هل عاد المثقف العربي الى دوره الوطني والقومي؟

مع اشراقة ازهار اللوز، واطلالة براعم التين والزيتون والليمون، ودبيب الدفء في اليوم السادس من آذار.. كان للمثقف المشتبك باسل الاعرج عرسه المخضب بدم الشهادة، والعابق بعبير البطولة، والموشح باكاليل النرجس, والخالص لوجه الله وتراب فلسطين.

سيرة هذا الشاب من الميلاد الى الاستشهاد، تكشف بوضوح ان شعلة النضال المقدسة ما زالت متقدة وعابرة للاجيال الفلسطينية.. لم تنطفئ حتى ولو خبت احياناً، ولم تنقطع حتى ولو قفزت عنها بعض المراحل.

هذه السيرة القصيرة تثبت ايضاً ان الثقافة قوة نضالية ومحرك ثوري وتقدمي، فالمثقف الملتزم والمشتبك والطليعي هو الممثل الشرعي الوحيد للثقافة الحقيقية، والحكم الفيصل في الفرز ما بين الثقافة واشباهها المزيفة.

قافلة الفداء الوطني الفلسطيني ما زالت ماضية في دروب الجغرافيا واحقاب التاريخ، فقد استشهد قبل باسل الاعرج الكثيرون، ولسوف يستشهد من بعده الكثيرون ايضاً.. غير ان ما يميز هذا الشاب الشهيد، ويجعل منه علامة فارقة ومضيئة في جبين هذه المرحلة، هو المزج بين الثقافة والمقاومة الوطنية، حيث عمد الى منح الثقافة مضموناً ثورياً وكفاحياً، كما منح الثورة والكفاح الوطني مضموناً ثقافياً مدججاً بالصلابة ومحصناً ضد الردة والمهادنة.

بعبقرية البساطة والفطرة الوطنية، استطاع باسل الاعرج تعرية معظم مثقفي ”الربيع العربي” الذين فشلوا في قيادة الحراكات الشعبية وهدايتها الى سواء السبيل، ولكنهم نجحوا في ميادين النفاق والارتزاق والالتحاق بمعسكر المال النفطي والحلف الاطلسي.

معظم هؤلاء المثقفين والنخبويين ”الربيعيين” خانوا مبادئهم امام مصالحهم، وتحولوا الى سماسرة ومرتزقة وخدم في بلاط اردوغان وآل ثاني وبندر بن سلطان، واوشكوا، لشدة فجورهم، ان يعلقوا اوسمة الخيانة على صدورهم, وان يضعوا مبدئية المثقف العربي في دائرة الاتهام ورهن علامات الاستفهام, وان يبصموا بالعشرة على مقولة لينين الشهيرة : “المثقفون اقرب الناس الى الخيانة, لانهم الاقدر على تبريرها”.

”المجد” لك يا باسل الاعرج، والرحمة لروحك الطاهرة النقية، ذلك لانك قد صوبت المسار واعدت الاعتبار، ليس فقط لفعل الاشتباك والاستشهاد في زمن الردة والاستسلام، بل ايضاَ لصفة المثقف العربي وجوهره الوطني والتزامه النضالي، بعد طول غياب واغتراب.

على مثل دربك المرصوف بالتضحية والاقدام، سارت المثقفة الرزينة الدكتورة ريما خلف حين امتشقت “لا الناهية” من غمدها, وقذفت باستقالتها من رئاسة منظمة الاسكوا في وجه الرعديد انطونيو غوتيريش، امين عام الامم المتحدة الذي اهان نفسه ومنصبه, حين ركع بمنتهى المذلة امام الصلف الصهيوني.

في مناخات واجواء ”يوم المرأة العالمي” تقف ريما خلف بكل شموخ على رأس الصف النسائي العربي، وتثبت- بقوة الموقف- ان تاء التأنيث نعمة لا نقمة, ومنارة وليست عورة.. وبمثل ما كان الناس يطلقون في الماضي على المرأة الجريئة كنية ”اخت الرجال”، بات لزاماً عليهم الآن ان يطلقوا على الرجال كنية ”اخوان ريما”.

عظمة باسل وريما انهما لم يدعيا البطولة, ولم يطلبا ثمناً للتضحية, ولم يتخذا من الثرثرة او الغرغرة الثقافية بديلاً عن جلال الموقف والمسؤولية, ولم يحرفا مؤشر البوصلة عن حيز القضية الفلسطينية, بوصفها قضية عربية مركزية, واولوية تتقدم على ما عداها, وجرحاً يدمي صفحات التاريخ, ومصدراً ينوب عن فعله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى