صفعة القرن!

ترامب يصل إلى بلادنا. لن يبدأ بالمحتل منها، أي فلسطين، ولكن بعد حلوله فيها سوف يتبين لنا أخيراً ما خفي من غامض أهزوجته التصفوية المدوية “صفقة القرن”. ما عدا نتنياهو وربعه، ورغم ما يسِّربونه من مزعوم قلقه من أن  يفاجئهم ببعض ما لا يشتهونه تسووياً، كل من يعنيهم أمر الصفقة في الجانب المقابل يضع يده على قلبه خشيةً من تحوَّل “صفقة القرن” المأموله إلى “صفعة القرن” المرجَّحة. بمعنى، أن تسوويينا الفلسطينيين وتصفويينا العرب يخشون من عرض ترامبوي نتنياهوي الجوهر بحيث لا يستطيعون بلعه، أو بالأحرى لا يجرءون على تسويقه وتبليعه للوجدان الشعبي الرافض لهضم مبدأ الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية…الوجدان الرافض لكل ما هو مغاير لأبجديات الصراع، والمتناقض مع حقائق التاريخ وقوانين الجغرافيا، ومن ثم المخالف للرؤية والرواية العربية الأصل…ولأنهم يدركون أنه، وبالرغم من كل ما لحق بهذه الأمة في مثل هذه المرحلة المدلهمة والأسوأ التي تعيشها، وكل هذا الواقع الانحداري الذي يمر به راهنها المفتت والدامي، فلا زالت هذه القضية وستظل هي قضيتها المركزية اللائذة بعمق هذا الوجدان ، شاء من شاء وأبى من أبى.
ترامب، الذي تلاحقه متاعبه الأميركية البحتة المبكرة والمتفاقمة طرداً بازدياد أيام وجوده في البيت الأبيض، يجد في حقل السياسة الخارجية لبلاده ملاذا يحاول من خلاله، مساومةً أو بلطجةً، ترقيع صورته الداخلية، هذه التي عجَّلت استفزازاته لأجهزة ومؤسسات الدولة العميقة، وعثراته المتلاحقة، التي تنم عن أن من قضى عمره في مراكمة المليارات لم يجد الوقت الكافي للاطلاع على التاريخ والتعرُّف على الجغرافيا، ولا حتى تعلُّم أصول التصرُّف كرجل دولة، تفعل مفاعيلها في تمزيقها حتى لدى حزبه ومناصريه. مثل هذا منه ليس بالطارىء المستجد على البيت البيض، إذ لطالما كانت السياسة الخارجية لدى الإمبراطورية الأميركية مقصداً لساكنه لستر عيوب سياساته الداخلية والتغطية على عوراتها بصرف الأنظار عنها.
هناك من الدلائل التي يوفرها تزايد الأصوات الداعية حد إخراجه من البيت الأبيض ما يجعل مهمته الترقيعية المشار إليها عسيرة، أضف إلى هذا، أن كل ما نمي من خبر توجهاته إبان حملته الانتخابية وبعد فوزه بالرئاسة وما يحيط به في أدارته ممن اختارهم لشغل مواقعها يشي سلفاً بما سيعرضه على العرب، إن كان فعلاً نضج لديه ما يعرضه، وهو إن لم يرق إلى مستوى الإشباع لنهم نتنياهو التهويدي، فعلى الأقل لن يبتعد كثيراً عن رؤيته لتصفية القضية الفلسطينية، وبغيرهما فلسوف يُرفض من نتنياهو. هذا من ناحية، ومن أخرى، فإن أي حل ترامبوي تصفوي يعرض على عرب التسوية يتجاوز قدرتهم على تسويقه، أو فرضه على الوجدان العربي، والفلسطيني قبله، سو يصعب تبنيه من قبل من سيعرضه عليهم من التسوويين الفلسطينيين والتصفويين العرب، وما خلا هذين المآلين فما من بأس عند طرفي التسوية وعرَّابها من إحالة الأمر إلى العودة إلى ملهاة “المفاوضات حياة”، أو التفاوض من أجل التفاوض، وترك الزمن يعمل لصالح التهويد، والالتفات إلى أولوية صاحب الصفقة، إلا وهي تحشيد عدوا الأمس لمواجهة عدوهما البديل!
قريباً سوف تتكشف ما حوت جعبة سمسار العقارات الحاذق من بضاعة تصفوية يعلم قبل سواه كسادها ويزعم بخلافه، علماً بأنه لم يخفِ كون ترويجه لصفقة عصره ليس هدفاً بذاته، وإنما لجعلها منطلقاً لصفقاته الاستراتيجية ومعها التسليحية، وانطلاقاً من وعوده التي بشَّر بها في حملته الإنتخابية والرامية للعمل على ترميم سطوة الإمبراطورية الكونية والحفاظ على مصالحها في عالم ضاق ذرعاً بتفردها بقراره، وأخذت مراكزه الصاعدة في التحفُّز لدفن آحادية القطبية المتهالكة والبادي على راهنها علائم بدايات الأفول.
فات ترامب ومن يراهنون على صفقته ويتحسبون لصفعته أن القضية الفلسطينية كانت وستظل فوق طائلة التصفية ما بقي فلسطيني واحد. لعل هذا هو ما يدركه عدو الفلسطينيين أكثر من أشقائهم من فلسطينيي التسوية وعرب التصفية…تكفي الإشارة إلى إضراب الأسرى الأبطال الداخل شهره الثاني، وانعكاساته على الشارع الذي يغلي في الضفة، والذي على شفى حفرة من الانفجار في غزة، حيث يفاقمه حصار إبادي ممتد من العدو والشقيق، وضغوط اوسلوية بلغت حد التجويع…انفجار يخشى العدو أن لا يطول انتظاره، ويحذِّر قائد استخباراته العسكرية من أنه، إلى جانب استراتيجية الأنفاق المؤرقة والاستعدادات الغزية الجارية على قدم وساق للمواجهة، امتلاك المقاومة “صواريخ دقيقة متطورة ومتقدمة جداً، بإمكانها إصابة مدينة حيفا، البعيدة نسبياً عن القطاع، بدقة بالغة”، ويعد قائد الجبهة الجنوبية اياد زامير، مستعمري المستعمرات المحيطة بغزة بأن لدى جيشه خطة لإجلائهم حال اندلاع حرب مع المقاومة.
ليس من قوة في هذه الأرض بقادرة على إيقاف صراع وجود لا حدود، ومصيري ليس لشعب اسطوري الصمود ومذهل التضحيات فحسب، وإنما لأمة مجيدة ما كبت يوماً إلا لتنهض، كما ليس من السهل على ترامب محو ما سطَّرته عدوانبتهم بدمنا المسفوح، أقله في العقود الأخيرة، في العراق وليبيا وسورية، يضاف إليه شلال الدم الفلسطيني الذي لا ينقطع، والقائل: عدونا هو المشروع الغربي المعادي بقيادتكم، وما الكيان الغاصب إلا ثكنة متقدمة لكم في بلادنا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى