لماذا تتخوف السلطات الاسرائيلية من الحركة الطلابية الفلسطينية ؟؟

تُعتبر الحركة الطلابية الجامعية العمود الفقري الذي أوقف الثورة الفلسطينية على قدميها، وكانت بمثابة العقل الموجه لجسد الانتفاضات الحديثة، ولأن أجهزة المخابرات الإسرائيلية عرفت مبكراً ديناميكية هذه الحركة، وضعتها تحت سمعها وبصرها، وكان لها الأولوية في عمليات استهداف الكل الفلسطيني.

المهندس منذر مشاقي, رئيس مجلس طلبة جامعة النجاح السابق، استعرض تلك المسيرة بالقول “خلال ستينات القرن الماضي، انطلق الدور النضالي الفعلي للحركة الطلابية، فالثورة الفلسطينية عموماً هي نتاج عمل طلابي تزعمه الرئيس الراحل ياسر عرفات عبر اتحاد طلبة فلسطين في مصر والكويت، فكان النواة التي تشكلت منها منظمة التحرير”.

واضاف مشاقي يقول: أن الجامعات الفلسطينية شكلت نقطة التقاء هامة جمعت الطلاب من مختلف المناطق، وصارت مركز تواصل بين شمال وجنوب الضفة وقطاع غزة والداخل المحتل، الأمر الذي ساهم في تبادل الخبرات والتجارب بين الأقاليم المختلفة.

ويتابع حديثه “من هنا وجد الاحتلال في هذا الالتقاء الكبير للشباب خطراً من الممكن أن يعرقل خططه، فعمل ولا يزال على إضعاف الحركة الطلابية واستهدافها واستنزافها، عبر جملة من الإجراءات العديدة”.

ورأى مشاقي أن الحركة الطلابية كان لها دور محوري في تكريس الثقافة الوطنية بين الطلبة من خلال تنظيم المعارض والفعاليات الجماهيرية كالمسيرات والمواجهات مع الاحتلال، والاحتفال بالمناسبات المختلفة، هذا عدا عن الدور الخدماتي والنقابي لمجالس الطلبة، والتي تهدف لدعم صمود الطالب الفلسطيني، والمشاركة المجتمعية من خلال العمل التطوعي.

أما على الصعيد المقاوم – يضيف الناشط الطلابي – “فقد نفذ مئات الطلبة الجامعين  خاصة خلال انتفاضة الأقصى عام 2000، عمليات عسكرية أوقعت عشرات القتلى الإسرائيليين، فالحركة الطلابية كانت مواكبة لمستوى التصعيد والثورة وهي انعكاس للحالة الفلسطينية عموماً”.

وتابع: “كما يسجل للحركة الطلابية  بمختلف أطيفها الإسلامية والوطنية واليسارية، أنها كانت أحد الروافد التي أمدت الشعب الفلسطيني بعدد من القيادات التي كان لها وزن سياسي وعسكري خارج أسوار الجامعة.

تعددت الأساليب والهدف واحد

من جانبه، تحدث أحمد العايش, رئيس مجلس الطلبة في جامعة “بيرزيت” قرب رام الله وسط الضفة الغربية (قبل اعتقاله على يد الاحتلال)، عن أشكال التضييق الإسرائيلي على الحركة الطلابية في الجامعات والمعاهد والكليات الفلسطينية، مؤكداً في الوقت ذاته على أن الاحتلال لن ينجح في ثنيها عن مواصلة دورها الوطني والنقابي.

وأوضح عايش لـ”قدس برس” أن هذه الحركة قدمت طوال العقود الماضية آلاف الشهداء والجرحى، خاصة في الانتفاضتين الأولى عام 1987 والثانية عام 2000 وانتفاضة القدس الحالية 20155، إضافة إلى عشرات آلاف الأسرى.

وتابع:”الاعتقالات الإسرائيلية بحق كوادر الكتل الطلابية وأعضاء مجالس الطلبة مستمرة على مدار الساعة، فاليوم لا يزال أكثر من  230 طالباً من عناصر الكتلة الإسلامية وحدها معتقلين في سجون الاحتلال، نصفهم تقريباً من جامعة النجاح والبقية من جامعات بيرزيت والبوليتيكنك في الخليل والقدس المفتوحة والأمريكية في جنين والخضوري في طولكرم و فلسطين الأهلية في بيت لحم “.

وفي تطور لافت، بيّن عايش أن الاحتلال أصبح يلجأ مؤخراً إلى سياسية جديدة تقوم على إبعاد الطلبة عن أماكن سكناهم،  في حين منع آخرين من مواصلة تعليمهم الجامعي لفترة مؤقتة .

وذكر أن الجيش الإسرائيلي لم يعد يحترم مباني الجامعات، وصار لا يتورع عن اقتحامها ومقرات الكتل الطلابية ومصادرة أغراضها، كما حصل في جامعتي بيرزيت والخضوري، واقتحام المعارض الطلابية وتفكيكها كما حدث مؤخراً في جامعة القدس أبو ديس، هذا عدا عن مداهمة سكنات الطلاب وتفتيشها، واقتحام مراكز الخدمات الجامعية والمطابع ومصادرة كتب ولوازم تعليمية متنوعة.

استهداف مشاريع التخرج

ولم يتوقف عنف الاحتلال تجاه الحركة الطلابية عند هذا الحد، بل شمل خطوات أخرى مستهدفة مشاريع التخريج التقنية المختلفة لكليات الهندسة وتصنيع المواد والمخارط الحديدة، فعلى سبيل المثال، اعتقل الاحتلال نهاية العام 2013، (13) طالباً من كلية الهندسة في جامعة بوليتكنك الخليل، لأن مشروع تخرجهم كان عبارة عن صناعة طائرة من دون طيار، حيث خشي الاحتلال من استخدامها لأغراض أمنية وعسكرية.

كما يمنع الاحتلال إدخال بعض المواد الكيماوية التي يستخدمها الطلبة في مختبراتهم العلمية، في حين يجد طلبة آخرين صعوبة في توفر بعض القطع الالكترونية التي تدخل في مشاريع التخرج، مما يضطرهم لاستبدالها بأخرى متوفرة في السوق الفلسطينية، ولا تكون عادة بنفس الجودة.

ولم يقتصر الاستهداف الإسرائيلي للحركة الطلابية عند هذا الحد، بل تعداه ليشمل منع الطلبة الجامعين المبدعين من السفر للمشاركة في المسابقات والمؤتمرات العلمية سواء العربية أو الدولية.

هل تراجع دور الحركة الطلابية؟

وفي المقابل، وأمام هذه الأدوار المتعددة التي لعبتها الحركة الطلابية منذ نشأتها، هناك من يقول إن دور هذه الحركة تراجع مؤخراً ولم يعد كسابق عهده من حيث الحيوية وقوة التأثير.

مصطفى الشنار، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة “النجاح”، تحدث من جانبه:” منذ بداية الاحتلال كانت الحركة الطلابية في الجامعات، حجر الزاوية الذي اعتمدت عليه مختلف القوى لتجنيد عناصرها, ولكن هذا الدور أخذ يتراجع بشكل عام بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، في حين بلغ أعلى مستويات هذا التراجع بعد حزيران 2007 وهو عام الانقسام”.

ورأى الشنار خلال حديثه مع “قدس برس”، أن أجهزة السلطة الأمنية في الضفة تعاملت منذ ذلك التاريخ مع فصائل المعارضة عموماً والإسلامية تحديداً، وكأنها خارجة عن القانون وشنت حرباً أمنية بلا هوادة ضدها وضدّ أذرعها الجامعية.

وتابع: “كما لا نستطيع أيضاً تبرئة السياسات التي تبنتها غالبية إدارات الجامعات في تعاملها مع الحركة الطلابية، حتى صارت الإنذارات الأكاديمية وقرارات الفصل تلاحق الطلبة”.

وحسب الشنار:” للأسف هذه الحركة كانت في ظل الاحتلال أكثر تأثيراً منها في زمن السلطة، وإذا أردنا عودة الحياة الطلابية لبريقها السابق, فلا بد من إعادة روح التوحد للمشروع الوطني ونزع الشك المتبادل بين مكونات المجتمع الفلسطيني, وإذا لم تحدث المصالحة الشاملة فستبقى الحركة الطلابية مشلولة بمركزية القرار الرسمي”.

فرضية غير دقيقة

من ناحيتها، اعتبرت دلال باجس, الباحثة في شؤون الحركة الطلابية أن أنصار فرضية ضعف قيمة الحركة الطلابية، هم في الحقيقة لا يميزون بين الكتل الطلابية التابعة لفصائل منظمة التحرير التي تلاشت قوتها، وبين الكتل الطلابية الإسلامية التي تحاول سد الثغرة الناجمة عن خسارة قوة شبابية كبيرة تم تهميشها بعد أوسلو.

وطالبت الباحثة بضرورة إنصاف الحركة الطلابية التي قدمت الكثير، ليس على الصعيد السياسي والنضالي فحسب، بل على الصعيد النقابي والاجتماعي أيضاً.

واستدركت بالقول:”لا يمكن الإنكار أن تغيراً قد يطرأ على وظيفة الحركة الطلابية في أي مكان في العالم، وهذا شيء طبيعي، ولكنه ليس دليلاً على تراجع دورها، فهذا مرده إلى تغيير دوائر التأثير في أي مجتمع تبعاً لتطور الإعلام ووسائل الاتصال.

وختمت حديثها بالقول: “الحكم على هذه الحركة بمعايير ثابتة منذ خمسينيات القرن الماضي غير مبرر ولا منطقي، وإنما يجب محاكمتها بناء على الدور الحديث للجامعة،  فهي لم تعد المؤثر التوعوي الوحيد في المجتمع الفلسطيني”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى