بعد التهويد…القومية المفبركة وقوننة الأساطير

يقول واحد من كبار اساتذة قسم الآثار وحضارة الشرق القديم في جامعة تل أبيب، هو البروفيسور زئيف هيرتسوغ، في مقال كانت قد نشرته له صحيفة “هآرتس”، وعنوانه “التوراة: لا إثباتات على الأرض”: “بعد سبعين عاماً من الحفريات المُكثَّفة في أرض فلسطين، توصَّل علماء الآثار إلى نتيجة مخيفة، لم يكن هناك شيء على الإطلاق، حكايات الآباء مجرَّد اساطير، لم نهبط مصر، ولم نصعد من هناك، لم نحتل فلسطين، ولا ذكر لإمبراطورية داوود وسليمان…ويقول آخر، وهو البروفيسور شلومو ساند، ومن جامعة تل ابيب أيضاً، في كتابه “اختراع الشعب اليهودي”: “إن القومية اليهودية هي ميثولوجيا ولقد جرت فبركتها قبل مئة عام، من أجل تبرير إقامة الدولة الإسرائيلية”، ويؤكد ساند أن اليهود “لم يطردوا من الأراضي المقدَّسة، وإن معظم يهود اليوم ليست أصول أصول عرقية في فلسطين التاريخية”.
إن هذا ما يقولونه هم. بالنسبة لنا الأمر محسوم وخارج النقاش. هم غزاة مستعمرون وتفصيل من تفاصيل مشروع استعماري غربي معادي تاريخياً لأمتنا ومستمر على مدى القرون الثلاث الأخيرة ولا يزال. ولا بأس من أن نعيد ما نؤكده دوماً، وهو أن كيانهم المفتعل، وهما بلغ من القوة الغربية الفاجرة، يظل هشاً لكون اختلاقة يظل نقيضاً لحقائق التاريخ وقوانين الجغرافيا، ويهتز  ويُطرح وجوده للتساؤل لمجرّد اهتزاز واحد من مرتكزاته الثلاثة: البعد الأسطوري الديني، الذي تحدث عنه البروفسوران المشار إليهما، والوظيفي التخادمي في سياق استراتيجية المشروع الأم، والأمني، إذ لو فقد المستعمر القادم من استونيا أو ليتوانيا أمنه فسيسارع للعودة من حيث أتى، لا سيما وأن أغلبهم يحتفظ بجنسيته الأصل كخط رجعة.
نتنياهو، وكل تلاوين مستواهم السياسي يساراً ويميناً، يدركون حد الهلوسة ما يجاهر به البروفوسوران وينكرونه…جنون التهويد المتسارع، المرتفعة نسبة تسارعه خلال عام واحد 40%، من بين دوافعه، زيادة على كونه عماد استراتيجيتهم أصلاً، هو محاولة الاطمئنان إلى فرض أمرهم الواقع في بلادنا وتثبيته، واستجابةً لقلقهم الوجودي الناجم عن احساسهم بهشاشة كيانهم المفتعل وعدم الركون إلى مرتكزاته الثلاثة الرجراجة وغير المضمونة. والآن وقد ضاقت مساحة ما لم يهوَّد بعد من فلسطين، 450 مستعمرة في الضفة وقرابة 800000 مستعمر، تتم التهيئة للانتقال إلى أمرين والعمل على فرضهما بالتوازي، وهما، “يهودية الدولة”، ومسح ما كانوا يطلقون عليه “الخط الأخضر”، أي الحدود بين المحتلين في العام 1948و1967، وهذا يجري على مسارين تشريعيين أُعلن عن البدء في تحضيرهما:
الأول، مصادقة اللجنة الوزارية على مقترح قديم جاء أوان نبشه، كان قد قدمه قبل ما يزيد عن الأربع سنوات افي ديختر، النائب عن حزب ستبي ليفني “كاديما”، وينص على “إعلان إسرائيل دولة القومية اليهودية”، ويقول نتنياهو أنه سوف ينجز ويتم الانتهاء منه بالقراءات الثلاث خلال ستين يوماً، وهو يحدد الكيان الغاصب بأنه “الدولة القومية للشعب اليهودي في وطنه التاريخي، ويكرِّس علم الدولة، ونشيدها الوطني، والقدس عاصمتها الأبدية”، وينص على أنه “لا يحق لأحد تقرير المصير في اسرائيل سوى الشعب اليهودي”، ذلك لقطع الطريق على أوهام الأوسلويين الفلسطينيين والعرب التسووية، وقبله وبعده حق العودة، ويزيد فيلغي العربية كلغة رسمية، ويجيز إقامة ما اسماه بلدات “عرقية”، بمعنى معازل خاصة بالعرب، أكثر من هذا يعطي أولوية للقانون اليهودي “الديني” على القانون المدني، بمعنى تعزيز الصبغة الدينية للكيان.
الثاني، قانون تحضِّره المشهود لها بالغلو والعدوانية وزيرة عدلهم ايليت شاكيد، التي ما فتئت تطالب بالمسارعة في ضم المنطقة التي يطلق عليها اوسلوياً “ج” في الضفة الغربية، ومقترحها، الذي يشاركها فيه وزير السياحة الليكودي عميرام ايفلين، يقضي بتطبيق قوانينهم على مستعمرات الضفة كبديل للقوانين الاحتلالية العسكرية، وغرضهم من هذا هو طمس الفوارق بين الاحتلالين 1948، 1967، أو شطب “الخط الأخضر”، باختصار، ضم الأخير للأول.
أضف لهذين القانونين المقترحين ثالث صادقت عليه “الكنيست”، ويدعى قانون “كامينتس”، ويستهدف 50000 بيت فلسطيني في المحتل عام 1948حُرمت من الترخيص وباتت تحت طائلة مضاعفة الغرامات على أصحابها، ويأتي هذا في سياق التضييق عليهم ومنعهم من التوسُّع في البناء في حين أنهم في حاجة ماسة لما هو أكثر من 100000 بيت لحل مشكلة الضائقة السكنية التي يعانون فرضها عليهم…ولنتذكر، مثلاً، أن قرية العراقيب في النقب المحتل قد هُدمت للمرة الما بعد المئة ، أي بعد كل مرة يصر أهلها على إعادة بنائها يعيد المحتلون هدمها.
ما تقدم هو مجرّد خطوات لإنجاز الاستراتيجية الصهيونية الأساس التي لم تتغير منذ أن وضعت نهاية القرن التاسع عشر، أي تهويد كامل فلسطين، والذي لا يكتمل وفق تصوُّر واضعيها، دون التخلص من أهلها عبر مخططات الترانسفير طويلة الأمد ومتعددة الأوجه، والتي يعد التضييق السكني وهدم البيوت مجرَّد وأحد من تجلياتها…والسؤال، وماذا عن المقابل العربي والفلسطيني؟!
لندع العربي الرسمي لانعدام ما يؤمل منه، أما الفلسطيني السلطوي فتكفي الإشارة إلى ما ذكره ابي مازن في معرض تعداده لمنجزاته الأميركية، قال: أكدنا للرئيس ترامب “استعدادنا للتعاون معه، ولقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي تحت رعايته من أجل صنع السلام”!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى