الوحدة العربية… ما هي ضرورتها وكيف يمكن تحقيقها ؟
بقلم : معن بشور/بيروت
” واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ” اية كريمة تكاد تلخص أهمية الوحدة العربية كفكرة نابعة من قلب التراث، وكحاجة لمواجهة كل التحديات والمخاطر، وكطريق لمستقبل العرب الذين لا مستقبل لهم بدون الوحدة.
فقد جاءت أحداث تاريخنا القديم والمعاصر لتؤكد سلامة قانون الوحدة، حيث ما توحد العرب أو بعضهم مرّة إلا وحققوا النصر على أعدائهم، والازدهار لمجتمعاتهم، وما تفرق العرب مرّة إلا وذاقوا مرّ الهزائم ومرارة الفشل وقسوة العيش.
ولكن هل تكفي آية كريمة لكي ندرك أهمية الوحدة العربية في حياتنا، أم إن لهذه الوحدة أيضاً أسباب أخرى متصلة موضوعياً بماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.
1- الوحدة العربية كمشروع لتوحيد أبناء الأمة العربية هي التجسيد العملي لرابطة ثقافية حضارية عقائدية جمعت العرب في الماضي، وباتت شرطاً لاستقلالهم في الحاضر، وضرورة لنهضتهم في المستقبل.
اذ قلّما اجتمعت لجماعة أو أمة أو قارة عوامل تشدها إلى بعضها البعض كما اجتمعت للأمة العربية التي يتكلم أبناؤها لغة واحدة هي اللغة العربية وما يرتبط بها من ثقافة، وتظلّلهم حضارة واحدة هي الحضارةالعربية والاسلامية التي شارك في صوغها عرب مسلمون وغير مسلمين، ومسلمون عرب وغير عرب، تواجههم تحديات مشتركة على يد طامعين من الخارج ومستبدين في الداخل. بالاضافة الى مصالح مشتركة تجمع بين اقطارها سواء على الصعيد الاقتصادي او السياسي او الثقافي ناهيك بضرورات الامن القومي.
وفي الوقت ذاته قلّما اجتمعت على جماعة أو امة أو حتى قارة من القوى لمنع وحدتها كما اجتمعت على الامة العربية قوى خارجية لها امتداداتها في الداخل، سعت وتسعى إلى ابقاء هذه الامة مجزأة، متناحرة، مشرذمة لمنعها من امتلاك الإرادة والقدرة على تحقيق استقلالها، واستثمار مواردها، والإسهام في الحضارة الإنسانية من حولها.
2- في ظل هذا التناقض بين حاجة الأمة إلى وحدة تنسجم مع ماضٍ تليد جعلها في مقدمة الأمم على مدى قرون، وتواجه حاضراً مهدداً بكل انواع التحديات، وتهيء لمستقبل ناهض، وبين عوائق خارجية وداخلية تحول دون هذه الوحدة، خاضت الأمة في مواجهتها، وما تزال، أكبر معاركها من أجل استقلال دولها وحرية مواطنيها وتنمية مجتمعها وعدالة انظمتها والتجدد في عطائها الحضاري، وهي أهداف مشروعها النهضوي الذي يقع في قلبه هدف الوحدة العربية متلازماً مع الأهداف الأخرى، التي لا مقايضة بينها، ولا إقصاء لأحدها لحساب الآخر، بل بينها تكامل تظهر الأيام أن كل خطوة على طريق أي هدف من هذه الأهداف هي خطوة على طريقها كلها.
ويزداد هذا التناقض الصارخ بروزاً حين نلاحظ أننا نعيش في عصر لا مكان فيه للتكتلات الصغيرة، ولا مستقبل لها، بل أن بعض هذه التكتلات يقوم اليوم بين أمم وجماعات مختلفة، شهدت فيما بينها صراعات وحروبا دموية عنيفة، لكن رغبتها بالبقاء والتقدم فرضت عليها شكلا من أشكال الوحدة، الاقتصادية، وحتى السياسية، بذريعة وجود مصالح تدفعها إلى ذلك في عالم يقولون إنه يقوم على المصالح لا المبادئ.
3- في الوحدة العربية تجتمع المبادئ والمصالح معاً، فكل ما نحمل من عقائد وقيم وروابط تاريخية ومشاعر إنسانية يدفعنا نحو الوحدة بعيداً عن التشرذم والتناحر والانعزال، كما أن كل نظرة موضوعية إلى الوطن العربي، مساحة وموقعاً وموارد، تظهر أن قيام أي شكل من أشكال الوحدة العربية أمر تفرضه مصالح الوطن الكبير كما مصلحة كل قطر من أقطاره، الكبير منها والصغير، الغني منها والفقير، حيث تتكامل عناصر الإنتاج مع شروط التنمية داخل وطننا العربي الكبير كما لا تتكامل في أي وحدة قائمة اليوم في العالم.
