اعادة تصنيع فانوس رمضان في مصر.. من فات قديمه تاه
أجبرت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر حالياً، الدولة على اتخاذ كثير من الإجراءات التقشفية، ومن بينها وقف استيراد السلع غير الأساسية، التي وصفت سابقاً في بيان حكومي بأنها سلع استفزازية، ومن بين هذه السلع -بالطبع-كان فانوس رمضان.
ويعد فانوس رمضان رمزاً كبيراً وذا أهمية خاصة لدى المصريين منذ ما يزيد عن الألف سنة، على الرغم من أن ظهوره —تاريخياً — لم يكن مرتبطاً بالشهر الكريم، حتى أن الاسم نفسه له أصل إغريقي، ومعناه المصباح.
وتقول قصة استخدام الفانوس-رمزيا- في شهر رمضان، أن حاكم مصر وقتها المعز لدين الله الفاطمي، كان دائما ما يخرج إلى الشارع في أخر أيام شهر شعبان، لاستطلاع رؤية هلال رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه يحمل كل منهم فانوسا ليضيئوا له الطريق، وكانوا يتغنون ببعض الأغاني التي تعبر عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان.
أما القصة الثانية، فتقول أنه لم يكن يسمح للنساء بالخروج سوى في شهر رمضان، فكن يخرجن ويتقدم كل امرأة غلام يحمل فانوسا، لينبه الرجال بوجود سيدة في الطريق ليبتعدوا، لتستطيع المرأة الخروج دون أن يراها الرجال، وبعدما أتيح للمرأة الخروج بعد ذلك ظلت هذه العادة لدى الأطفال، حيث يحملون الفوانيس ويطوفون ويغنون بها في الشوارع.
ولكن، كيف أثرت الأزمة الاقتصادية في مصر على عادة فانوس رمضان، المتأصلة لدى المصريين منذ زمن سحيق؟ وهل هذا الأثر إيجابي أم كانت له آثاراً سلبية؟ وهل كان لقرار الحكومة أثر أخر بدوره؟
الإجابة قدمها محمد رشدي، أحد الصانعين القدامى للفانوس، في منطقة خان الخليلي، والذي اضطرته الظروف خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى التوقف بشكل نهائي عن التصنيع، وتحويل جزء من مصنعه إلى محل لبيع الفانوس الصيني المستورد، والذي أغرق الأسواق خلال السنوات القليلة الماضية بشكل ملفت.
يقول محمد “لم نتمكن من مواجهة غزو الفانوس الصيني للأسواق، فالصينيون قدموا أشكالا جديدة قد تكون مبهرة للأطفال، ولكنها لم تكن تنتمي لشكل الفانوس المعروف، ولا علاقة لها به إلا من صوت وأغاني شهر رمضان، والأزمة أنها ذات أسعار تنافسية، فسعر الفانوس — رغم عدم جودته وقبوله للتلف بسرعة — يلقى رواجاً باعتباره نصف سعر الفانوس المحلي الصنع.
عندما أوقف الحكومة مطلع العام الجاري حركة استيراد السلع غير الأساسية، لم يتمكن المستوردون من جلب مزيد من شحنات الفانوس، التي يدخلونها إلى مصر باعتبارها لعب أطفال، ويركبون لها الأصوات هنا في مصر، فتمكنت بعض المصانع من العودة من جديد، ومن بينها مصنعنا، الذي عاد لصناعة الفانوس المعدني والزجاجي، والفانوس التاريخي الذي نصنعه منذ 100 عام، فالمصنع توارثناه أبا عن جد.
في أحد مراكز محافظة القليوبية، وعند مدخل محل مصمم على الطراز الحديث، رغم أن سلعته تاريخية، يقف “مهيمن”، وهو شاب عشريني، يفاوض أحد زبائنه على سعر فانوس خشبي، مصمم بدوره بتكنولوجيا حديثة، وإن كان محافظاً على الطراز القديم المتوارث في التراث المصري، وعندما تقترب منه، تجد أن الأسعار في متناول الجميع بالفعل.
يرى مهيمن أن فكرة استيراد الفانوس من الصين ليست مشكلة في حد ذاتها، ولكن المشكلة تكمن في أن ما يتم استيراده ليس سوى لعب أطفال لا علاقة لها بالفانوس، وبالتالي فإن التراث نفسه تضرر وليس الاقتصاد والتجار فحسب، فالفانوس الأصلي اختفى لفترة تقارب ال4سنوات، وبالتالي هناك أجيال لا تعرف الفانوس التقليدي، وتعتقده مجرد لعبة سيارة أو طائرة أو طبق طائر وغيرها من النماذج التي تم استيرادها من الخارج.
وتعد مدينة القاهرة في مصر أهم المدن الإسلامية التي تزدهر فيها صناعة الفوانيس، وهناك مناطق معينة مثل منطقة تحت الربع القريبة من حي الأزهر، والغورية، ومنطقة خان الخليلي، وأيضاً بركة الفيل بالسيدة زينب من أهم المناطق التي تخصصت في صناعة الفوانيس، من هذه الأماكن انطلق الفانوس إلى عدد كبير من الدول العربية، ليصبح الفانوس لاحقاً رمزاً رمضانياً هاماً بها، وتقليداً يصعب التخلي عنه.