تشابه كبير بين الاغاني الوطنية في روسيا والعالم العربي

احتفلت روسيا قبل أيام، في 9 ايار الجاري، بذكرى انتصار البلاد في الحرب العالمية الثانية، التي أُقحم فيها الاتحاد السوفيتي بعد عامين من اندلاعها، وتحمل في روسيا اسم الحرب الوطنية العظمى.

تجدر الإشارة هنا إلى أن تضحيات شعوب الاتحاد السوفيتي السابق بعشرات الملايين، على مختلف أطيافه وانتماءاته العرقية والدينية، شكلت عامل الحسم في وضع نقطة الانتصار والقضاء على النازية وفي عقر دارها.. برلين.

رافقت الاحتفالات التي عمّت ربوع روسيا من أقصاها إلى أقصاها مسيرات، حمل فيها الروس صور آباءهم وأجدادهم وكل عزيز حمل روحه على كفه واتجه إلى الجبهة دفاعاً عن الوطن.. ويمكن القول دون شك إن كل بيت في روسيا شارك بالدماء لحماية أرضه وبيته. وبالإضافة إلى صور الأبطال فإن ذكرى النصر كانت حاضرة في وسائل الإعلام ومحطات التلفزيون التي عرضت أفلاماً قديمة وحديثة عن الحرب الوطنية العظمى.

وبما أن الأغنية تشكل مكوناً رئيساً في هذه الأفلام.. طُبعت ألحانها ومعانيها في الوجدان الروسي، فمن الطبيعي أن تُبث هذه الأغاني الوطنية في أيام الاحتفالات والاحتفاء بالانتصارات بشكل مكثف.. ما يعيد ربما أي متابع عربي ملم بالثقافة الروسية للمشهد إلى الأغاني الوطنية العربية، وقد يعقد مقارنة بين القالب الفني الذي تُقدم به الأغنية الوطنية الروسية ونظيره للأغنية العربية ليلمس الفارق بين الأغنيتين.

فالأغنية الوطنية الروسية في أغلبها هي أغنية هادئة بلحن عذب وكلمات رقيقة.. وهو ما يمكن رصده في الأغنية الوطنية العربية أيضاً ولكن في إطار الاستثناء، إذ أن هذه الأغنية تكون عادة أشبه بنشيد حربي بهدف أن يلهب الحماس، مع وجود عدد من الأغاني التي تشدو بحب للوطن بمشاعر مرهفة وعواطف جياشة دون اللجوء إلى آلات نحاسية أو إيقاع عسكري.

ومن البديهي أن يتذكر أي عربي، حين يتحدث عن الأغنية الوطنية العربية، أغانٍ صدحت بالحب للوطن من محيطه إلى خليجه بصوت واحدة من أشهر الفنانات في العالم العربي وهي السيدة فيروز، التي غنت للعرب وأوطانهم وأبطالهم حتى أنه بات بالإمكان دراسة جغرافيا العالم العربي بالمدن التي صدح صوت فيروز بها.

فهي لم تكتف بالغناء لبيروت وحبها للبنان.. بل غنّت لمكّة وبغداد ودمشق وعمّان والاسكندرية، كما غنت للكويت ولتونس والمغرب وللجزائر من خلال بطلتها جميلة بوحيرد.. وبالطبع غنّت واحدة من أجمل الأغاني الوطنية لفلسطين وهي “زهرة المدائن” التي تبدأ وكأنها تهاليل دينية، فضلاً عن أغنيتها “القدس العتيقة” و”بيسان”، ليشغل فرسان الأغنية اللبنانية، الأخوان عاصي ومنصور الرحباني وفيروز، موقع الصدارة ضمن أفضل من غنى لفلسطين وتغنى بفلسطين.

وبالحديث عن لبنان والرحابنة وفيروز.. فربما أغنية “بحبك يا لبنان” أروع أغنية وطنية لبنانية علماً أنها بلحن يبدو طربياً وبكلمات مرهفة، وبصوت مخملي ملائكي يجعل كل من يسمع هذه الأغنية يقع في حب لبنان، ويستشعر بنكهة الأرز حب وطنه وهو يسمع.. “وحبه من ترابك بكنوز الدني”.

ومن يدري.. لربما ترك الفن الروسي أثراً عميقاً لدى الرحابنة، فانعكس بتحف فنية خالدة في روسيا خلدها بدوره صوت السيدة فيروز التي غنت إحدى أشهر الأعمال الموسيقية الوطنية في روسيا “بوليوشكا بوليه”.. واشتهرت بنسختها العربية باسم “كانوا الخيّاله”.

ولكن ترى كم هي الأغاني العربية التي تتغنى بحب الوطن بألحان عذبة وصوت هادئ مثل أغنية “لبنان يا قطعة سما” لقديس الطرب وديع الصافي، أو “أصبح عندي الآن بندقية” لسيدة الغناء العربي أم كلثوم أو “يا حبيبتي يا مصر” و”أم الصابرين” للفنانة الكبيرة شادية.. أو أغنية “وتعيشي يا ضحكة مصر” من فيلم “أغنية على الممر” ؟

أما الأغنية الوطنية الروسية.. فعلى الرغم من أن فيها ما يحاكي المارش العسكري في إيقاعه، ولكن لا يمكن القول إن هذا النمط من الأغاني هو أول ما يتبادر إلى الذهن حين تسمع.. “أغنية وطنية روسية”. فهناك الكثير والكثير من الأغاني الوطنية وتحمل في الوقت ذاته أسمى معاني الجمال أبدعها فنانون روس، وهي أغانٍ سلسة تحاكي معاني إنسانية رفيعة تتحدث عن حب الأرض والوفاء للرفيق.. والرفيق هنا لا تحمل المعنى الذي قد يتبادر إلى الأذهان والمترسب في الذاكرة المتعلقة بالحقبة الشيوعية – السوفيتية.

يصعب حصد هذه الأغاني ولكن على سبيل المثال يمكن رصد أغنيتين روسيتين وطنيتين بأداء فنانين من جيلين مختلفين, الأولى بعنوان “هو لم يعد من المعركة” وهي للفنان الروسي الراحل فلاديمير فيسوتسكي الذي يعتبر ظاهرة فريدة من نوعها على الساحة الفنية الروسية، إذ لا تزال أشعاره وأغانيه تحظى بانتشار واسع حتى في صفوف الشباب.. والثانية هي أغنية “الحصان” لفرقة “لوبيه” ومؤسسها الفنان نيقولاي راستورغويف الذي يقدم الفنانة بيلاغيا للجمهور بأغلى ما يمكن أن توصف به امرأة.. إذ وصفها بالأم التي رُزقت بطفلها حديثاً.

وفيما يلي ترجمة لمعاني كلمات الأغنيتين الشهريتين..

أغنية “هو لم يعد من المعركة”

لماذا لم يعد كل شيء كما كان؟ يبدو وكأن شيئاً لم يتغير

نفس السماء.. كما هي زرقاء

نفس الغابة ونفس الهواء والماء لم يتغير

ولكنه لم يعد من المعركة

أنا في حيرة الآن.. من كان فينا على حق؟

في حواراتنا الصاخبة في ليالٍ طويلة

الآن فقط صرت أفتقده

عندما لم يعد من المعركة

كان يصمت في الوقت الخاطئ ويغرد خارج السرب

وكان دائماً يتحدث عن شيء آخر

كان يحرمني النوم وكان يستيقظ مع شروق الشمس

وبالأمس هو لم يعد من المعركة

نعم ثمة فراغ الآن.. ولكن ليس هذا هو المهم

فجأة اكتشفت أننا كنا اثنين

بالنسبة لي.. وكأن الرياح أخمدت شعلة

حينما لم يعد من المعركة

الربيع.. وكأنه تحرر أخيراً من أسره

وبزلة لسان ناديته..

يا صديقي.. اترك لي سجائر. والرد.. الرد صمت

إنه لم يعد في الأمس من المعركة

أمواتنا لن يتركونا في المأساة

من سقطوا منا كالحراس

ترى السماء في الغابة.. كما في الماء

والأشجار السماوية.. واقفة

كان يكفينا مخبأ تحت الأرض

والزمن كان يمر لنا نحن الاثنين

أما الآن فليس لي معين.. ولكن يبدو لي..

إنه أنا من لم يعد من المعركة…

***

أغنية “الحصان”

سأخرج ليلا مع حصاني إلى الحقل
في ليلة مظلمة سنسير بسكون
سنمشي وحصاني سوية في الحقل
سنمشي وحصاني سوية في الحقل
سنمشي وحصاني سوية في الحقل
سنمشي وحصاني سوية في الحقل
ليلة تبدو فيها النجوم من حقلي كثيرة
ولا أرى أحدا على مرمى بصري
فقط أنا وحصاني نمشي سوية في الحقل
فقط أنا وحصاني نمشي سوية في الحقل
فقط أنا وحصاني نمشي سوية في الحقل
فقط أنا وحصاني نمشي سوية في الحقل
***
سأمتطي حصاني
خذني بعيداً في حقلي
في حقولي الشاسعة
في حقولي الشاسعة
وأمهلني قليلاً لأرى
أين تلد الحقول الفجر
يا لون التوت البري
أحمر كالشفق
هل هذا المكان حقيقة أم حلم
يا لون التوت البري.. أحمر كالشفق
هل هذا المكان حقيقة أم هو حلم
***
حقلي يا حقلي ويا ينابيعي
أنوار القرى البعيدة
أيها القمح الذهبي
أيها الكتان المجعد
أعشقك يا روسيا.. أعشقك
أيها القمح الذهبي
أيها الكتان المجعد
أعشقك يا روسيا.. كم أعشقك
***
هي سنة طيبة وخير وافر
كل شيء سيمر كما مر ما قبله
غني أيها القمح الذهبي
غني أيها الكتان المجعد
غني عن مدى حبي لروسيا
غني أيها القمح الذهبي
غني أيها الكتان المجعد
أنا وحصاني نمشي سوية في حقلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى