كتاب جديد يجيب عن سؤال الزواج بين العندليب والسندريللا

حالة تعتيم وغموض فرضها عبدالحليم حافظ وسعاد حسنى على علاقتهما التى بدأت فى نهاية عام 1959، لكن الغريب أن حالة التعتيم هذه استمرت رغم مرور أكثر من أربعين عاما على رحيل الأول، وستة عشر عاما على رحيل الثانية. الكاتب الصحفى والناقد السينمائى أشرف غريب اختار أن يتصدى لفك لغز هذه العلاقة بين النجمين الكبيرين فى كتابه «العندليب والسندريللا.. الحقيقة الغائبة» الذى صدر أخيرا عن دار الشروق.

ثلاثة أشياء مختلفة سوف تجدها فى هذا الكتاب الذى يكشف عن عدد من المفاجآت والأسرار فى حياة النجمين الكبيرين، أولها أنه لا يبحث فقط عن إجابة لسؤال «هل تزوج عبدالحليم حافظ من سعاد حسنى؟» ولا يخاطب فقط جمهور العندليب أو جمهور السندريللا ــ وهم ليسوا بالقليلين، وإنما هو كتاب يقرأه كل عاشقى الفن، وكل المهتمين بالتاريخ المصرى لأنه يستعرض مصر اجتماعيا وفنيا وسياسيا فى فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات.

الأمر الثانى أن أشرف غريب، استخدم درجة عالية من الحرفية والدقة فى هذا الكتاب فهو لم يعتمد أسلوب السرد العادى السائد فى معظم الكتب التى تتناول مسيرات نجوم الفن، ولا استسلم لمعالجة الموضوع بشكل تجارى، وإنما اختار أن يؤسس لمنهج جديد يعتمد على التوثيق فى الكتابة عن المشاهير. وهو الأمر الذى سبق أن بدأه فى كتابه السابق «الوثائق الخاصة لليلى مراد» الصادر عن دار الشروق عام 2016 والذى يعتمد على قراءة تحليلية للوثائق الرسمية والخاصة التى لا تقبل الشك أو التأويل، وتؤرخ لحياة ليلى مراد بشكل منضبط ودقيق، قبل أن يكشف من خلال تلك القراءة المتأنية عن حقائق تصل إلى حد المفاجآت.

حالة التحقيق التاريخى والسينمائى المغايرة، اختار المؤلف أن يضيف لها أمرا ثالثا ــ نادرا ما يلتفت إليه أو يعالجه النقاد ــ وهو علاقة الفنان بالجمهور وكيف أصبح هذا الطرف الثالث جزءا من معادلة العلاقة بين حليم وسعاد، وكيف تسبب فى إفساد هذه العلاقة فى فترة لاحقة.

يتضمن الكتاب ستة فصول رئيسية، أضاف إليها الكاتب أربعة ملاحق تتضمن قائمة أفلام عبدالحليم حافظ وقائمة أفلام سعاد حسنى ثم ألبومى صور لكل منهما يتضمن عددا من الصور ــ بعضها نادر ــ من حياتهما الخاصة والسينمائية.

يتعرض الفصل الأولى لبدايات ظهور عبدالحليم، ورحلة صعوده منذ كان طفلا يتيما فى قرية الحلوات بالشرقية حتى أصبح «نجم شباك»، موضحا حال السينما المصرية فى أوائل الخمسينيات. بدايات حليم الأولى فى عالم السينما كانت من باب الغناء حينما ظهر صوته فقط فى الفيلم المدبلج «علاء الدين والمصباح السحرى» عام 1951، وأيضا فى فيلم «بعد الوداع» بطولة فاتن حمامة وعماد حمدى وإخراج أحمد ضياء الدين عام 1953، كذلك غنى فى العام نفسه فى فيلم «بائعة الخبز» بطولة أمينة رزق وزكى رستم وإخراج حسن الإمام، ثم فى فيلم «فجر» عام 1955 بطولة ماجدة وجمال فارس ومن إخراج عاطف سالم.

الغريب أن السينمائيين لم يتحمسوا لدخوله إلى السينما بل إن عاطف سالم قال فى أثناء تجهيز فيلم «فجر» عبدالحليم لا يصلح للسينما! كانت تلك الفترة من أغزر سنوات الإنتاج فى السينما المصرية، ففى السنوات الثلاث من 1952 وحتى 1954 تم إنتاج 189 فيلما بمتوسط 63 فيلما فى العام. جاء ظهور العندليب ليغير من طبيعة الأفلام فى ذلك الوقت فبعد أن كانت الميلودراما تقدمها النجمات فقط، بدأ الجمهور يتقبل فكرة البطل الميلودرامى. كان عبدالحليم حافظ أكثر ملاءمة لتقديم صورة البطل الرومانسى من النجوم الذين تخطوا سن الفتى الأول مثل عماد حمدى أو يحيى شاهين.

النجاح الكبير الذى حققه حليم ووصوله إلى مرحلة نجم الشباك، جعل بعض الممثلين يرفضون أداء دور الشر أمامه. زيزى البدراوى مثلا قالت إن الجمهور كرهها بعد فيلم «البنات والصيف» وتساءل فى غضب من هذه لكى ترفض حب عبدالحليم وتتسبب له فى كل هذا العذاب والألم؟

الشىء نفسه حدث للفنان يوسف شعبان فى «معبودة الجماهير» لمجرد أنه لعب دور غريم عبدالحليم فى حب شادية بطلة الفيلم، وهل ينسى أحد الصفعة الشهيرة التى تلقاها عبدالحليم من الفنان عماد حمدى فى فيلم «الخطايا»، وظلت لعناتها تطارده وهو ما عبر عنه عماد حمدى نفسه حين قال فى أحد حواراته سنة 1980 «تخيلوا الناس مازالوا يسألوننى حتى اليوم: ليه ضربت عبدالحليم؟ حرام عليك ده ضعيف وما يستحملش قلم زى ده!»، وهو ما يكشف إلى أى درجة وصلت نجومية حليم.

الفصل الثانى يستعرض مشوار سعاد حسنى منذ أول أفلامها «حسن ونعيمة» عام 1959، كان المجتمع وقتها فى حالة تغيير وكانت السينما فى حاجة إلى بطلة تمثل نموذج الوسطية دون مبالغة، نموذج يرفض أن يكون فريسة كبطلات الميلودراما، ولا يحب أن يكون صيادا كنجمات الإغراء، وإنما هو يخطئ ويصيب، يحب ويكره، يضحك ويبكى، باختصار.. نموذج طبيعى غير مصنوع يمكن أن ترى شبيها له فى حدود الأسرة والجيرة والعمل والجامعة. وهكذا كانت الساحة مهيأة لسعاد حسنى لأن تصعد. يستعرض هذا الفصل بداياتها الأولى ثم مرحلة النضج فى أفلام الستينيات وتحطيمها للأرقام القياسية بفيلم «خلى بالك من زوزو»، قبل أن يكشف التغيير الذى أصاب المجتمع والسينما فى الثمانينيات وصولا إلى وفاتها عام 2001.

الفصل الثالث يتعرض فيه لبداية العلاقة بين حليم وسعاد، عام 1959، وقتها كانت السندريللا فى عامها الأول فى دنيا الفن، أما حليم فكانت دولته الغنائية قد رسخت دعائمها بعد نحو ثمانى سنوات من احترافه الغناء، وعلى مستوى السينما كان قد قدم 11 فيلما من أصل أفلامه الستة عشر. أما عن علاقاتهما العاطفية، فلم تكن ابنة السابعة عشرة إلا قليلا قد دخلت فى تجربة حب حقيقية اللهم إلا إحساس عابر بأحد جيرانها، كان مجرد إحساس مرحلة ما قبل المراهقة لفتاة فى الثالثة عشر، وانتهى الأمر دون أن يبقى فى نفس سعاد وقلبها إلا الذكريات، أما عبدالحليم الذى كان قد تجاوز الثلاثين من عمره فقد عرف الحب وخبره. أحب قبل سعاد وبعدها وربما أثناء علاقته بها أيضا!

هنا يضع أشرف غريب يده على أحد الملفات الشائكة، والتى أوضحها هو قائلا «ربما كانت صعوبة التعامل مع سير مثل هذه الشخصيات ذات الجماهيرية الطاغية أنك تجد نفسك فى مواجهة الجماهير العاشقة التى لا تقبل منك المساس بتلك الكائنات الزجاجية الشفافة التى وضعوا عليها لافتة «ممنوع الاقتراب أو التصوير» فتصبح أنت أيضا تحت ضغط هؤلاء الجماهير… لكننى لا أستطيع أن أعد عشاق عبدالحليم وسعاد بذلك، فقد تكون الحقائق الموجودة على صفحات هذا الكتاب خادشة لطبيعتهما الزجاجية المصانة بعشق الجماهير… إننى حصنت نفسى قبل النفاذ إلى هذا الملف الشائك بكل مضادات الانحياز وعدم الموضوعية، فإذا كنت فى النهاية أحب النجمين الكبيرين فإننى بالتأكيد أحب الحقيقة أكثر».

يكشف أشرف غريب عن كثير من المفاجآت فى حياة عبدالحليم حافظ العاطفية، أهمها تعدد هذه العلاقات وإنكار حليم نفسه المستمر لها خوفا على علاقته بالجمهور!

يقول الكاتب إنه حتى نهاية عام 1959 كان حليم قد عاش ثلاث أو أربع تجارب حب كبرى على الأقل، أكثرها براءة كانت فى الزقازيق مع «طاطا» أو فاطمة، وهى التى تم الكشف عنها بعد رحيله بسنوات. أما أكثر هذه التجارب غموضا، فكانت أيام الشقاء والصعلكة وبطلتها الراقصة «ميمى فؤاد» التى ظلت تلاحقه بعد أن عرف طريق النجاح والشهرة على أثر إنكاره لها ولقصة حبهما، أما أكثرها قوة ودراماتيكية فكانت مع السيدة «ديدى الألفى» التى كانت زوجة قبل أن يحبها حليم وتطلب الطلاق ليغيبها الموت فى نهاية مأساوية لقصة حب عنيفة رواها عبدالحليم كثيرا.

ورغم هذه العلاقات فإن عبدالحليم حافظ فى 18 كانون اول عام 1959 يؤكد فى حوار لمجلة المصور أنه لم يعرف الحب! بل ويضيف قائلا «أنا لم أحب قط فى حياتى، وأقسم على ذلك برحمة والدتى، وهذا القسم هو أعز قسم عندى»!

يتعرض الفصل الثالث أيضا لبداية تعارف حليم وسعاد فى نهاية عام 1959 فى فيلم «البنات والصيف»، ثم يكشف عن اختلاف رواية التعارف نفسها بين العندليب والسندريللا قبل أن يختم الفصل بتساؤلات مهمة وشائكة «هل عاش عبدالحليم حافظ وسعاد حسنى بالفعل قصة حب أم أن علاقتهما لم تتجاوز مرحلة الصداقة؟ هل تزوج الاثنان زواجا رسميا أو حتى عرفيا؟ هل وثيقة الزواج التى أظهرتها أسرة سعاد حسنى أخيرا صحيحة أم لا؟» هذه التساؤلات الكبرى هى التى تضطلع باقى فصول الكتاب بمحاولة الإجابة عليها.

يبدأ الفصل الرابع بمشهد أثار الانتباه فى مساء يوم الاثنين الثامن والعشرين من اذار عام 1960 حيث كانت سينما ديانا بالقاهرة تستقبل حدثا مهما فى حياة العندليب، إنه العرض الأول لباكورة إنتاج شركته الجديدة فيلم «البنات والصيف». المشهد جاء بعد انتهاء العرض عندما خرج عبدالحليم وقد تأبط ذراع البطلة الثانية سعاد حسنى وليست الأولى زيزى البدراوى! يومها أيقن الجميع أن شيئا ما أكبر من مجرد زمالة عمل يجمع بين حليم وسعاد حتى وإن بدا أقل من أن يوصف بأنه قصة حب.

ويستعرض الفصل الرابع شهادات الكثير من المقربين من النجمين الكبيرين عن طبيعة العلاقة بينهما، قبل أن يتوقف عند إجابات حليم وسعاد عن علاقتهما والتى كانت تؤكد أنها مزيج من الإعجاب والصداقة. كان الاثنان يتعمدان نفى وجود أى قصة حب، ورغم هذا لم تتوقف محاولات الصحافة المصرية واللبنانية لفك لغز هذه العلاقة.

يعرض الكاتب الكثير من الشهادات والحوارات التى تدور فى نفس حالة الإنكار قبل أن يتوقف عند المفاجأة الكبرى التى نشرتها مجلة الشبكة فى الرابع من حزيران عام 1966، والتى تتضمن تصريحات واضحة لسعاد حسنى قالت فيها إن عبدالحليم انحرف بحبهما فمات هذا الحب إلى الأبد، ولم يتأخر رد العندليب، فقد حاورته المجلة ذاتها فى العدد التالى مباشرة وجاء الموضوع تحت عنوان «عبدالحليم يرد على سعاد حسنى: لم أحب سعاد فى حياتى!

وبعد أسابيع وبالتحديد فى السابع عشر من تموز عام 1966 بلغ التلاسن حدته حينما نشرت الشبكة حوارا آخر مع عبدالحليم كان عنوانه صادما «عبدالحليم حافظ يفجر القنابل فى بيروت: سعاد حسنى كذابة»!

ولا تنتهى المفاجآت عند هذا الحد، إذ نشرت المجلة اللبنانية ذاتها فى عددها التالى تصريحات منسوبة إلى سعاد حسنى تقول فيها «فعلا أنا كذابة وعبدالحليم معه حق فى كل ما قاله، نعم أنا قلت هذا من أجل تحقيق شهرة من وراء هذه القصة»!

وتستمر الشائعات والروايات حتى بعد وفاة عبدالحليم عام 1977، وهو ما يكشف عنه الفصل الخامس مستعرضا حال مصر فى تلك الفترة كاشفا عن التداخل بين السياسة والفن. وما بين شهادة تؤكد حدوث زواج بين حليم وسعاد وشهادة أخرى تقطع بالنفى، يتوقف أشرف غريب عند عام 1992. كانت سعاد حسنى فى ذلك التوقيت بعيدة عن مصر فى رحلات مكوكية بين لندن وباريس بحثا عن العلاج، وفجأة أدلت بحديث صحفى مطول من العاصمة الفرنسية إلى مفيد فوزى وقت أن كان رئيسا لتحرير مجلة صباح الخير. كان الحديث الصحفى عاديا تقليديا إلى أن جاءت الفقرة التى كانت بمثابة قنبلة حيث سأل مفيد سعاد حسنى سؤالا عن عبدالحليم بعد تمهيد بسيط: «كنت أتمنى أن يجمعكما بيت واحد لا فيلم واحد»، فقالت سعاد بهدوء «حصل»، سألها بدهشة: «إيه اللى حصل؟» لتجيب «تقصد بالعربى ليه ما اتجوزناش؟ حصل زواج عرفى واستمر ست سنين».

ويعود المؤلف للتحقيق التاريخى والفنى ليبحث عن إجابة للتساؤلات التى سبق أن طرحها قبل أن يضيف إليها تساؤلا جديدا فى الفصل السادس عن وثيقة الزواج العرفى خاصة بعد المفاجأة التى تفجرت فى صيف عام 2016 حينما أعلنت السيدة جنجاه عبدالمنعم حافظ الأخت غير الشقيقة لسعاد حسنى عن ورقتين قالت إنهما الوثيقة المنتظرة التى تثبت زواج النجمين المعروفين.

سلسلة من المفاجآت والأسرار يفجرها أشرف غريب، شهادات نادرة ووثائق قد تقرأها لأول مرة، جهد بحثى كبير تدفعه رغبة فى معرفة تلك «الحقيقة الغائبة» التى سوف تعرفها عندما تنتهى من قراءة صفحات هذا الكتاب الشائق والممتع «العندليب والسندريللا».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى