عن العروبة وتحدياتها الراهنة !

العروبة هوية أمة وحقيقة لا يماري فيها أحد إلا ذلك النفر من الناس الذين يتبعّون الفكر التفكيكي للغرب المتصهين  المواظب منذ أمد بعيد على جعل الهوية القومية العربية وهماً وحلماً ومن أساطير الأولين ، وآخرون في داخل الأمة  ممن يهربون من هويتهم القومية العربية تحت لافتات نكوصية مختلفة ومحاجات واهية لا تصمد أمام العقل ولا تصلح أن تكون دليلا على ما يسطّرون .

لا مراء بأن فكرة العروبة ونهوضها والافصاحات الواعية عنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحال الأمة العربية صعوداً وهبوطاً ، وما تعبره من منعرجات تاريخية وتبدلات كارثية على صعيد الوجود والمعنى ولذا تراها تكون أولاً وفي المقدمة في مرحلة معينة أو يتراجع وهجها ويغيب الحديث عنها لتكون على الهامش تنتظر من يعيدها إلى مداراتها الصحيحة ولكنها في كل الأحوال باقية ومستمرة في الوعي العربي في صلبه أو على ضفافه لأنها لصيقة بكيان العربي وتاريخه وتراثه المديد .

وكثيراً ما يتم التعرض النقدي لفكرة العروبة ومن أوساط متعددة سواء من داخل التيار العروبي ذاته أو من خارج إطاراته  وكثيرا ما يحمل النقد عناصر نقضه واضطرابه أو يكون مأساوياً يستند حكماً إلى حالة الاستنقاع التي تمر بها الأمة فيرى في كل الأحوال أن فكرة العروبة إلى تراجع وزوال وأنها لن تصمد كحقيقة وهوية أمام السيل والتشكيلات الخطابية العولمية الجارفة واستحقاقات ثورة المعلومات العابرة والمخترقة للأفكار والهويات وأمام هذه القابلية العربية للانسحاق والالتحاق بهذه الموجات الماحقة للمعاني والهويات والخطابات الحلمية والرهانات المستقبلية.

ولأننا نحيا مرحلة سواد الأصوليات والمذهبيات والأمميات الدينية المستحدثة والمتوحشة أحياناَ نرى بأن معركة العروبة تتسع وتنفتح على آفاق ضدية هائجة ومغايرة تماماً يصار فيها إلى الإقصاء والتذويب والإزاحة من خلال مركّب العولمة التفكيكي ومن خلال الفكر الطائفي المذهبي التفتيتي ويغدو الدفاع عن فكرة العروبة معقداً وملتبساً يمتزج فيه اللامعقول المذهبي الأسطوري المتلحف بالقداسة بالمعطى الثقافي الهوياتي المرتكن إلى بداهاته التاريخية ويقيناته القومية الراسخة والمتشكلة عبر التاريخ .

وبهذا المعنى يصبح الدفاع عن فكرة العروبة في المرحلة الراهنة دفاعاً عن الوجود والهوية العربية وليس مجرد دفاع عن معطى ومفهوم ثقافي قابل للسجال والجدل ذلك أن كل عناصر الهدم والتفكيك الجارية راهناً تتمحور حول تبديد وتزييف المعاني وتصعيد اللامعنى ، وإفراغ المجال الفكري العربي من بداهات ومسلمات وجوده وتخليق تعريفات شاذة وطارئة تأخذه إلى فوضى واضطراب ومتاهات .

أما عن  مراجعات العروبة النقدية وضخ أفكار جديدة في إطاراتها والرد على مناهضيها فإنها تحتل المقام الأول في الآليات الدفاعية الاستنهاضية في المرحلة الراهنة ذلك أننا لا نتحدث عن هوية متعالية لا يطالها النقد والتجديد وإنما نتحدث عن فكرة متجددة تغتني بكل ما يطرأ من تحولات وإضافات وتحاور التغيرات والتغييرات التي تطرأ على صعيد الأمة والعالم حتى أن بعض المفكرين شاء أن يطلق على ما نقول “العروبة الجديدة ” بهذا المعنى المتطور الذي نطرحه في هذا الإطار .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى