فقرات من تقرير ماتيس تؤكد أمريكا هي الإرهاب

في تقرير لـ “جيمس ماتيس”، الزائر المميز لدى معهد هوفر، الذي أختير مؤخراً ليكون وزيرا للدفاع في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلْط مبرمج بين ما هو حقيقي وصحيح وبين ما هو غير ذلك في محاولة (عبقرية) يتشارك فيها مع جهات أخرى، للتضيل والوصول إلى نتائج مختلفة  ..

فقد  استعرض ماتيس بعيد تقاعده من مشاة البحرية عام 2014، أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، التهديد الذي تشكله (الدولة الإسلامية) وفترة الحمل الطويلة كما اسماها التي تولد فيها (الإرهاب الإسلامي)  والحاجة الملحة لوضع إستراتيجية إقليمية منسقة، واعتبر ماتيس أن الإرهاب لم يبدأ مع 11 أيلول 2001 ، وإنما قبله ، حيث كان يوجد مسبقا خطين أساسيين من الحركات (الجهادية الإسلامية العنيفة) التي تُوفّر الخلفية (لـكل ما نعاينه الآن). ( كلاهما) بحسبه يرتدي زيا دينيا مزيفا.

وفي محاولة خبيثة ( مفهومة مقاصدها ) صنّف ماتيس ما أطلق عليه الإرهاب إلى صنفين شيعي وسني، تدعم أولهما،إيران وتحمل اسم ميليشيات حزب الله اللبناني وجماعات أخرى مرتبطة بها.

حيث هاجموا في ثمانينات القرن العشرين ؛ السفارة الأمريكية ببيروت، ما أسفر عن مقتل 63 شخصا، وهاجموا قوات المظليين الفرنسيين ثم ثكنات (قوات حفظ السلام ) التابعة لمشاة البحرية الأمريكية في المدينة.. ثم تابعوا بحسبه القتال، للحفاظ على بشار الأسد في السلطة وقتلوا ( سياحاً إسرائيليين) في بلغاريا، وحاولوا قتل السفير السعودي في واشنطن على بعد بضعة أميال من المكان الذي كان يجلس فيه وهو يدلي بشهادته ، بحسبه ، زاعماً أنهم يستمرون في نشر الفوضى.

أما الخط الأخر من الإرهاب ( الإسلامي ) فقد أعلن الحرب على الأمريكان بحسب ماتيس في منتصف تسعينات القرن العشرين ، باسم تنظيم القاعدة والحركات السنية العنفية المرتبطة بها. حيث هاجمت السفارة الأمريكية في شرق أفريقيا والمدمرة الأمريكية كول (USS Cole) في ميناءٍ محايد، ونفّذت أحداث  11 أيلول الدرامية ، كما وصفها.

( دون  أن يشير إلى تاريخ القاعدة منذ منتصف سبعينات القرن المنصرم والأطراف المصنعة لها وداعميها منذ البداية ولماذا وفيم سُخّرت)

واعتبر ماتيس أن القاعدة تلقت رد فعل أمريكي قوي ، حيث مزقت العديد من قياداتهم العليا في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، ومنحت الوكالة لكل من القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن؛ ولحركة الشباب في الصومال؛ والنصرة في سورية؛ ولـ ( بوكو حرام  )في بلاد المغارب ، كما أسماها . ( حاولت أمريكا الحيلولة  دون تصنيف النصرة كـ عصابة إرهابية في مجلس الأمن ، وعندما ثبت أنها كذلك زعمت أنها تضم قيادات واطراف ليست إرهابية وإنما معارضة معتدلة ( ورغم فشلها في تنزيه النصرة في مجلس الأمن من الإرهاب ، وتم تصنيفها كذلك إرهابية ، بقيت أمريكا وتركيا وإسرائيل وأطرافاً أخرى تتعاون معها وتمدها بكل أشكال الدعم اللازم بطرق ملتوية من تحت الطاولة )

واعتبر ماتيس أنه من رحم هذه الوكالات ( وكالات القاعدة لعصابات محلية ورد ذكرها )  بزغت داعش في سورية والعراق سنة  2010، ( متجاهلاً عن عمد انها صناعة أمريكية ليس منذ الآن ولكن منذ كانت تعمل في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي السابق ) ومحملاً رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ، خلق جو من غياب الثقة لدى سكان العراق من الأكراد و زيادة مرارة السنة في الأنبار غرب العراق والذين فقدوا أي ثقة في حكومة بغداد التي اعتبروها خصما لهم.. محملاً المالكي مسؤولية تجريد الجيش العراقي  من قياداته الفعالة ما أدى إلى إضعافه في محافظة الانبار، و( تحولت القاعدة بإتجاه ما نشهده اليوم أي داعش ).

وهنا مرة أخرى تجاهل ماتيس دور الاحتلال الأمريكي وقرار مندوب أمريكا (السامي ) لدى العراق؛ برايمر ليس فقط في (  في تجريد الجيش العراقي  من قياداته الفعالة ) بل حل الجيش العراقي بكليته .. ما أشاع الفوضى وخلق حالة من فقدان الأمن والاستقرار وأتاح للحالات الميلاشوية الظهور والنمو المضطرد .

كما تجاهل ماتيس ترويجات بلاده قبل احتلال العراق عن أن شيعته مضطهدون، لجعل احتلال العراق مشروعا في جملة ذرائع ومزاعم أخرى .. وليس محبة لأي من شعبه.. حيث أسهم الأمريكان بقسط كبير في تحويل العراق إلى نظام محاصصة سياسي بين سنة وشيعة وأكراد وسوى ذلك كما لبنان ، الأمر الذي زرع وغذى نعرات مذهبية وطائفية وإثنية لدى الكثيرين ممن وجدوا أنفسهم بهذه الطريقة التفتيتية ، التي كانت غائبة في العراق ، وثمة تمازج مجتمعي وإنساني حضاري كبير جداً بين شعبه.

وبعد احتلال العراق وخلق النزاعات داخل شعبه ، بدل الأمريكان النغمة وأخذوا يضربون على وتر أن السنة مضطهدة في العراق ، وهم الذين أسهموا في خلق نظام المحاصصة السياسي بكل تبعاته ، وعملوا على تكريس التباينات والتناقضات بين منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمالي العراق تمهيداً لإنفصاله عن العراق المركزي وتقسيم العراق إلى 3 دول ـ كما هم يعملون الآن لإقامة دويلة كردية انفصالية في شمالي سورية لها مهمات إقليمية كإسرائيل .

أما ماتيس فتابع مزاعمه في التقرير المشار إليه ، بأن الأسد خلق حربا أهلية ضد شعبه في سورية المجاورة، تستهدف بشكل كبير السنة. يشجعها بكل أسف الفيتو الروسي في الأمم المتحدة إضافة إلى دعم إيران الكامل، ما شكل بزعمه دوامة من العنف أدت إلى تمدد داعش، المشابه فكريا لتنظيم القاعدة و (البعيد عنه عمليا).

وهنا بلغ الكذب بماتيس والتلفيق حداً مكشوفا وغبياً في آن ، فالدولة الوطنية السورية وشعبها يتميزان بانصهار قاعدي شعبي واسع وراقٍ لا يتوفر لدى العديد من الأمم والدول والشعوب ،  والنظام السياسي والمجتمعي فيه علماني بتلقائية لافتة عالية دون نصوص ، وبالتالي فالحديث عن استهداف فئة ما من الشعب سنة أو غيرها ، هو استهداف لا لزوم له ، في دولة مستقرة آمنة مكتفية ذاتياً، لها طريقها الخاص في الديمقراطية الشعبية الكفيلة بتحقيق مصالح شعبها وامن دولتها القومي .

وتجاهل ماتيس الإعداد الدولي والإقليمي المسبق للحرب على الدولة الوطنية السورية ، وعلى غيرها من دول عربية جمهورية متقدمة اجتماعيا وثقافيا بالقياس ، وتمتلك جيوشاً وطنية ، وبعضها على قدر من الإستقرار والإكتفاء الذاتي واستقلالية القرار السياسي كـ سورية .. بذريعة أنها أنظمة ديكتاتورية ، في نطلق اتفاق أمريكي إخوني لحرف بوصلة الصراع عن كونه صراعاً عربياً إسرائيلياً إلى صراع مفتعل سني شيعي ، وعربي فارسي ، عُبّر عنه إبتداءً بـ (ربيع عربي) بدا لبعض وقت تضليلا ، أنه يمتلك أجندات محلية إصلاحية ، ولكن بعيداً عن أي أفق وطني أو قومي أوعروبي أو تقدمي ، أو بهدف تحرير أي جزء محتل من الأرض العربية سواء فلسطين أوالجولان أو ما تبقى من اراضٍ لبنانية محتلة أو أراض مغربية محتلة من قبل إسبانيا أو جزر عربية محتلة في البحر الأحمر من قبل إسرائيل.

كما تجاهل ماتيس ـ مثلاـ المخيمات ( 5 نجوم ) مسبقة الصنع التي أقامتها تركيا على حدود سورية قبل أن تبدأ الأحداث فيها ، لإستقبال لاجئين سوريين ، ولدعم تحركات مسلحين إخونيين عبر الحدود أعدوا لذلك مسبقاً ، وزُودوا بكل احتياجات الاستمرار من سلاح وعتاد ووسائل اتصال متقدمة وأجهزة حفرٍ للأنفاق ، فضلا عن الدعم المالي والإعلامي وممرات العبور غير الشرعية ، وسوى ذلك.

وحرص ماتيس على تحميل المقاومة اللبنانية وزر نمو (داعش )، بالمساواة بينهما ليس بزعم مجالات الاستهداف المدنية فحسب ، وإنما أيضاً (نسخ نموذج حزب الله) ، فهي محصلة مزيج معدل (منفوخ فيه) من القاعدة وحزب الله اللبناني يهز ( استقرار المنطقة و يحل الحدود و يغير الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، ويقوي المواقف السياسية التي تجعل بناء السلام في الشرق الأوسط أكثر بعدا يوما بعد يوم ) .

وتستحوذ “داعش” اليوم على الأرض كاستمرارية ونضج كبير لحرب الإرهاب الجهادي العنفي الحديث الذي بدأ ضدنا في عام 1983 ، في إشارة خبيثة إلى اعتبارها امتداداً للعمليات التي مارستها المقاومة اللبنانية وقوى لبنانية وطنية في بداية الثمانيات ضد أهداف امريكية وفرنسية وإسرائيلة ، رغم التناقض الكبير بين الغايات والممارسات كلياً .

وفي تزييف آخر للحقيقة والواقع ، قال ماتيس أنه جراء اعتياد  جماعات الإرهاب على التأقلم ، وتطهير صفوفها، وشحذ أيديولوجيتها، و تكييف أساليبها، تحولت “داعش” إلى تهديد أقوى من ذلك بكثير. فدمجت القدرات القتالية الكبيرة لتنظيم القاعدة  مركزة على القدرات الإدارية  ، ما يسمح لها بالصمود على الأرض، وإكتساب المزيد من القوة لانضواء أكثر الراديكاليين السنة صلابة وسخطا تحت لوائها .

متجاهلاً ( أي ماتيس ) كيف لعصابة إرهابية كـ داعش تحقيق كل ما سبق دون دعم كبير مالي وتسليحي وتدريبي وإعلامي ولوجستي وتجنيد الإرهابيين المرتزقة لها من بقاع الأرض الأربع وتمريرهم عبر دول الجوار المحيطة ، بعد شحنهم عقيديا .. وهابياً أو سلفياً جهاديا أو إخونيا ، وكيف لها أن تستمر في النمو على مدى سنوات المؤامرة الدولية على سورية وغيرها ، وسط مزاعم بأن تحالفاً أمريكيا عسكريا دولياً يعمل ضدها فإذا هو يزودها بسلات غذائية وعتاد ويتيح لها التمدد .

لم يكن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من قضية الإرهاب أو العمل الثوري المناهض للإحتلال ملتبساً ، بل مكشوفاً ومفضوحاً ، ففي حين كانت تصدر إلى أفغانستان اعتبارا من أواسط سبعينات القرن الماضي ؛ المحاربين المرتزقة للقتال ضدها وضد حليفتها الإتحاد السوفيتي السابق وتمدهم بكل أشكال الدعم وتعتبر ذلك عملاً مشروعاً ، ـ  كانت تعتبر حركة المقاومة اللبنانية الناشئة في لبنان جراء احتلال الكيان الصهيوني لأراض لبنانية واجتياح وحصار العاصمة اللبنانية بيروت إرهاباً ، والأسوأ من هذا تسويغ داعش معتبرة إياها حالة استمرار ناضجة لما أسماه ( حرب الإرهاب الجهادي العنفي الحديث الذي بدأ ضدنا في عام 1983) . مستذكرا مقولة لوزير خارجية أمريكا سنة 1984،  جورج شولتز أن العنف لم يعد عشوائيا، وأن على أمريكا مقاومة الإرهاب بحزم .

