الإضراب عن الطعام.. طريق الأسرى الفلسطينيين لانتزاع حقوقهم منذ عام 1968
عادة ما يلجأ الأسرى الفلسطينيون في سجون اسرائيل لـ “خطوة” الإضراب عن الطعام بسبب “تعنت” إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية ورفضها التجاوب مع مطالبهم. وقد أدت تلك الخطوة في كثير من الأحيان لـ “إرغام” السجان على الاستجابة والرضوخ أمام التمسك بحقوقٍ كفلتها القوانين والشرائع الدولية.
وقال رأفت حمدونة، الباحث في شؤون الأسرى, إن هناك أشكالا وأهدافا عدة للإضراب؛ “منها الاحتجاجية على ممارسات إدارة السجون والتضامنية مع أسرى مضربين أو معزولين.
وذكر حمدونة في دراسة بحثية، ان هناك إضرابات مطلبية، وتعتبر أكثر الإضرابات تكرارًا منذ بدء الحركة الأسيرة، وتصل لفترات طويلة حتى تلبية إدارة السجون لمطالبهم.
ولفت النظر إلى أن هناك إضرابات سياسية يخوضها الأسرى، وظهرت بشكل واضح عقب توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وتل أبيب عام 1993؛ والتي ضغطت للإفراج عن الأسرى في حينها.
ورأى الباحث الحقوقي أن الإضراب المفتوح عن الطعام “سلاحا ذا حدين؛ فهو يعمل لصالح الأسرى في حالات التضامن والضغط على الاحتلال للاستجابة لمطالبهم، ولكنه يقف ضدهم في حال افتقاره لأشكال المساندة والدعم الخارجي”.
واستطرد حمدونة: “لا مجال لتصور واقع السجون على مدار عشرات السنين بلا إنجازات جاءت أصلًا نتاج الإضرابات المفتوحة عن الطعام كخطوات استراتيجية”.
وتابع: “في الإضرابات نقلت واقع الأسرى من أفران إسرائيلية نازية هدفت لصهر القوة النضالية ودفن الروح المعنوية في مقابر للأحياء، إلى أماكن تنصقل فيها بنية الرجال الوطنية والثقافية والأخلاقية”.
وشدد الأسير المحرر “محمد صبحة”؛ على أن الإضراب عن الطعام يأتي “ردًا على ممارسات الاحتلال التي يسعى خلالها دائمًا لعدم استقرار أحوال الأسرى داخل سجونه”.
وأضاف صبحة، خلال حديث مع “قدس برس”، أن إدارة سجون الاحتلال تعمل بشكل دائم على تنفيذ سلسلة من الإجراءات يتخللها سحب إنجازات سابقة حققها الأسرى، لدفعهم للمطالبة بإعادتها بدلًا من المطالبة بإنجازات جديدة.
وبيّن: “ان الإضراب عن الطعام هو خيار أخير يلجأ إليه الأسرى بعد استنفاذ كل الخطوات التي من شأنها تحقيق مطالبهم، قبل اللجوء إلى خطوات تصعيدية تدريجية تصل للإضراب”.
وذكر المحرر صبحة؛ وهو عضو سابق في الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة “حماس” داخل سجون الاحتلال، أن “صلف الاحتلال وتعنته، وإغلاق الأبواب أمام أي حوار، هو الدافع الأساس لخوض الإضراب عن الطعام”.
وقال إن الأسرى “يُنسقون بشكل واسع فيما بينهم للتباحث في خطوة الإضراب، يتخللها الاتفاق على لجنة تمثل الأسرى وجملة من المطالب، ناهيك عن التعبئة المستمرة (…)”.
ولفت إلى أن سلطات الاحتلال تبدأ بممارسة ضغوط على الأسرى حتى قبل الإضراب؛ التهديد بسحب الإنجازات والقمع والعزل، الأمر الذي يخرج إلى حيّز التنفيذ مع الشروع بالإضراب.
وأوضح أن إدارة سجون الاحتلال تشرع بإجراءات وخطوات عقابية؛ أبرزها اقتحام الأقسام وعزل قيادات الأسرى “في محاولة منها لقطع التواصل بين القيادة وقاعدة الأسرى”.
وأفاد محمد صبحة، بأن إدارة سجون الاحتلال تبدأ بـ “زرع الفتنة” بين الأسرى وترويج الأكاذيب حول تبعات الإضراب الجسدية، إلى جانب محاولات “خفض الروح المعنوية للأسرى”.
وأردف: “تحاول سلطات الاحتلال بداية الإضراب إهمال الأسرى والظهور بمظهر غير المبالي بأحوالهم وأوضاعهم الصحية، قبل أن تبدأ بعمليات المساومة والضغط على بعضهم، وصولًا إلى الجلوس للتفاوض مع قيادة الأسرى والتوصل لصيغة اتفاق بين الطرفيْن”.
وبيّن القيادي المحرر، أن “حسن التنسيق والإعداد للإضراب، جزء رئيسي في نجاح أي خطوة داخل السجون، إلى جانب الدعم الإعلامي والحراك الخارجي”.
وأكد أن الاحتلال “يخشى من تصعيد الأوضاع الميدانية خارج السجون، لذلك فهو يترقب طبيعة الحراك والتفاعل الخارجي، خلال إضرابات السجون، ويبني مواقفه بناء على ذلك”.
جدير بالذكر ان أول تجربة إضراب فلسطينية عن الطعام في السجون الإسرائيلية، قد جرت في “سجن نابلس” أوائل عام 1968، حيث خاض المعتقلون إضراباً عن الطعام استمر لمدة ثلاثة أيام.
وجاء الإضراب احتجاجًا على سياسة “الضرب والإذلال” التي كان يتعرض لها الأسرى على يد جنود الاحتلال، وللمطالبة بتحسين الأوضاع الاعتقالية.
وكان إضراب سجن الرملة عام 1969؛ الثاني في تاريخ الحركة الأسيرة، واستمر مدة 11 يومًا مطالبًا بتحسين وزيادة كمية الطعام وإدخال القرطاسية، وكذلك إضراب معتقل “كفار يونا”، واستمر الإضراب ثمانية أيام، وجاء بالتزامن مع إضراب الرملة.
واستشهد أول أسير فلسطيني؛ عبد القادر أبو الفحم، في 11 تموز 1970، خلال إضراب في سجن “عسقلان”، وكان أول شهداء الحركة الأسيرة، وتبعه الشهيدان؛ راسم حلاوة وعلي الجعفري واللذان استشهدا بتاريخ 24 تموز 1984، خلال إضراب في سجن “نفحة”، والشهيد محمود فريتخ على أثر إضراب سجن “الجنيد” عام 1984، والشهيد حسين نمر عبيدات في 14 تشرين أول 1992، في إضراب بسجن “عسقلان”.
ونفّذ الأسرى الكثير من الإضرابات خلال تسعينيات القرن الماضي، والتي تنوعت بين المطلبية أو السياسية التي جاءت بالتزامن مع الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين ضمن الاتفاقيات الموقعة بين رام الله وتل أبيب.
وشهدت سجون الاحتلال سلسلة من الإضرابات خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000- 2005)، وصولًا إلى الإضراب الحالي، وكان من أبرز هذه الإضرابات، إضراب عام 2004 والذي استمر 19 يومًا، إضراب نفذها الأسرى الأردنيون في سجون الاحتلال واستمر لأكثر من ثلاثة شهور، بالإضافة إلى إضراب عام 2012 والذي تم خلاله إخراج المعزولين والسماح بزيارة أسرى قطاع غزة، بعد منع استمر سنوات، وإضراب الأسرى الإداريين الجماعي عام 2014 والذي استمر 63 يومًا، وإضرابات الأسرى الإداريين الفردية، والتي تفاوتت فتراتها وتجاوز الكثير منها الثلاثة شهور.