دعاوى التعويضات الامريكية بموجب قانون “جاستا” تشكل تهديداً خطيراً للاقتصاد السعودي
تزايدت الدعاوى القضائية الأمريكية، التي تطالب السعودية بصرف تعويضات كبيرة لآلاف من ضحايا هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، وعدد كبير من الشركات التي تدعي خسارة المليارات من الدولارات نتيجة خسائر في الأعمال التجارية، وأضرار في الممتلكات.
وفي أحدث محاولة لتحميل السعودية مسؤولية هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، التي أسفرت عن سقوط نحو 3 آلاف قتيل ومئات المصابين، رفعت 12 شركة تامين أمريكية دعوى قضائية، أمام المحكمة الجزائية الأمريكية في مانهاتن، لتحميل مؤسسات وشركات سعودية بالمملكة، من بينها مصرف الراجحي، و”الأهلي التجاري”، وشركة “دلة أفكو عبر البلاد العربية”، وشركة “محمد بن لادن” و”رابطة العالم الإسلامي” وجمعيات خيرية المسؤولية.
وتتهم شركات التأمين الأمريكية، الشركات والمؤسسات السعودية، بالمساعدة والتحريض على هجمات 11 أيلول/سبتمبر، عن طريق تقديم الدعم، في سنوات سابقة، لأنشطة تنظيم القاعدة الذي تبنى حينها مسؤوليته عن الهجمات.
وتطالب شركات التأمين، بتعويضات تتجاوز 4.2 مليارات دولار، مؤكدة في عريضة الدعوى، أنه “من دون المساعدة المقدمة من المدعى عليهم، لم يكن تنظيم القاعدة ليقدر على النجاح في تخطيط وتنسيق وتنفيذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، التي كانت نتيجة متوقعة ومقصودة لدعمهم المادي ورعايتهم للقاعدة”.
وفي آذار الماضي أقام عائلات نحو 800 من ضحايا 11 سبتمبر، دعوى قضائية جماعية، بالإضافة إلى ما يقرب من 1500 شخص أصيبوا بعد توجههم لموقع الهجمات في نيويورك، تتهم مسؤولين سعوديين بأنهم كانوا على علم بإعادة تحويل أموال من جمعيات خيرية سعودية إلى أنشطة تدعم تنظيم القاعدة.
وتستثمر السعودية أكثر من 820 مليار دولار في الولايات المتحدة حسب تقديرات غير رسمية، موزعة ما بين استثمارات حكومية، وخاصة.
وأكد خبراء اقتصاد أن تزايد الدعاوى القضائية ضد السعودية، تشكل تهديدا مباشرا للاقتصاد السعودي، وتعد فرصة للشركات الأمريكية لتعويض خسائرها المالية، استنادا لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب “جاستا”.
وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة العالمية للتجديد بتركيا، أحمد ذكر الله، إن الدعاوى القضائية الجديدة التي رفعتها شركات تأمين أمريكية، ضد كيانات سعودية، تدخل ضمن إطار مرتب ومخطط له سلفا، ليس للسعودية فقط، وإنما لكافة دول الشرق الأوسط، هدفه الاستيلاء على ما تبقى من الفوائض المالية للدول النفطية.
وتوقع ذكر الله في تصريحات صحفية أن تخضع السعودية لابتزازات أمريكية مستمرة، تتماشى مع التصريحات التي أطلقها خلال حملته الانتخابية وقال فيها: “البقرة التي إذا ما جف لبنها يجب ذبحها” في إشارة ضمنية إلى السعودية ودول الخليج.
وانتقد ذكر الله التعاطي السعودي مع الأزمات الاقتصادية التي تهددها مؤكدا أنه لا يزال يقتصر على التعاطي الجزئي وليس التعاطي الكلي، وأن السعودية لم تتخذ أي خطوات إيجابية نحو تطوير هيكلها الاقتصادي الريعي، والخروج من ضيق الاعتماد فقط على النفط إلى رحابة الاعتماد على القطاعات الاقتصادية المتنوعة، وهو ما يجعلها مضطرة إلى الاعتماد على الحليف الأمريكي في ظل التهديدات الإيرانية سواء المباشرة أو غير المباشرة كما في سوريا واليمن والعراق.
وحول تأثير “تعويضات جاستا” على الاقتصاد السعودي، أوضح ذكر الله، أن هناك تأثيرا قريب الأجل يتمثل في تراجع التصنيف الائتماني للمؤسسات الاقتصادية المذكورة ومنها مصرف الراجحي، إلى جانب رفع الفائدة على السندات الدولارية التي ستطرحها السعودية في الأسواق الدولي، وتراجع إقبال المستثمرين عليها.
وتابع: “وهناك تأثير بعيد الأجل يتمثل في مواجهة المؤسسات والكيانات السعودية محل الاتهام، عدة مشاكل قانونية، ستكلفها مبالغ طائلة وسيؤثر على موازناتها المالية”.
وأضاف أن القطاع الخاص في المملكة يشكل أكثر من 50% من الاقتصاد السعودي، وتعرض المؤسسة الاقتصادية الكبرى لاهتزازات أو أزمات مالية يعرض الاقتصاد السعودي كله للخسائر، إلى جانب ما يعنيه الاقتصاد الحكومي من تراجع في الإيرادات ووقف العديد من المشروعات الكبرى التي تقدر بمليارات الجنيهات نتيجة لتراجع الإنفاق العام.
وأشار إلى أن تزايد أزمات الاقتصاد السعودي يدفعه إلى الانتقال من درجة الانكماش إلى الركود، خاصة مع استمرار تورط المملكة عسكريا في اليمن وسوريا، وهو ما يضغط بشدة على الموازنة العامة للمملكة، وإجبارها على اللجوء إلى المزيد من الاقتراض الخارجي.
واعتبر المحلل الاقتصادي، أحمد مصبح، الملاحقات القضائية للسعودية، بمثابة ورقة ضغط على السعوديين، إلى جانب كونها تدخل في إطار توجه غير مباشر من ترامب وإدارته لكسب تعاطف الرأي العام الأمريكي عامة وأهالي الضحايا خاصة، على حساب المملكة.
وفيما يتعلق بمصير الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية، أكد مصبح في تصريحات صحفية أن الأمريكان، يدركون تماما أن السعوديين لا يملكون القدر الكافي من القوة التي تمكنهم من سحب استثماراتهم.
وأضاف أن “السعودية تعي جيدا أن استثماراتها في خطر، وأن اتخاذ أي ردة فعل ستكون عواقبها وخيمة وخسائرها المالية فادحة”، مشيرا إلى أن السعودية لم تعد تمتلك أدوات قوة كما كانت في السابق، وأبرزها سلاح النفط، الذي لم يعد يشكل أي تهديد للولايات المتحدة الأمريكية، بعد تصاعد معدلات إنتاج النفط الصخري الأمريكي.
وأكد مصبح أن السعودية سقطت من حسابات الولايات المتحدة الأمريكية كحليف استراتيجي، على الأقل على المستوى الاقتصادي، لافتا إلى أن العلاقات السعودية الأمريكية لن تعود كما كانت في السابق.