وإذ يحمل ماتيس ؛ المقاومة اللبنانية مسؤولية ظهور داعش ، فإنه يريد بطريقة غير مهذبة فضلا ، عن التبرؤ من مسؤولية الإستخبارات الأمريكية من تصنيعها ، تبرير حالة انتقامية أمريكية من الأمة العربية ، دون استثناء .

ولتبرير سياسات واشنطن المنفلتة ، يقول أن داعش باتت تمثل خطرا على الحكام في منطقة الشرق الأوسط وتمثل تهديدا يمتد إلى ما هو أبعد من تلك المنطقة المضطربة .. فإنه يدعو قبل أن تطلق “داعش” عمليات عابرة للأوطان. أن تكون مقاربة أمريكا تحديد كيفية أبعاد مبادرتهم عنا ، لاحظوا هنا أن المهم بالنسبة لأمريكا ، ليس محاربة الإرهاب ممثلاً بداعش كخطر عالمي وإنما ( إبعاد مبادراتهم عن أمريكا ) وهو يرى إرهابهم بشكل ملطف جداً مجرد (مبادرات)  وهو يفهم كما قال ويقدر إخراج بلاده من (المعارك الفقيرة الوضوح التي خضناها في الشرق الأوسط ) فالمسألة بالنسبة لأمريكا أن لا تخرج خالية الوفاض من منطقة الشرق الأوسط هكذا دون مقابل، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي ترامب عندما قال بصراحة ، أن خروج قوات بلاده من العراق كان خطأ وانه يريد نصف نفط العراق لقاء ذلك ، و10% من نفط السعودية لقاء حمايتها .

ومع كل ذلك ، فإنه يدعو لتغيير ما كانت تقوم به أمريكا ، سواء ثبتت صحة فرضيات بلاده حول هذا التهديد أو بطلانها، و( تحديد أهدافنا السياسية، وبناء إستراتيجية متكاملة بما يلزمها من موارد ) بالتنسيق مع الحلفاء(وتنسيق القوي مع الطرف الضعيف يتجلى بوضوح فيما عبر عنه ترامب،استحقاقات حماية وخاوات تفرض على الحلفاء المحتملون كما أطلق عليهم ماتيس ، في المنطقة وحول العالم، ومستدركا ( لكن لا شيء يمكن أن يحل محل القيادة الأمريكية في لم شمل الأطراف المعنية معا ) ، والطريف أنه يعتبر  ذلك لمّاً  لـ ( شمل الأطراف ) لا تفكيكا وتقسيماً لهؤلاء ، ولا زرعاً لفتن وإنقسامات وحروب ونزاعات بين من وصفهم بـ ( الأطراف ) لكي تبقى أمريكا السيد والمرجع والمآل ما استطاعت .

ماتيس قال في بداية تقريره أن الإرهاب سابق لـ 11 ايلول .. وهذا صحيح ، فالربيع العربي عبرت عنه السمراء كونداليزا بالفوضى الخلاقة القادمة للمنطقة ، وعبر عنه قبلها الصهيوني المخضرم بيريس وبوش الأب بالشرق أوسط الجديد أو الكبير .. وتبدى دائماً في رفض واشنطن منذ ثمانينات القرن الماضي تحديد تعريف دقيق عالمي للإرهاب لكي يبقى فزاعة حينما تريد وأداة استخدام حينما تريد أيضاً ..

ما تطرقت إليه كان جزءاً من تقرير ماتس وساحاول تناول جزءه الثاني لاحقاً .

باختصار ، أمريكا هي الإرهاب  ؛ مصنعته وحاميته ومصدرته الى حيث تشاء ومستخدمته .. على شكل عصابات مسلحة وتجارة بشر وسلاح ومخدرات وتبييض أموال، ومن خلال عقائد فاسدة ومذاهب تكفيرية وفتن واحترابات وثقافة منفلتة وإعلام مضلل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى