النكبة في وجدان ابنائها من الأدباء والشعراء الفلسطينيين
كتب محمد القشلان
استطاع عدد من الأدباء والشعراء الفلسطينيين مثل محمود درويش وسميح القاسم، أن يعبروا عن روح المقاومة من خلال كتاباتهم، وعلى المستوى النثري نجد هذه النزعة واضحة أيضًا في كتابات غسان كنفاني، حيث كانت النكبة التي شهدتها فلسطين عام 1948 هي المفجر الرئيسي لهذه الروح لدى هؤلاء الأدباء، فقد عاشت القضية الفلسطينية أحداثـًا مأسوية خلال تلك الفترة، وفي الذكرى الـ69 للنكبة نستدعي أبرز الأعمال التي جسدت أدب المقاومة.
محمود درويش
إلى أَين تأخُذُني يا أَبي؟
إلى جِهَةِ الريحِ يا وَلَدي…
وَهُما يَخْرُجانِ مِنَ السَهْل، حَيْثُ
أَقام جنودُ بونابرتَ تلاَّ لِرَصْدِ
الظلال على سور عَكَّا القديم –
يقولُ أَبٌ لابنِهِ: لا تَخَفْ.
لا تَخَفْ من أَزيز الرصاص!
التصِقْ بالتراب لتنجو!
سننجو ونعلو على جَبَلٍ في الشمال
ونرجعُ حين يعود الجنودُ إلى أهلهم في البعيد
– ومن يسكُنُ البَيْتَ من بعدنا يا أَبي؟
– سيبقى على حاله مثلما كان يا ولدي!
وفي هذه القصيدة يعود محمود درويش للوراء، حيث يذكر ما حدث عام 48 من تهجير وقد كان صبيا في ذلك الوقت، وجاء سرد القصيدة وأسئلتها كما يليق بطفل يسأل أباه عن مصيره بعد التهجير، ويستطيع درويش أن يصور مشهد خروجهم وما لحق العرب من عار في هذه النكبة، فيقول: “لا تَخَفْ من أَزيز الرصاص! التصِقْ بالتراب لتنجو!”
محمد بهجت الأثري
لم يكن أثر نكبة 48 جسيما على الفلسطينيين فقط بل على الأمة العربية كلها، ولذلك نرى الكثير من الأدباء والشعراء تأثر بها تأثرا كبيرا فسجلها بطريقته الإبداعية ومن هؤلاء الشاعر العراقي الكبير محمد بهجت الأثري، عندما كتب قصيدة بعنوان “فلسطين في ليل الاستعمار” والتي يتحدث فيها عن النكبة وعن فلسطين قائلا:
ما ذنبُها؟ أقدت للحرب نائرة
فيها وصالت بها للبطل أَهواءُ
أرخت إليها الليالي من أعنتها
وغض من عزمها قيد وإنضاء
لم تَصْحُ من ظلم باغ ضامها زمنا
حتى دهتها البرايا وهي أعداء
جادوا بها لعبيد العجل من سفه
كأنما يدهم بالمال خرقاء
ما بالهم لم يجودوا بالذي ملكوا
من أرضهم وهم الصحب الأَوِداءُ
“جنبول” أعطى و”سام” باع مرتشيا
والحمر أغرت وأم الدهر خرساء
سميح القاسم
يا إخوتي !
آباؤنا لم يغرسوا غير الأساطير السقيمة
واليتم.. والرؤيا العقيمة
فلنجنِ من غرسِ الجهالة والخيانة والجريمة
فلنجنِ من خبز التمزّقِ.. نكبة الجوع العضال
يا إخوتي السمر الجياع الحالمين ببعض راية
يا إخوتي المتشرّدين ويا قصيدتيَ الشقيّة
ما زال عند الطيّبين من الرثاء لنا بقيّة
ما زال في تاريخنا سطر.. لخاتمة الرواية
في قصيدة “أطفال سنة 1948” يفجر سميح القاسم كمًّا كبيرًا من الأسى ساخطًا فيه على هذا العالم العربي وما فعله أهل هذا الجيل، وكانت نتيجته عظيمة على الأجيال اللاحقة، وعلى رأسهم جيل النكبة وهم أطفال 1948، ثم إن سميح القاسم يعول على سواعد العرب عامة والفلسطينيين خاصة في تصحيح هذا المسار والعودة به إلى أصله الأول والأبدي، وهو عودة الأرض لأهلها من يد المغتصب.
غسان كنفاني
جاءت رواية “رجال في الشمس” لكنفاني؛ لتكون ترسيخًا ومشهدًا واقعيًّا لما يلاقيه الشعب الفلسطيني من اضطهاد وسوء معيشة بفعل الاحتلال من نكبة 48 وإلى الآن، فتعد هذه الرواية أول تجسيد حقيقي لتشرد الفلسطينيين وموتهم المسكوت عنه، والتي تدور أحداثها من خلال ثلاثة فلسطينيين بأعمار مختلفة، يحاولون الهرب إلى الكويت حيث الحياة الأفضل، فيهربون في خزان شاحنة، وعند الحدود يتأخر السائق قليلًا، فيموتون دون ضجيج، ولا يرفعون صوتًا، ولا يدقون جدار الخزان، ولذلك علقت جملة “لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟” بأذهان كل من قرأ الرواية، واستطاع كنفاني في هذه الرواية الصادرة عام 1963 أن يربط بين هذا الزمن ونكبة 48 من خلال شخصية السائق الذي يدعى “أبو الخيزران” وهي شخصية حقيقية فقدت رجولتها في 48.