4- بالمقابل فأن فعالية هذه العناصر تتعطل، وتتشوه عمليات التنمية، إذا لم تتوفر للأمة أشكال الوحدة والتكامل بين هذه الأقطار التي يمتلك بعضها الرساميل أو المواد الخام دون أن يمتلك اليد العاملة أو الخبرة ناهيك بالسوق الواسعة، فيما يمتلك الآخر اليد العاملة أو الخبرة ولا يمتلك الرساميل والمواد الخام، بل لا يمتلك أي قطر بمفرده السوق الواسعة التي باتت ضرورية لأي تنمية حقيقية تقوم على الانتاج الفعلي بكل مجالاته.
ان نظرة سريعة إلى واقع التنمية العربية نجد ان أزمتها تطوق كل أقطار الأمة سواء الغني منها، المهدد دائماً بمصادرة ثرواته من قوى الهيمنة، أو الفقير منها المتخبط بالفقر والبطالة والهجرة، بل نجد أن لا حل جذرياً لهذه الأزمة إلا بأشكال متعددة من التكامل الاقتصادي وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية العربية.
5- وما ينطبق على التنمية المستقلة ينطبق أيضاً على الاستقلال الوطني والأمن القومي للأمة، كما لأقطارها، فلقد أثبتت الأحداث والتطورات كلها ان ما نالته أقطارنا العربية من استقلال في العقود الماضية بقي استقلالا منقوصاً ومنتهكاً على الدوام من قوى خارجية تتفوق علينا في موازين القوى، بدءاً من اغتصاب كامل للأرض كما في فلسطين، وصولاً الى أراض عربية محتلة أو مسلوبة من أقصى المغرب العربي إلى أقصى المشرق، ناهيك عما نشهده حاليا من حروب وقواعد أجنبية وتدخلات خارجية مباشرة في العديد من اقطار الامة.
6- أثبتت التطورات المتسارعة في الامة أن الأمن الوطني لكل قطر، مهما كان هذا القطر كبيراً، مرتبط بالأمن القومي للأمة، وان السيادة الوطنية لكل بلد هي جزء لا يتجزأ من السيادة القومية، لا بل أثبتت التطورات كذلك انه في غياب الأمن القومي العربي لا تتلكأ الأقطار عن نصرة بعضها البعض فحسب، بل ان حكام تلك الأقطار، ولأسباب متعددة، يصبحون جزءاً من منظومة العدوان على أقطار أخرى وأحياناً من المحرضين عليه او مشجعيه كما رأينا في أكثر من حالة.
7- ان الديمقراطية التي تشكل في بلادنا آلية المشاركة الشعبية الفاعلة في الحكم، وصمام أمان الوحدة الوطنية بين مكونات متنوعة تتساكن في وطننا الكبير، والضامن الحقيقي لحقوق الإنسان، تبقى مشوهة وناقصة او قابلة للتشويه في ظل كيانات صغيرة تتوفر فيها للفئة الحاكمة كل سبل الاستبداد وإقصاء الآخر لأنها بإمساكها آلة قمع فتاكة، وإمكانات مالية وافرة، تصبح قادرة، وبمساعدة خارجية عادة، على إخضاع شعوب محدودة العدد أو على إشعال حروب وفتن، متعددة الاشكال والمواصفات، داخل هذه المجتمعات، وهي وسائل وآلات وقدرات تصبح محدودة التأثير لو كانت تواجه امة موحدة تضم مئات الملايين من المواطنين.
هنا الوحدة العربية والديمقراطية هدفان متلازمان يفتح أي تقدم على تحقيق احدهما الطريق لتحقيق الهدف الآخر، إذ أن الخيار الحر لأبناء الأمة العربية هو الخيار الوحدوي إذا توفرت ديمقراطية حقيقية لهم، والوحدة العربية، أيّاً كانت صيغ العمل بها، تعطي القوى الشعبية قدرة اكبر على ممارسة حقوقها في المشاركة، ناهيك عن حقها في التعبير والتغيير.
8- ولو تأملنا جيداً في الصحوة الشعبية العربية التي شهدها عام 2011، لاكتشفنا وحدة أبناء الأمة من خلال انتقال الحراك الشعبي، وبسرعة مذهلة، من قطر إلى آخر، وتداولها للشعارات ذاتها تقريباً، ولكننا لو درسنا جيداً أسباب تعثر بعضها لاكتشفنا ان على رأس هذه الأسباب هذه اضطرار هذه التحولات إلى الانكفاء داخل أقطارها، وعدم تبنيها لبرامج ومشاريع تدفعها للتكامل مع الأقطار الأخرى، أو لتبني قضايا تهم الأمة كلها بل احيانا الى الاستعانة باعداء الامة لتحقيق اغراضها، الأمر الذي سهّل لأعداء الأمة عمليات اختراق وتشويه وتجويف هذه التحركات رغم أصالة انطلاقاتها، ووطنية الكثير من مطلقيها وصدق العديد من مناضيلها.
9- بقدر ما تشكل الديمقراطية الإطار السليم لتنظيم العلاقة بين الدولة والمواطن، كما بين الدولة والمكونات الآثنية والدينية والمذهبية لمجتمعها، فان الوحدة العربية، كإطار أوسع يحمل في اطاره كل آفاق التقدم والرخاء والازدهار تصبح قادرة على التعامل برحابة إنسانية واسعة، (هي من صلب تراثنا العربي الإسلامي)، مع كل هذه المكونات التي تصبح حينها أكثر انجذاباً لدولة ديمقراطية قوية مزدهرة نامية من جهة، كما تصبح تلك الدولة الديمقراطية القوية أكثر استعداداً لاحترام خصوصية تلك الجماعات وأكثر قدرة على التعاطي الايجابي معها، لأن الدولة الكبيرة تكون مرتاحة مع نفسها، ومع مكوناتها، ولا تعيش حذراً وتوتراً من مكونات داخلها تطالب بحقوق مشروعة لها.
10 – ان الوحدة العربية هنا ليست خيراً على العرب وحدهم، بل على كل من يساكنهم في أرضهم، ويشاركهم في مصيرهم، بعد أن كان هؤلاء شركاء أساسيين للعرب في تاريخهم وفي معاركهم ضد الغزاة (دور الاكراد في مقاومة الفرنجة، ودور الامازيغ في مقاومة الاىستعمار الغربي)، بل أن الوحدة العربية بارتكازها على منظومة التلازم بين العروبة والإسلام تصبح الإطار الأرحب للعرب، مسلمين وغير مسلمين، وللمسلمين عرباً وغير عرب، فتشكل وعاء تفاعل حضاري خلاق، عربي إسلامي، كما كان الحال على مدى قرون طويلة من الزمن.
11- بالقياس ذاته، توفر الوحدة العربية للأمة كلها قدرة على التواصل والتفاعل والتكامل مع دول جوارها الحضاري والاستراتيجي شرقا وشمالاً وجنوباً، لأن العرب في ظل كيان كبير قوي يصبحون أكثر تحرراً من هواجس ومخاوف من مشاريع توسعية لدول إقليمية مجاورة التي بدورها تصبح أقل انقياداً لإغراء السيطرة على بلاد العرب ومقدراتهم وهو إغراء يرافق أحياناً الإحساس بفائض القوة ضد اصحاب هذه المشاريع.
12- ان الكيان الصهيوني نفسه، الذي تم إنشاؤه على ارض فلسطين العربية كحاجز يمنع توحيد شطري الوطن العربي الكبير ويسعى إلى زرع بذور الفتنة والاحتراب في كل المجتمعات العربية والإسلامية، سيصاب اصحابه بالإحباط وهم يرون أمامهم كياناً عربياً كبيراً، متفاعلاً مع دوائره الحضارية والإستراتيجية الأوسع، ويحسون بمخاطر تهدد وجودهم أمام قوة عربية كبرى قادرة على احتضان مقاومة الشعب الفلسطيني ومدها بكل أسباب القوة، وبالتالي يصبحون أمام احتمالين أما مغادرة ارض اغتصبوها واستعمروها وشردوا أهلها، وإما القبول بالاندماج كجماعة دينية في إطار عربي إسلامي أوسع.
بل قد يجد بعض اليهود، من سكان الوطن العربي تاريخياً، والذين هاجروا الى فلسطين المحتلة، أنفسهم منجذبين إلى جذورهم الأصلية في تلك المجتمعات، وقد باتت في ظل الوحدة أكثر قوة وازدهاراً، بل قد تجد بعضهم ربما مشدوداً إلى العروبة نفسها خصوصاً انها لم تقم يوماً على فكرة التمييز بين الناس على أساس الدين أو اللون او الجنس أو العرق أو الدم أو النسب وهو ما كان عليه تاريخ اليهود مع العرب والمسلمين قبل قيام المشروع الصهيوني – الاستعماري.
فالوحدة العربية إذن هي إطار امثل لحل قضية الصراع العربي – الصهيوني، سلماً بالاستيعاب الديمقراطي الإنساني، أو حرباً بتفوق القوة، ولعل هذا ما يفسر الحرب الصهيونية الدائمة على كل ما يوحد العرب، فكراً أو نضالاً أو مقاومة أو مشاريع مشتركة، بل هذا ما يفسر موقف الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني، باعتبار هذا الكيان – الحاجز احد ركائز استراتجيتها لمنع قيام قوة كبرى في الوطن العربي.
عوائق الوحدة
بعد هذا العرض، يبقى السؤال المشروع يطرح نفسه: إذا كانت أسباب قيام وحدة عربية ومبرراتها بهذه القوة، فلماذا لم تقم الوحدة العربية حتى اليوم، بل لماذا نشهد هذا الانقسام بين الكيانات القطرية القائمة سواء من خلال الصراعات والحروب البينية، او من خلال التقسيم الصريح لها، أو من خلال مشاريع الأقاليم الفدرالية، أو بشكل خاص من خلال الفتن والصراعات والحروب الأهلية، المعلنة والكامنة، والمرتكزة على عصبيات ما دون الوطني، ناهيك عن القومي؟
وجواباً على هذا السؤال المشروع لا بد من التوقف أمام جملة معوقات داخلية وخارجية، ذاتية وموضوعية حالت، وما تزال، دون قيام أي شكل من أشكال الوحدة العربية، بل لعبت دوراً في تحطيم كل ما قام من صيغ وأشكال ومبادرات، بما فيها صيغ التضامن العربي نفسه وهو أدنى أشكال العمل العربي المشترك ناهيك عن إسقاط أول تجربة وحدوية معاصرة قامت عام 1958 بين مصر وسوريا، وإجهاض كل المحاولات الوحدوية الأخرى وفي مقدمها وحدة مصر والعراق وسوريا في ميثاق 17 نيسان 1963، ثم اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة عام 1971، ثم لقاء العراق وسوريا في ميثاق العمل القومي في تشرين الثاني 1978.
1- قبل تعداد ابرز هذه المعوقات لا بد من التأكيد على التلازم القوي بين العوامل الخارجية (أي المشروع الاستعماري الصهيوني بكل تعابيره وتجلياته) والعوامل الداخلية، كي لا نقع في خطأ انزلق إليه كثيرون حين ركزوا على دور الاستعمار والصهيونية متجاهلين الثغرات الكامنة في واقعنا من تخلّف، واستبداد، واستغلال واحتكار، وفساد، وانقسامات أهلية متعددة الأشكال والمظاهر، أو حين بالغوا، في المقلب الآخر، في الحديث عن العوامل الداخلية متناسين دور القوى الاستعمارية القديم – الجديد، وابرز تجلياته سواء في معاهدة سايكس – بيكو (1916) ومعها وعد بلفور(1917) الذي أسس لقيام الكيان الصهيوني كحاجز يمنع وحدة المشرق العربي مع المغرب العربي، بل متجاهلين جملة توصيات استعمارية قديمة أبرزها رسالة رئيس وزراء بريطانيا السابق بالمرستون (في أواسط القرن التاسع عشر) الذي تبنى توصية قنصله العام في فلسطين بضرورة قيام كيان يهودي عازل في فلسطين كي لا تتكرر تجربة توحيد مصر وبلاد الشام على يد محمد علي حاكم مصر آنذاك وابنه إبراهيم باشا.
والحقيقة أن المعوقات الخارجية كثيراً ما كانت تغذي المعوقات الداخلية، وكانت المعوقات الداخلية بالمقابل تفسح في المجال لنجاح المعوقات الخارجية في تأدية دورها.
2- إذا باتت معروفة لعناصر الخارجية العاملة على تجزئة الأمة وتفتيتها فان المعوقات الداخلية بالمقابل يمكن أن تتوزع على عدة مستويات بعضها يتصل بقضايا ثقافية وفكرية، وبعضها بقضايا الدولة والمجتمع، وبعضها الثالث يتصل بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى أمور أخرى لا يتسع المجال للوقوف عندها.
في المجال الثقافي والفكري لا بد من الوقوف أمام تنظيرات فكرية، تأخذ أبعاداً ثقافية، تشن منذ عقوداً حروباً عسكرية وثقافية واعلامية على الوحدة العربية، وعلى مرتكزاتها الموضوعية المتمثلة بالقومية العربية لصالح الكيانات القطرية والعصبيات الطائفية والعرقية، والمتمثلة ايضا بالهوية العربية الجامعة لصالح هويات فرعية أو صغرى متناحرة، علماً إن الوحدة العربية لم تقدم نفسها يوماً على الصعيد الفكري كإلغاء للوحدة الوطنية، بل اعتبرت هذه الوحدة الأصغر ضمانة للوحدة الأكبر، تماماً كما لم ينف الفكر الوحدوي العربي احتمال ان تكون وحدة العرب خطوة على طريق الوحدة الإسلامية الأوسع وصولاً للوحدة الإنسانية الأشمل.
3- في هذه الحروب الثقافية نجد ان الحرب على اللغة العربية، هي الأشرس، لان اللغة تشكل عنصراً جامعاً لأبناء الأمة، بل هي كما جاء على لسان الرسول العربي الكريم (ص)، بل هي عنصر حاسم في تحديد الهوية العربية للإنسان، كما نجد، استتباعاً، ان الحرب على الثقافة العربية الإسلامية الجامعة هي أيضاً من أشرس الحروب لأن هذه الثقافة إنسانية وجامعة، إنسانية لانبثاقها من ارض هي مهد الرسالات السماوية ذات البعد العالمي، وجامعة لأن عرباً، مسلمين وغير مسلمين، ومسلمين، عرباً وغير عرب، شاركوا في بنائها لبنة لبنة، وصرحاً صرحاً.
4- على صعيد العلاقة بين الدولة والمجتمع نلاحظ ان الحرب على الوحدة العربية، تأخذ شكل تعميق الحواجز بين الدول العربية، كما داخل كل واحدة منها بين الدولة والمجتمع، معتمدة في المرتبة الأولى على “تحقيق التجزئة” أي جعلها حقيقة وحقاً، ومستندة، بشكل خاص على حادث الانفصال الذي أودى بأول جمهورية عربية متحدة في أواسط القرن العشرين لتؤكد ان القطرية هي القاعدة وان الوحدة هي الشواذ.
كما تستند هذه الحرب على جعل الاستبداد نمط علاقات وحيداً في المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى احتقاناتٍ تأخذ أشكالا عرقية ودينية وطائفية ومذهبية، وحتى سياسية وحزبية، وهي الاحتقانات التي تنزلق سريعاً لتصبح صراعات أهلية دموية تفجر المجتمعات من داخلها، فيصبح توحيد الكيان الوطني ذاته مستحيلاً فكيف بوحدة الأمة كلها.
الاستبداد في هذه الحال، المقرون بالفساد دوما، والمرتكز إلى التبعية للخارج وفي أغلب الأحيان، لا يشكل نقيض الحرية وحقوق الإنسان فقط، بل يشكل تهديداً للوحدة الوطنية والقومية على حد سواء، وهذا ما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد ان الديكتاتوريات العربية هي حارسة أمينة للتجزئة، اذ يخشى المتربعون فوق عروشها من وحدةٍ تهدد تسلطهم، كما يجنّدون كل طاقاتهم للحيلولة دون قيامها ويجهدون في إثارة كل النعرات والعصبيات الممزقة لوحدة الأمة حتى لو أدى الأمر إلى الفوضى العارمة.
5- مما زاد الطين بله، إن أنظمة حملت لواء الوحدة العربية والقومية العربية لم تنجح في تقديم نماذج ديمقراطية مشعة، بل انزلق بعضها إلى أقسى أنواع الاستبداد مما أضعف التوجه القومي العربي وسمح لوصمة الاستبداد أن تلحق بهذا التوجه، ناهيك عن التعثر الفاضح في علاقات الأنظمة والمنظمات ذات البعد القومي العربي، ببعضها البعض، ودخولها في صراعات وحروب وانقسامات فيما كان المطلوب منها شيء واحد هو الوحدة فقدمت للأمة أشياء كثيرة غير الوحدة.
6- أما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فرغم أن أحداً لا يستطيع أن ينكر الفوائد العديدة، التي يقدمها أي شكل من أشكال التعامل او الوحدة من مكاسب وانجازات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن أحداً أيضاً لا يستطيع أن ينكر إن التجزئة التي فرضها المستعمر على بلادنا، والتي وصلت إلى حد إقامة دويلات ميكروسكوبية تمتلك ثروات خيالية، قد نجحت في أن تقيم لصالحها مع الوقت مصالح وطبقات وعائلات وحتى أحزاباً سياسية ومرتكزات تدافع عنها بكل شراسة، وتسعى لتدمير كل مقومات الوحدة في الأمة، بما فيها تدمير الدول العربية الكبرى التي حاولت الإفلات من قبضة الهيمنة الاستعمارية والصهيونية سواء بالاستقلال الوطني والقومي، أو بالتنمية المستقلة، أو بالعدالة الاجتماعية، أو بالتجدد الحضاري، أو بشكل خاص بالتوجه نحو التكامل العربي.
7- بهذا المعنى، يمكن القول إن التجزئة العربية هي البنية التحتية الحقيقية في وطننا العربي التي قامت فوقها بنى اقتصادية وثقافية واجتماعية ترعاها وتحميها، كما يمكن القول ان الطبقات الإقطاعية والرأسمالية في بلادنا، ولدت في معظمها (ما عدا استثناءات نادرة) عبر علاقات وصلات مع القوى الخارجية المهيمنة (كالاقطاع زمن السلطنة العثمانية، والبورجوازية التابعة في ظل الاستعمار الغربي) وبالتالي فان ثرواتها لم تات استجابة لتطور في ادوات الانتاج المحلية انتج تطورات في علاقات الانتاج. (كما كان الحال في اوروبا حيث ولدت مرحلة الاقطاع، من رحم مرحلة الرق، وحيث ولدت الرأسمالية من رحم مرحلة الاقطاع).
8- ولقد انعكست المصالح الاقتصادية التي انتجتها التجزئة تنافراً وتنافساً بين الطبقات المتماثلة في الأقطار المختلفة، فوجدنا مثلاً القطيعة الاقتصادية بين سوريا ولبنان عام 1950 رغم تماثل الاوضاع الاجتماعية للحاكمين آنذاك في البلدين، ووجدنا عوائق حالت دون انتقال التجمعات العربية ذات البعد الاقليمي إلى خطوات تكاملية حقيقية.
فمجلس التعاون العربي الذي قام بين مصر والعراق واليمن والاردن في اواخر الثمانينات من القرن العشرين، سرعان ما انهار مع اول زلزال اقليمي عام 1990، والاتحاد المغاربي العربي بقي محتجزاً في اطار الخلافات الثنائية بين دول لا تجد غضاضة ان تلتقي دوريا مع دول الجنوب الاوروبي (5+5) لكنها تجد الف مبرر ومبرر لعدم انعقاد اجتماعات متواصلة بين دول مغاربية خمس يعرف الجميع حجم المشتركات بينها.
حتى مجلس التعاون الخليجي، الذي أفلت من الانهيار كما حال مجلس التعاون العربي الآنف الذكر، ومن التعثر والجمود كالاتحاد المغاربي العربي، لم ينجح (رغم التماثل في طبيعة الحكام في دوله) في ان يحقق انجازات ملموسة في العلاقات بين اطرافه، اللهم إلا اذا كان “الانجاز” موقفاً سلبياً من دولة عربية أو اقليمية اخرى، بل اننا لم نر حتى سكة حديد تربط دوله، أو عملة واحدة يتداولها ابناء هذه الدول، أو مشاريع واحدة كبرى يتعاونون على تنفيذها.
9- سبق لتقرير “استشراف مستقبل الوطن العربي” الذي أعده مركز دراسات الوحدة العربية ان اشار إلى ثلاث سيناريوهات تنتظر، الوطن العربي في الربع الاول من القرن الحادي والعشرين: اول هذه السيناريوهات استمرار الحال الراهن وهو ما سيقود إلى الانهيار الكامل وثانيهما قيام صيغ تعاون اقليمي سرعان ما تنهار هي الأخرى اذا لم تتجه إلى الوحدة، وثالث السيناريوهات هو قيام وحدة اتحادية تضمن للعرب استقلالهم ونهضتهم وتحققها كتلة تاريخية من كل تيارات الأمة الرئيسية (قومية واسلامية ويسارية عروبية وليبرالية وطنية) تجتمع حول مشروع نهضوي عربي استكمل المركز نفسه اعداده ونشره في شباط 2010.
10- ان التشتت في القرار الاقتصادي والمالي، وحتى النقدي العربي، تجعل من الاستقلال الاقتصادي العربي اقتصاداً مخترقاً في العديد من المجالات، ففوائضنا النفطية كثيراً ما تستخدم لحل الازمات الاقتصادية في الغرب، أو لشراء الاسلحة المنسقة، كما ان حجم الانتاج النفطي لكل قطر تحددّه عبر الاوبك دائماً واشنطن وعواصم الغرب ويلتزم بها حكام الدول النفطية.
11- لا تقل المصالح السياسية عن المصالح الاقتصادية في اعاقة التكامل العربي والحيلولة دون قيام أطر جامعة معروفة على غير صعيد، وإلا كيف نفسّر انهيار اول وحدة عربية بين مصر وسوريا فرضتها جماهير البلدين، لولا مصالح سياسية ضيقة تحكمت ببعض الاجهزة الحاكمة وبعض القوى المتضررة من نظام الوحدة وتحالفت مع قوى خارجية متربصة بهذه الوحدة منذ ولادتها.
بل كيف نفسّر مثلاً قيام نظامين متجاورين يدعيان الانتماء إلى حركة حزبية واحدة في العراق وسوريا، وعلى مدى عقود، ولم تقم بينهما وحدة، بل قامت بدلاً منها اقسى اشكال الصراع وأكثرها دموية.
بل كيف يفسّر أن علاقة تعاون وتكامل وتنسيق بين لبنان وسوريا قامت على مدى ثلاثين عاماً، لم تستطع ان تترك بصمة واحدة في مجالات التكامل الاقتصادي والثقافي والتربوي والسياسي، بل انحصر همها بالجانب الامني، بجانبيه الداخلي (وقف الحرب) والقومي (انهاء الاحتلال الصهيوني) وهو جانب بالغ الاهمة على كل حال ولكنه ليس كافياً للنهوض بالعلاقة بين البلدين وتحصينها من كل الشوائب.
بل كيف نفسّر عجز تنظيمات قومية تدعو للوحدة العربية عن توحيد نفسها في اطار عمل موحد أو متكامل، بدلاً من البقاء أسيرة التشرذم والانقسام.
كل هذه الاسئلة، تؤكد ان قيام مصالح سياسية في الاقطار والتنظيمات وحتى الافراد، كان دون شك عائقاً رئيسياً من العوائق في وجه الوحدة.
12 – أدت هذه المصالح السياسية القطرية، والمرتبطة اصلاً بمسألة الوصول إلى السلطة، إلى اندلاع صراعات دموية بين تيارات وقوى عديدة على مستوى الأمة، وداخل كل قطر، وقد حاول البعض الباسها لبوساً عقائدياً أو فكريا أو حتى عرقياً، كالصراع بين العروبة والاسلام، بين الاصالة المعاصرة، بين الدين والقومية، بين القومية والشيوعية الخ…، فيما كانت في جوهرها، وما تزال، صراعات على السلطة لم يوفر فيها بعض المنتمون الى تيار زملاءهم في التيار ذاته من الاقصاء والتهميش، كما لم يوفر بعض الحزبيين رفاقهم في الحزب عينه من التصفية والالغاء.
الطريق الى الوحدة
يبقى السؤال اذن ما العمل لتحقيق هذا الحلم العربي ولتجاوز العوائق التي تحول دونه؟
هنا لا بد من العمل على اكثر من مستوى.
المستوى الاول هو مستوى نظري ينصب على قراءة نقدية موضوعية لمجمل تجربة العمل الوحدوي العربي على الصعيد الرسمي والشعبي، وتحديد الايجابيات ان وجدت، والعمل على تطويرها، والسلبيات، وهي عديدة، ومن اجل تجاوزها.
وفي الحالتين لا بد من نشر وعي وحدوي عربي، وبشتى الوسائل المتاحة، لا سيّما عبر وسائل الاتصال الحديثة الخارجة نسبياً عن سيطرة قوى الاستبداد السياسي او الاحتكار المالي وهي الوسائل التي اتاحها التطور العلمي الهائل في وسائل الاتصال والتواصل.
هنا لا بد من التركيز ان من اول مستلزمات هذا الوعي هو الابتعاد قدر الامكان عن منطق الانقسام (أياً كانت مبرراته) والتهاتر (أياً كانت دوافعه) والدعوة إلى ان نتعامل مع ايجابيات بعضنا البعض، سواء كافراد او كجماعات، والتصرف دائماً وفق القول المأثور: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب”.
ولعل الفارق الأكبر بين المنهج الوحدوي وغيره من المناهج الفكرية او المذاهب العقائدية، ان الوحدوي يعتبر نفسه مسؤولا عن الأمة بكل مكوناتها الاجتماعية والأثنية والفكرية، فيما صاحب المنهج المحدد بعقيدة او فئة من المجتمع يكون منشغلاً بالبيئة او الفكرة التي يعتبر نفسه مسؤولاً عنها، سواء كانت طبقة اجتماعية، او مكوناً اثنياً او دينياً او مذهبياً.
على المستوى الفكري أيضاً، لا بد من تعميق المضمون الديمقراطي والفدرالي لفكرة الوحدة العربية تأكيداً لتكامليتها بين الأقطار من جهة ولإنسانيتها بين الجماعات المتساكنة في الوطن العربي بغض النظر عن انتمائها الآثني، عرقياً كان أم دينياً أم مذهبياً.
فالوحدة ليست طغيان قطر أو آخر بغض النظر عن مساحة القطر وعدد سكانه وحجم موارده، كما انها ليست إقصاء مكون اجتماعي أو سياسي لحساب مكون اجتماعي او سياسي آخر، وليست آلية اندماجية تتجاهل خصوصية الأقطار والجماعات والأفراد، بل هي صيغة اتحادية بين الأقطار، وصيغة تكريس المواطنة بين الأفراد.
في هذا الاطار لا بد من تنمية ثقافة الوحدة بكل مستوياتها، ومحاصرة ثقافة الفتنة والانقسام بكل تجلياتها، وتنمية قيم التواصل والتراكم والتكامل التي لا يمكن لاي نهضة ان تقوم بدونها، والوحدة العربية هي فعل نهضوي اولاً واخيراً، كما هي قاعدة أي نهضة للأمة وتقدمها وتحررها.
أما المستوى الثاني فهو المستوى الشعبي حيث ان الجهة الوحيدة صاحبة المصلحة في قيام الوحدة العربية هي الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، فهو كما تظهر معظم الاستطلاعات القديمة والحديثة، منحاز إلى فكرة الوحدة العربية رغم ملاحظاته على بعض دعاتها، فيما يكشف تاريخ الأنظمة العربية والقوى والفئات المهيمنة عليها حجم عدائها ومناهضتها لهذه الفكرة التي تهدد مصالحها وربما وجودها.
ان الشعب العربي هو صاحب الارادة في قيام الوحدة، وهو أيضاً صاحب القدرة على تحقيق الوحدة إذا توفرت له الوسائل والآليات والقيادات المؤهلة لتحقيق ذلك. بل إذا ما فتحت أقنية التواصل والتشبيك (وهو مصطلح حديث) بين مختلف القوى الشعبية صاحبة المصلحة في الوحدة، وأبرزها دون شك الطبقات الشعبية الكادحة، والطبقات الوسطى، والطبقات البورجوازية الوطنية التي لا تشكل امتداداً زيلياً لدول المركز الرأسمالي العالمي او لغيرها.
ومن اجل توفير هذه القدرة العملية المعبّرة عن الرغبة الشعبية لا بد من:
بناء كتلة تاريخية عربية من كل القوى والفعاليات الشعبية العربية المؤمنة بالوحدة العربية، والملتزمة بالمشروع النهضوي العربي، بغض النظر عن الخلفيات الإيديولوجية والعقائدية لهذه القوى المدعوة أساساً أن تتمتع باستقلالية تامة عن الأنظمة ومراكز القوى المتحكمة بالقرار الرسمي في بلادنا.
تطوير وسائل عمل غير تقليدية تضمن تواصل القوى الشبابية الحيّة في الأمة سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات العنكبوتية والنوادي والمنتديات ومخيمات الشباب حيث يتفاعل شباب الأمة مع بعضهم البعض ويخططون معاً لمعارك تفتح الطريق على الوحدة.
دعم وتطوير أشكال الاتحادات والمؤتمرات والجمعيات العربية المتخصصة ودعوتها لتحمل مسؤولياتها كاملة، كل في مجاله، وبشكل يضمن التواصل والتكامل فيما بينها، والتراكم في خبراتها.
المستوى الثالث هو مستوى النضال من اجل الإطاحة بكل العوائق الخارجية والداخلية التي تحول دون قيام الوحدة العربية.
وإذا كنا قد اشرنا سابقاً إلى سبل مواجهة العوائق الداخلية المتمثلة بالفساد والاستبداد عبر تشديد النضال من اجل الديمقراطية والتعددية والشفافية واحترام حقوق الإنسان، فإن مواجهة العوائق الخارجية لا يمكن تحقيقها دون التزام المقاومة، كنهج وكخيار وسلاح وثقافة، لتحرير الوطن العربي من كل اشكال الاحتلال والتواجد الاستعماري والعسكري والاقتصادي والسياسي.
1- ان المقاومة بنجاحها في اقتلاع الهيمنة الصهيونية والاستعمارية على بلادنا إنما تعبّد الطريق إلى وحدة عربية حقيقية، تماماً كما أن الوحدة، وطنية او قومية، هي الدرع الأمنع لصون هذه المقاومة وحمايتها وتطويرها، وهنا لا بد أن نتذكر دائماً ان شعوباً توحدت وهي تقاوم المستعمر، كما ان حركة المقاومة التي لم تستطع ان تخرج عن إطار ضيق محدود قد تمت محاصرتها وتعطيل دورها والإجهاز على إشعاعها.
فوحدة النضال والمقاومة هي أقصر الطرق الى نضال الوحدة ومقاومة اعدائها.
2- ان رهاننا على مقاومة الهيمنة الاستعمارية لا يستمد قوته من انجازات عملية حققها المقاومون في امتنا على امتداد عقود من الزمن فحسب (كما هو الحال في فلسطين والعراق ولبنان)، بل أيضاً من إدراكنا بوجود متغيرات بالغة الأهمية في موازين القوى الدولية، وفي نظام العلاقات الدولية، وفي تراجع موضوعي لإمبراطوريات مهيمنة لصالح قوى صاعدة، وهو ما يفسح المجال لاختراقات يحققها العرب في ميادين الوحدة والتحرر كما كان الأمر في أواسط خمسينات القرن الماضي لا سيما بعد الثورة الجزائرية والعدوان الثلاثي على مصر (عام 1956) وسقوط إمبراطوريتين استعماريتين كبيرتين (بريطانيا وفرنسا) وفشل احلاف ومشاريع استعمارية مما ادى الى بروز فرصة لقيام وحدة عربية، وهي فرصة متاحة اليوم بين أكثر من قطرين عربيين فيما لو توفرت الارادة الصادقة والتصميم القوي، فما الذي يمنع مثلاً قيام علاقة تكاملية بين مصر وليبيا، وبين العراق وسوريا وبين دول المغرب العربي وبين… وبين….
3- هناك قرارات سبق للجامعة العربية ان اتخذتها كسوق عربية حرة، واتحاد جمركي عربي، وسوق عربية مشتركة، وحرية انتقال الافراد والسلع والرساميل دون عوائق (بما فيها إلغاء التأشيرات بين الدول العربية) والعمل لقيام مشاريع اقتصادية عربية مشتركة (بعضها قيد التنفيذ فعلاً) تساهم دول فيها بالمال وأخرى بالخبرة، وثالثة، باليد العاملة، ورابعة بالمواد الخام،، وبالتالي فان تنفيذ هذه القرارات من شأنه ان تعّمق الترابط بين هذه الدول.
وفي هذا المجال أيضاً يمكن التركيز على قيام هيئة عربية للطاقة النووية تستطيع ان توفر طاقات كبرى للأمة وتدخلها في رحاب العصر.
كما يمكن العمل على إحياء مكتب مقاطعة العدو الصهيوني المعطل منذ عقود وتوسيع فعاليته وحده بكل اشكال المساندة الشعبية.
ويعلم الخبراء المختصون بجامعة الدول العربية إن هناك أكثر من ثلاثة ألاف وخمسماية قرار سبق أن اتخذتها جامعة الدول العربية والمنظمات المتخصصة التابعة لها وما تزال في الإدراج، وإنها لو جرى تنفيذها لانتقلت الأمة العربية من حال إلى حال.
4- ان إنشاء مرصد للعمل العربي المشترك تكون مهمته مراقبة تنفيذ الجامعة لهذه القرارات التي اتخذتها وتنوير الرأي العام العربي بالتقصير الرسمي العربي في كل واحدة منها ودعوته للتحرك ازاء هذا التقصير، وصولاً إلى جامعة شعبية عربية تضم ممثلين عن اتحادات ومؤتمرات ومنظمات عربية تشكل آلية موازية لآلية الجامعة العربية التي لا يجوز التفريط بها من جهة، ولا السكوت عن تقصيرها وتجاوزاتها في آن؟
– ان تشكيل ” جماعة الوحدة العربية” على غرار (جماعة الوحدة الأوروبية)، كقوة ضغط شعبية لدفع الأوضاع العربية باتجاه الوحدة، هو احد الآليات التي ينبغي التفكير بها في هذا الإطار، كما ان تشكيل منظمات”عرب بلا حدود” “شباب بلا حدود”، “عمال بلا حدود”، نساء بلا حدود”، “مهنيون بلا حدود” من شأنه أيضاً أن يوفر ما يمكن اعتباره بنى شعبية تحتية لفكرة الوحدة العربية.
خاتمة
نأمل أن نكون قد ساهمنا بشكل محدود في الإجابة على سؤال يقض مضاجع أبناء الأمة، شباباً وشيباً، رجالاً ونساءً، وهو لماذا الوحدة العربية، وما هي المعوقات التي تقف في وجهها، وكيف السبيل إلى تحقيقها.
أنها أفكار لإثارة النقاش من أجل مخاض وحدوي عربي اشعر ان بعض مؤشراته قد بدأ يظهر.