الحرب الناعمة اخطر من الخشنة لانها تحقق اغراضها عبر الاغراء وليس الارغام

يتردد على مسامعنا بشكل دائم هذا الاوان مصطلح “الحرب الناعمة”، وهو ما يعني أنّ نتوقف عند مفهوم هذه الحرب الناعمة، والذي يتشابه كثيرًا مع مفاهيم “غسل العقول” و”الحرب النفسية”. سننطلق من تعريف نائب وزير الدفاع الأمريكي السابق وعميد كلية الدراسات الحكومية في جامعة هارفارد، جوزيف ناي، الذي عبّر عنها بشكل موجز قائلًا: “هي القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلًا من الإرغام”، وفي هذا السياق، تكون قائدة هذه الحرب هي الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت ولا تزال تسعى لتحقيق حلمها في السيطرة على العالم، ونشر مفاهيمها وقيمها وضرب خصوصياتنا العربية والدينية، لتبث فينا أفكارًا تجعلنا خاضعين خانعين لها ليس بقوة السلاح بل بقوة القيم المادية والتجارية والاستهلاكية التي ترميها في أسواقنا وعلى شاشاتنا، تواكبها حملة دعائية كبرى تعمل على تلميع صورتها أمام الرأي العام بكافة الوسائل والأساليب لاستمالة وإغواء وجذب الآخرين لها، خاصة عبر استخدام الشاشات وبث الأفكار التي تريدها أميركا، والتي تبدأ بالتسلل الى نفوس المشاهدين ليبدأوا لا شعوريًا بالتعلق بها.

والملفت ما يتم طرحه في البرامج التلفزيونية، من مضامين هجينة عن قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وبعيدة عن ديننا تتسلل إلى العقول وتسكن فيها، ويبدأ الشباب وكبار السن وحتى الأطفال بمحاولة تقليدهم والتماهي مع هذه الأفكار، واعتبارها الأصح لأنها تعبر حسب مفهومهم عن “الحرية”، وبالطبع هي بعيدة كل البعد عن الدين بمعناه السليم والحقيقي، فيرون فيها الحلم الموعود، ويبدأون بالتخبط بين ما تربوا عليه واكتسبوه من أهلهم ومن محيطهم وبين ما يأتي من “الحرب الناعمة”، الأمر الذي يؤثر سلبًا على أصالة هويتهم.

فهذه الحرب ترّوج لمفاهيم الخيانة الزوجية والاستقلال عن الأهل، واعتبار أن الأقارب هم أصل البلاء (أي قطع صلة الرحم)، وتعتبر بأن العلاقة الجنسية غير الشرعية حق لكل إنسان (أي يعززون الغريزة الحيوانية عند الفرد بدون أية ضوابط وقيود)، وتروّج للأنانية وحب الظهور (كما هي الحال في البرامج والمسابقات الغنائية)، والتمرد على الوالدين، وحرية المرأة، والمثلية الجنسية. ويتحول الممثل الفلاني أو المطربة الفلانية الى نماذج يتماهون بها، ويعتبرونها قدوة لهم، وهنا الكارثة لأنّ “الأنا” الخاصة بكل فرد تذوب وتختفي معالمها عند السعي لتقليد هذه النماذج، وقد وصل الحال بالبعض إلى إجراء عمليات تجميلية ليقتربوا من التشبه بهم.

إلّا أن كلّ هذه الأساليب والمفاهيم يعرف المطّلع والمثقف والواعي بأن دياناتنا السماوية اعترضت عليها كـ”الخيانة، المثلية، العلاقة الجنسية الفوضاوية، قطع صلة الرحم..”، لما فيها من ضرر للإنسان ولمجتمعه، وبالتالي تؤثر سلبًا على معرفته بالطرق المؤدية إلى معرفة الله عزّ وجلّ. أما فيما يخص حرية المرأة والإنسان ككل، فالإسلام أعطى حقوقًا للمرأة جعلتها ملكة.. أما الإنسان، فيكفي ما ذكر بأنه خليفة الله على الأرض، فإذا كانت صورة الله هي الكمال والجمال المعنوي والروحي.. فلنتخيل ما يأتي من هذا المصدر المبدع على أي حال سيكون؟ وكيف يريده الله عزّ وجلّ أن يكون؟

إذن، “الحرب الناعمة” سعت إلى تقطيع أواصر الفرد مع مجتمعه ومع الخالق من كافة الجوانب الإيمانية والروحية والفكرية والثقافية وحتى النفسية والإجتماعية، وجعلته متلقٍّ ومستهلك وليس كمبدع ومنتج.

لذا، ولمواجهة هذه الحرب، نرى بأنّ سماحة الإمام السيد علي الخامنئي من أكثر الشخصيات التي حذرت ونبّهت من الوقوع في شراكها في كل خطبه تقريبًا، مؤكدًا بأننا نستطيع التفوق عليها، ومما قاله في هذا الموضوع: “من الواجبات والاحتياجات للمواجهة الشجاعة في الفهم إلى جانب الشجاعة في العمل، لأن الإنفعال أو الخوف يؤديان إلى الخلل في الفهم الصحيح للمواضيع والأحداث”، وفي مكان آخر يقول: “إن التبليغ الصحيح للإسلام بكل أبعاده وتجلياته يعتبر عنصرًا هامًا جدًا للتوعية في زمن الفتن”.

إذن، للإنتصار في هذه الحرب يجب أن يمتلك كلّ فرد منّا الوعي والنضوج الفكري والحذر مما يأتي من هذه النعومة من شعارات ومصطلحات، والعودة إلى الأصالة الإسلامية واحترام الذات ومعرفتها حقّ المعرفة، ورفض الخنوع والخضوع لها ومقاومتها بإعلام هادف رسالي يكشف زيف ما تروج له، المواجهة تتطلب جهود الجميع لنحقق النصر المبين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى