لماذا اكتسبت فاتن حمامة لقب “سيدة الشاشة العربية” ؟
بدأت فاتن حمامة مشوارها السينمائي منذ الطفولة، وذلك حين أعجب المخرج محمد كريم بإطلالتها وكان عمرها تسع سنوات.
حدث هذا في بداية الأربعينيات التي أكملتها في مربع الطفولة وبداية الصبا، لتعقبها الخمسينيات التي قدمت فيها فاتن أدوارًا كثيرة غلب عليها الرومانسية الحالمة والميلودراما التي كانت مسيطرة على أجواء السينما المصرية في ذلك الحين. وقد انتهت هذه المرحلة بدورها في «بين الأطلال».
ومنذ نهاية الخمسينات وحتى رحيلها المؤقت في منتصف الستينات انتقلت فاتن لمربعها الأهم، بطولاتها المنفردة، بداية الدفاع بشكل صريح عن حقوق المرأة، وتحول غير مسبوق في الأدوار النسائية في السينما المصرية.
خلال سنوات قليلة صنعت «دعاء الكروان»، الفيلم الذي وصل للقائمة القصيرة المرشحة لجائزة «الدب الذهبي» من مهرجان برلين. ثم «الحرام»، الفيلم الذي نافس بقوة على سعفة مهرجان «كان». وبينهما فيلم يبدو وكأنه قادم من المستقبل، هذا الفيلم هو «الباب المفتوح».
القصة التي كتبتها الأديبة المصرية لطيفة الزيات كانت جريئة للغاية في ثورتها على السلطة الأبوية والمجتمعية على النساء، رسائل «حسين» الذي أدى دوره الراحل «صالح سليم» يمكن اعتبارها متحررة وثورية في مجال الدفاع عن حقوق المرأة حتى هذه اللحظة. وقد أدركت فاتن كل هذا، وفي هذه المرحلة التي تلت «دعاء الكروان» استطاعت أن تختار لنفسها نصوصا ذات قيمة تمكنها من البقاء في وجه الزمن.
ربما يكون «الباب المفتوح» واحدا من أكثر أفلام الستينيات تفضيلا عند جيل «ما بعد يناير»، يبدو هذا جليا من كم الاقتباسات من الفيلم التي يشاركها شباب وفتيات اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي طوال الوقت. يبدو أن فاتن رأت هذا قبل زمانها.
لقد غادرت فاتن مصر في منتصف الستينيات بعد ضغوط متتالية من مخابرات «صلاح نصر»، التي كانت تحاول تجنيد نجوم السينما والفن, ولكن فاتن لم تستجب للضغوط، وقررت الرحيل متحججةً بالانضمام لعمر الشريف (زوجها في هذا التوقيت) خارج البلاد.
قضت فاتن الأعوام التى تلت 1966 بين لبنان، وباريس، ولندن. ولم تعد في النهاية إلا بعد أن أجرى السادات بعضا من التغييرات في رأس السلطة فيما أسماه «ثورة التصحيح».
لم ترحم الصحافة فاتن عقب عودتها، ولم يتوقف الهجوم عليها إلا عقب لقائها بمحمد حسنين هيكل، رئيس تحرير جريدة الأهرام في هذا التوقيت. عادت فاتن للسينما بفيلم «الخيط الرفيع» مع بركات مرة أخرى. حيث حقق الفيلم نجاحا لا بأس به، ولكنها أدركت حينها أن الوقت حان لتحول جديد.
واتخذت فاتن حينها قرارا غير متوقع على الإطلاق. تخلت بإراداتها عن أدوار الفتاة العاشقة، وقفزت خطوة واسعة إلى أدوار الأمومة. ولم تبدأ كأم لأطفال صغار، ولكنها أم لشباب مراهقين في الجامعة. وهكذا كانت «إمبراطورية ميم»، وعادت فاتن إلى القمة مرة أخرى.
في «إمبراطورية ميم» لجأت فاتن لمخرج جديد هو «حسين كمال»، كما لجأت لقصة قصيرة لمعشوق الجماهير حينها «إحسان عبد القدوس»، قدم «نجيب محفوظ» المعالجة الدرامية الأولى للفيلم، قبل أن يعيد عبد القدوس كتابة السيناريو والحوار بشكل مكتمل.
في عقد السبعينيات استمرت فاتن في تربعها على عرش السينما بعد ثلاثة عقود كاملة من ظهورها، قدمت عقب «إمبراطورية ميم» أفلاما بحجم: «أريد حلا» مع المخرج «سعيد مرزوق»، الفيلم الذى أدى لتغيير قانون الأحوال الشخصية المصري وظهور قانون الخلع عقب ذلك، و«أفواه وأرانب» مع «بركات» مرة أخرى، فيلم الدراما الاجتماعية الذي قام فيه النجمان «فريد شوقي» و«محمود ياسين» بأدوار مساندة لها.
في الثمانينيات بدأت السينما في الركود، كما بدأ الزمان في فرض أحكامه على فاتن، فالفتاة التي كانت تقوم ببطولة عشرة أفلام أو أكثر في العام، لم تصنع غير فيلمين في حقبة الثمانينيات مكتملة، هما «يوم مر ويوم حلو» مع مخرج جديد هو «خيري بشارة»، و«ليلة القبض على فاطمة» آخر أفلامها مع مخرجها القديم بركات.
فقدت فاتن -بحكم السن- قليلا من جمالها، ولكنها لم تفقد ذرة من جمال عقلها، أدركت أن لحظة التحول قد حانت فلم تتأخر عنها، فهاجرت من الشاشة الكبيرة إلى الشاشة الصغيرة، فأدركها جيل جديد وارتبطت ذاكرته بها في صورة «أبلة حكمت».
في «ضمير أبلة حكمت» تعاونت فاتن مع كاتب درامي كان في أوج عطائه، هو الراحل «أسامة أنور عكاشة»، ومع مخرجة مبدعة هى «إنعام محمد على». كثفت فاتن خبرة السنين السينمائية وتوحدت بشكل مكتمل مع شخصية أبلة حكمت.
الطريف أن فاتن التي قدمت أكثر من 94 فيلما سينمائيا، أكثر من نصفها في الخمسينيات والستينيات، لم تحصد لقب «سيدة الشاشة العربية» إلا عقب عودتها في السبعينيات، وذلك من خلال الصحفي اللبناني «محمد بديع سربية» رئيس تحرير مجلة «الموعد». كان من الممكن أن يسقط ويُنسى كما سقط كثير من الألقاب، ولكن ذكاءها وقدرتها على صنع هذه التحولات المتلاحقة وهذه الاستمرارية المدهشة هو ما جعل هذا اللقب حقيقة.