هل نجحت القمة في التعامل مع ملفاتها الثلاثة الرئيسية ؟
بقلم : محمد شريف الجيوسي
هل يمكن اعتبار القمة العربية التي انعقدت قبل يومين في منطقة البحر الميت, ناجحة لغايات اجتثاث الإرهاب, وتحرير فلسطين, وامتلاك الأمة لاموالها وثرواتها..
في واقع الأمر، لم تتوصل قمة عمان إلى تحقيق هذه النتائج ، التي تبدو مستحيلة التحقق، وبالتالي فهي موضوعياً لم تختلف كثيراً عن سابقاتها من القمم العربية منذ إنشاء الجامعة سنة 1946 .. إلا ربما من صياغات جميلة في إعلانها الختامي ، تتجلى فيها روعة وعبقرية اللغة العربية .
فالقمة في بيانها الختامي ( إعلان عمان ) إتخذت 14 قراراً سبقها ديباجة قالت أن حماية العالم العربي من الاخطار التي تحدق به, وان بناء المستقبل الافضل, يستوجبان تعزيز العمل العربي المشترك المؤطر في اليات عمل منهجية مؤسساتية مبني على طروحات واقعية عملية قادرة على معالجة الازمات ووقف الانهيار، ووضع الأمة على طريق صلبة نحو مستقبل آمن خال من القهر والخوف والحروب ويعمه السلام والأمل والإنجاز.
ولكن السؤال هو : كيف يتحقق تعزيز العمل العربي المشترك ( بحسب الإعلان ) المؤطر الممنهج المؤسسي الواقعي العملي القادر على معالجة الأزمات ووقف الإنهيار على طريق مستقبل آمن خال من القهر والخوف والحروب ويعمه الأمن والسلام والإنجاز ؟
وكذلك يبرز سؤال اخر : من هي الدول والأطراف والجهات العربية والدولية المكلفة بذلك ؛ القادرة عليه، وما هو مفهومها لما سبق ، هل هي ذات الجهات التي صنّعت ومولت ودربت وجندت وسربت المرتزقة, ودعمت بكل أشكال الدعم العصابات الإرهابية وما تزال تصر على حمايتها ، وترفض العبور إلى الحل السياسي ووقف التدخل في الشأن الداخلي للشعب في كل من سورية والعراق واليمن والبحرين ومصر وليبيا وتونس والصومال، وتعمل على التحضير لتفجير الأوضاع المستقرة في الجزائر؟
هل يمكن تحقيق ذلك، طالما أن الإرهاب يضرب في غير دولة عربية ؟ هل يمكن اجتثاث الإرهاب طالما ان هناك دولا تقوم على رعايته وتسخّر مال وثروات الأمة لأجل استمراره ، رغم أن شظاياه وتفاعيله تصيبها أحياناً.. ذلك أن الإرهاب أحمق لا عقل له, وعابر للحدود والقوميات والأديان والطوائف والمذاهب، ضغائني تكفيري متطرف يجهل الأولويات ومستعد للإختلاف حتى مع أقربالأقربين إليه لمجرد اختلاف بسيط ومن هنا رأينا احتراباته الداخلية ، وتورطاته التفجيرية تجاه دول وجهات وبطانات طالما احتضنته ورعته .
لقد تحدثت القمة بعبارات عامة جميلة ضد الإرهاب ومخاطره، لكنها قفزت عن اتخاذ قرارات حازمة حاسمة عملية جاهزة للتنفيذ تحدد بالأسماء الجهات الداعمة للإرهاب ومعالجتها ، وتضع الخطط العملية لقسرها على وقف ذلك ، وهي دول معروفة أعضاء في القمة فضلاً عن تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا .
وطالما أنه من غير الممكن ذلك فإن الحديث عن الحرب على الإرهاب سيبقى مجرد تجميل ليس إلا.. وهو أمر تحصيل حاصل من غير المتاح أن تقدر القمة عليه حتى على افتراض أن بعض أعضائها أرادوا ذلك، وهو الأمر الذي قد يتجسد لاحقاً في محور قد يضم العراق والجزائر ولبنان ومصر وربما عُمان ، وسورية ( من خارج القمة) ولن تكون الحكومة الأردنية من ضمن هذا المحور في حال أغدقت مساعدات، وبالتالي فلن تكون استعادة سورية لمقعهدها خلال العام المقبل إلا في حال التوصل الى حل سياسي تحت سقف الدولة الوطنية السورية، أو في حال تم حسم الصراع عسكريا ونهائيا لصالحها، أو في حال انضمام الأردن للمحور الناشيء عربياً ومحاولته الإستفادة من موقعه كرئيسٍ لمؤسسة القمة ، وتمكن هذا المحور من فرض رؤيته التصويبية للجامعة وتفعيل دورها التضامني.
لكن اجتثاث الإرهاب من ساحات الصراع الساخنة عربياً، يتطلب قيام محور عربي قوي متضامن قادر على كف يد الدول والأطراف الداعمة له عربياً ودولياً ، وبالاستعانة بكلٍ من روسيا وإيران والمقاومة والصين ( مع وجود تباين في مدى فعالية أطراف هذا المحور ) وقد يتطلب الأمر، مواجهة الإرهاب في ثكنات تصنيعه وتدريبه وتمويله وتسويغه في حال استمر الإلتفاف على محاربته، وتعطيل الحلول السياسية أوفي حال عرقلة حسم الحرب ضده ، وهذا أمر ربما يصبح وارداً لدى الجبهة الحقيقية المضادة للإرهاب.
وقد يتحول ما أطلق عليه الربيع العربي زيفاً ، إلى ربيع حقيقي يستهددف الأطراف المتصرفة بالمال العربي في غير مجالاته حروبا وإرهابا وفكرا تكفيريا وادخاراً في المصارف الأمريكية والغربية وإنفاقاً في شراء الذمم والمؤسسات الخاسرة في الغرب وفي الملذات الشخصية، فيما تعاني الأمة من المديونية والفقر المتزايد والتخلف العلمي والتفاوتات الطبقية والفساد لدى المتسلطين على ثروات الأمة.
ودون وضع المال العربي في خدمة الأمة العربية، سيترسخ الفقروالبطالة والجهل والتخلف العلمي والتطرف الطائفي والمذهبي والإثني ، وستتمكن العصابات الإرهابية بالتالي من تجنيد المزيد من الشباب العربي ضد أوطانهم ، وسيكون اجتثاث الإرهاب أكثر صعوبة .
وبهذا المعنى فثمة علاقة وطيدة بين الإرهاب وبين انفاق المال العربي في غير أوجهه الصحيحة ، كما ثمة علاقة وطيدة بين إنفاقه في غير أوجهه وبين حرف البوصلة عن قضايا الأمة الرئيسة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، حيث يتبدل الصراع من صراع عربي ـ إسرائيلي صهيوني يهودي ، إلى صراع سني- شيعي ، واسلامي- مسيحي ، وعربي – كردي ، وعربي- فارسي .. وعربي- أمازيغي .. وعربي -عربي ، وكل ذلك يخدم صيرورة اسرائيل ؛ الكيان اليهودي الصهيوني الأقوى في المنطقة ، ويضطر الأطراف المتحكمة بالمال والثروات العربية لأجل البقاء في الحكم ، لدفع ( خُوّاتٍ ومكوسا وأجور حماية ) لـ ترامب وأردوغان ونتنياهو وأضرابهم .. بدلاً من انفاق المال لصالح أبناء الأمة من عرب وكرد وأمازيغ وقبط ومسلمين سنة وشيعة ومسيحيين وغير ذلك من مكونات المنطقة العربية .
وهكذا نجد أن 3 ملفات رئيسة تقع في مقدمة قضايا الأمة والمنطقة هي : القضية الفلسطينية وإجتثاث الإرهاب ووضع المال العربي في خدمة أبناء الأمة ،
وبدون ذلك ستبقى قضية الشعب العربي الفلسطيني في تراجع مستمر والكيان الصهيوني في توسع والجولان العربي السوري وما تبقى من اراض لبنانية محتلا ، والعودة الفلسطينية مستحيلة وتحرير فلسطين الجغرافية والتاريخية غير ممكن وقيام الدولة الفلسطينية حتى على فلسطين المحتلة سنة 1967 غير وارد ، مع ما يستتبع من قتل وتعذيب وأسر للفلسطينيين بمن فيهم الأطفاء والنساء والمسنين وأعضاء المجلس التشريعي، فضلاً عن بناء جُدر عزلٍ عنصري وقضم ومصادرات للأرض العربية واغلاقات وهدم للبيوت وتجريف للأراضي وتلويث للبيئة الخ .
وحيث أن الملفات الثلاثة متداخلة ، فإن العلاقة جدلية بينها ولا بد من التقدم في كل منها لحلها جميعها ، وأي تقدم في أي منها سينعكس إيجابيا في الملفين الآخرين ، وأي تأخر أو فشل في أي منها سينعكس سلباً على الملفين الآخرين.
ومن هنا فلا سبيل للمناورة أو اللف والدوران والشعوذة السياسية أو التذاكي والاكتفاء بالمصطلحات المضللة والمفردات العبقرية التي تصدح بها اللغة العربية لإخفاء الواقع أو الهروب من تنفيذ الإلتزامات المؤدية الى اجتثاثٍ حقيقيٍ للإرهاب ووضع مال وثروات الأمة في خدمة أبنائها لا أعدائها ، والتوقف عن حرف البوصلة واعادتها إلى فلسطين التي بتحريرها وإعادة حق شعبها إليه تحل العديد من قضايا الأمة التالية الأخرى.