عبد العزيز الرنتيسي.. حياة زاخرة بالنضال وشهادة تليق بالابطال
غزة - قدس برس
يستذكر أحمد نجل الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، أحد أبرز قادة حركة “حماس”، والذي رافقه حتى اللحظات الأخيرة من اغتياله، بثلاث صواريخ اسرائيلية اطلقتها طائرة أباتشي، في ذكرى استشهاده الثالثة عشرة، التي صادفت يوم امس الاثنين، سيرة والده التي ما زالت شاخصة أمامه بتفاصيلها.
ويروي أحمد (33 عاما)، لـ “قدس برس”، في سرد ذكرياته مع والده منذ أن كان طفلا وحتى كبر وأصيب معه خلال المحاولة الأولى لاغتياله في صيف 2003، لحظات الافراج عن والده، التي ألغيت باللحظات الأخيرة.
يقول أحمد “حينما كان عمري 10 سنوات تقريبا ذهبت برفقة أمي وأخي محمد لاستقبال والدي بعدما أن أمضى 6 أشهر في السجن الإداري حيث موعد الإفراج عنه؛ إلا أننا فوجئا بعدم وجوده مع الأسرى المفرج عنهم”.
ويضيف “والدي كان في الحافلة التي وصلت مع الأسرى المفرج عنهم ولكن في اللحظات الأخيرة لم يسمح له جيش الاحتلال بالنزول وأبلغوه أن لك هدية من رابين (اسحق رابين، وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك) وهي تمديد حبسك الإداري 6 شهور جديدة”.
يصف أحمد تلك اللحظات، بأنها كانت الأصعب عليه وعلى عائلته، العودة إلى المنزل دون أن يكون والده معهم رغم قرار الافراج عنه، والأمل الكبير الذي يحنوهم بالافراج عن والدهم على.
كما يروي، الرنتيسي، تفاصيل محاولة اغتيال والده الأولى، والذي كان هو يرافقه فيها، في صيف 2003، بعدما تم مهاجمة السيارة التي كان يستقلها، إلى هجوم صاروخي من طائرات الابتاتشي، التي قال إن والده تمكن من الافلات منها، بفتحه باب السيارة التي كان يستقبل بعد اطلاق الصاروخ الأولى والنزول منها بسرعة قبل سقوط الصاروخ الثاني، حيث أصيب هو (أحمد) بإصابات بالغة لا زالت آثارها باقية إلى الآن، فيما استشهد مرافق والده.
وعن الليلة الأخيرة التي أمضتها العائلة مع والده قال الرنتيسي: “إنها كانت ليلة مميزة وكانت المرة الأولى التي نراه بعد اغتيال الشيخ احمد ياسين وجاء إلى البيت متخفيا وأمضى معنا يوما كاملا وكان يصير على إنهاء موضوع زواجي وهو من اختار لي زوجتي وأتم كل المراسم قبل استشهاده”.
وأضاف: “حينما انتهت تلك الليلة كان أبي سعيد جدا وكان ينشد (أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنى) لدرجة أن أختي قالت له شكلك عريس الليلة”.
وتابع: “نزلت وقمت بإيصال أبي بسيارتي حيث نزل منها وركب سيارة أخرى كانت في انتظاره وما هي إلا دقائق حتى تم قصف السيارة فأدركت أنه استشهد”.
الرنتيسي في سطور
وُلِد الرنتيسي في الثالث والعشرين من تشرين أول عام 1947 في قرية “يبنا” القريبة من يافا داخل الأراضي المحتلة عام 1948. لجأت أسرته بعد حرب 1948 إلى قطاع غزة واستقرت في مخيم خان يونس للاجئين جنوبيّ القطاع، وكان عمره وقتها ستة أشهر، حيث نشأ بين تسعة إخوة وأختين، ومتزوج ولديه ولدان وأربعة بنات.
ودرس الرنتيسي المراحل الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، واضطر للعمل أيضاً وهو في هذا العمر ليساهم في إعالة أسرته التي مرت بظروف صعبة كبقية الأسر الفلسطينية اللاجئة.
أنهى دراسته الثانوية عام 1965، وتخرّج من كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972، ونال منها لاحقاً درجة الماجستير في طب الأطفال.
عمِل طبيباً مقيماً في مستشفى ناصر عام 1976م، ثم عمل في الجامعة الإسلامية في غزة منذ افتتاحها عام 1978 محاضراً يدرس في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات.
شغل الدكتور الرنتيسي عدة مواقع في العمل العام، منها: عضوية الهيئة الإدارية في المجمّع الإسلامي والجمعية الطبية العربية بقطاع غزة والهلال الأحمر الفلسطيني.
التحق بصفوف جماعة الإخوان المسلمين أثناء دراسته للماجستير في مصر، ثم بايع الجماعة عام 1976، وترأس لاحقاً جماعة الإخوان المسلمين في خان يونس.
كان الرنتيسي ضمن سبعة قادة أسسوا برفقة الشيخ أحمد ياسين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في كانون أول عام1987، وهو من كتب البيان الأول للحركة.
التحق في العمل المقاوم ضد الاحتلال منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، الأمر الذي كلفه سنين من حياته في السجون الإسرائيلية زادت عن سبع سنوات مجتمعة.
بعد استشهاد الشيخ ياسين بايعت حركة “حماس” الرنتيسي كقائد للحركة في قطاع غزة، وذلك في 23 آذار 2004، وذلك في مهرجان مهيب أقيم في ملعب اليرموك في مدينة غزة.
اعتقل الرنتيسي أول مرة من قبل قوات الاحتلال عام 1983 بسبب رفضه دفع الضرائب لسلطات الاحتلال، حيث خاض عصياناً مدنياً ضد الاحتلال آنذاك.
كان أول من اعتقل من قادة الحركة الإسلامية بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثامن من كانون أول 1987، ففي 15 كانون ثاني 1988 جرى اعتقاله لمدة 21 يوماً.
واعتقل مرة ثالثة في 4/2/1988 حيث ظلّ محتجزاً في سجون الاحتلال لمدة عامين ونصف على خلفية المشاركة في أنشطة معادية للاحتلال، وأطلق سراحه في 4/9/1990، واعتُقِل مرة أخرى في 14/12/1990 وظلّ رهن الاعتقال الإداري لمدة عام.
أبعده الاحتلال لاحقاً في 17/12/1992 مع أكثر من 400 شخص من نشطاء وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، حيث برز ناطقاً رسمياً باسم المبعدين الذين اعتصموا على الحدود اللبنانية لإرغام الاحتلال على إعادتهم.
وفور عودته من الإبعاد أعادت قوات الاحتلال أصدرت محكمة عسكرية إسرائيلية حكماً عليه بالسجن حيث ظل محتجزاً حتى أواسط عام 1997 منهياً مسلسل الاعتقالات في سجون الاحتلال الذي حرمه 7 سنوات من عمره.
بعد الإفراج عنه لعب دوراً مهماً في إعادة بناء حركة “حماس” بعدما تعرضت لضربة قوية من قبل السلطة الفلسطينية في عام 1996. والتي قامت باعتقاله عام 1998م.
وقامت السلطة باعتقال الرنتيسي بعد أقل من عام من خروجه من سجون الاحتلال، وأفرج عنه بعد 15 شهراً بسبب وفاة والدته، ثم أعيد إلى الاعتقال بعدها ثلاث مرات ليفرَج عنه بعد أن خاض إضراباً عن الطعام، وذلك بعد أن قصفت طائرات الاحتلال المعتقل الذي كان يقبع فيه في سجن غزة المركزي، لينهي بذلك ما مجموعه 27 شهراً في سجون السلطة الفلسطينية.
كان أول من قاوم فرض السلطة الفلسطينية عليه الإقامة الجبرية وخرقها بعدما تجمع الآلاف من المواطنين حول منزله لحمايته.
لعب دورا مهما في انتفاضة الأقصى لاسيما في ترتيب أوضاع حركة “حماس” والمسؤولية عن عدة ملفات فيها إضافة إلى دوره الإعلامي في التصريحات والخطب التي كان يلقيها وكانت تلقى صدى لدى دولة الاحتلال.
وعلى رغم اختصاصه في طب الأطفال، وانشغاله بالسياسة، إلا أن الرنتيسي قد أبدع في الكتابات السياسية والأدبية.
وقد كانت تفرد له العديد من الصحف العربية زوايا لكتاباته السياسية، إضافة إلى كتاباته في موقعه الإلكتروني الذي أنشأه شخصيا.
حفظ القرآن الكريم في سجنه عام 1990، وكتب العديد من القصائد والأشعار التي كان من أبرزها ديوان “حديث النفس”.
كانت أول محاول اغتيال تعرض لها الرنتيسي عام 1992م، في خيمة الإعلام بمرج الزهور في اليوم الأول من شهر رمضان، حيث حضر شخص يتحدث العربية ادّعى أنه مترجم لصحفي ياباني، دخل الخيمة وترك حقيبة بأكملها؛ انفجرت في الخيمة وهي خالية.
وفي العاشر من حزيران 2003 تعرض لمحاولة اغتيال ثانية حيث قصفت طائرات الاحتلال السيارة التي كان يستقلها غرب مدينة غزة واستشهد فيها مرافقه مصطفى صالح وطفلة كانت مارة بالشارع، فيما أصيب نجله أحمد بجروح خطيرة، وهو بجراح طفيفة.
وفي السابع عشر من نيسان عام 2004، استهدفت طائرات الاحتلال سيارة الرنتيسي في شارع الجلاء بمدينة غزة بثلاثة صواريخ، أدت إلى استشهاده عن عمر يناهز ( 57 عاما) واثنين من مرافقيه هما أحمد الغرة وأكرم نصار.