفعل حكام الخليج محلل لكل تدخل دولى فى شئون امتنا العربية, كما حدث فى قرارها بشأن تدخل الناتو فى ليبيا وقراراتها بشأن الازمة السورية الراهنة – وكذلك مجالس تعاون ورقية – اهمها مجلس التعاون الخليجى -لضرب فكرة القومية العربية من الاساس وتكريس الاقليمية وليكون بديل مشوة للوحدة العربية ولا يستهدف سوى حياة امن الانظمة المشاركة فيها .

ومع ذلك لا نعتقد ان الخطر الذى يتهدد الامة العربية هو انهيارهذا النظام الاقليمى العربى الراهن, الذى اصبح جثة هامدة آن الآوان لدفنها انما الخطر الذى يهدد الامة العربية هو انهيار علاقات الاخوة والمحبة والتضامن والتلاحم بين الشعوب العربية – ان الصراع العربى- العربى (صراع نظامى حمد وآل سعود ضد النظام السورى) يجاوز حدود الانظمة العربية ليمتد الى العلاقات بين الشعوب , بفضل الحملات الاعلامية – خاصة التى تقودها قناتى العربية والجزيرة بما تحمله من توجيه مخابراتى امريكى -التى تبث روح الضغينة والاثارة والتفرقة والكراهية بين الشعوب العربية .

وأمام النظام العربى الراهن تنشط الامبريالية الامريكية لاعادة ترتيب اوضاع المنطقه ولتحقيق ترتيبات أمنية تحمى مصالحها وتضمن لها الاستمرار فى نهب ثروات المنطقة , بأحياء مشروع سايكس بيكو بمشاركة النظام السعودى والقطرى وحركات الاسلام السياسى (فى مصر وفلسطين وتونس ) التى تتآمر على سوريا لتفكيكها , وهذا غايتها الآن.

واذا كنا نعيش المحنة والمأزق, ترى ما هو المخرج ؟؟؟ فى تصورى هو مجموعة متكاملة من الخطوات.

اولا: فضح قوى الاسلام السياسى , واظهار مدى تواطؤها لتمرير سياسات الولايات المتحدة ضد الامة العربية , لانها لا تريد للامة العربية صعود , حيث مبتغاها تنظيم عالمى للاخوان المسلمين واقامة دولة الخلافة الاسلامية , وكذلك فضح استغلالها للدين لتمرير سياسات أقتصادية تكبل فقراء العالم العربى وتزيدهم فقرا لتصب فى النهاية فى صالح أقتصاديات السوق الرأسمالى ,وفضح دور قوى الاسلام السياسى فى أزكاء الحرب الاهلية فى دول كانت مستقره (مصر وتونس ) ودورها فى محاولة تفكيك سوريا , وذلك حتى يمكن للشعوب العربية ان تقاوم هذه الحركات وتحاصرها.

ثانيا: الوقوف بحزم وعزم مع سوريا ضد المؤامرة الكونية عليها وحفاظا على وحدة التراب السورى ومخافة صعود قوى الاسلام السياسى الى سدة الحكم فيها لتشارك امريكا تنفيذ مخططاتها فى المنطقة.

ثالثا: توحيد الجهود لمواجهة الوجود الاجنبى على ارض المنطقة والنضال من اجل تصفيته بمساعدة الشعوب الخليجية على النضال ضد حكامها ..

رابعا: اقامة نظام عربى جديد يعتمد على الدعائم الآتية:

1- نظام ينبثق من التقاء ارادات الشعوب العربية لا من صفقات حكام العرب.

2- نظام قائم على دعامة الديموقراطية, بحيث يوضع حد نهائى لتغيب الشعوب العربية .

3- نظام عربى جديد متحرر من التبعية الامريكية , قادر على انتزاع الثروات الطبيعية العربية من براثن سيطرة الاحتكارات العالمية , قادر على تحويل البترول من سبب لتعميق التبعية الى أداه للتحرر من التبعية ولتحقيق التنمية العربية المستقلة.

وفى النهاية , فاننا لو اردنا حلا جذريا لازمة النظام العربى الاقليمى – فيجب مقاومة الاوضاع الاستبدادية الجديدة والتى عبرت عن نفسها من خلال حركات الاسلام السياسى, واقامة المجتمع المدنى العربى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى