كيف يمكن للاسيرات الفلسطينيات الاحتفال بـ”عيد الام” خلف قضبان السجون الاسرائيلية ؟؟
نابلس - قدس برس
تعيش الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، واقع مرير تتجدد فيه معاناتهن وعائلاتهن، مع قدوم المناسبات وقد حالت بينهم قضبان سجون الاحتلال، كمن يفتح الجرح ليزيد من تلك الأوجاع، في ظل غيابهن وتركهن فراغًا بين أطفالهن، وعجز الآخرين عن القيام بدور ومكانة الأم أو تعويض أبناء الأسيرات عنه.
ويحتفل العالم العربي في 21 آذار من كل عام بـ “يوم الأم”، إحدى المناسبات التي تتفتق فيها معاناة الأسيرات الأمهات داخل سجون الاحتلال، وتكون مناسبة لاستذكار الأم الغائبة قسرًا خلف القضبان، ليبحث أبناء الأسيرات عن من يعوضهم ما افتقدوه بغيابها ولن يجدوا ضالتهم.
“نادي الأسير الفلسطيني”، أوضح أن الاحتلال يعتقل 19 أسيرة من الأمّهات في سجونه، وذلك من بين 60 أسيرة يقبعن في سجني “هشارون” و”الدامون”.
وذكر النادي، أن سلطات الاحتلال تحرم بعض الأسيرات من زيارة عائلاتهن، فيما تضيّق على الأخريات، كما وتحرم الأسيرات الأمهات من الزيارات المفتوحة ومن تمكينهنّ من احتضان أبنائهن، إضافة إلى منع التواصل الهاتفي معهم وإرسال وتلقّي الرسائل المكتوبة.
زوج الأسيرة ياسمين شعبان، من مدينة جنين شمال القدس المحتلة، والتي يعتقلها الاحتلال منذ شهر تشرين ثاني 2014، وتقضي حكمًا بالسجن الفعلي مدة خمس سنوات، يؤكد أن اعتقال زوجته ترك فراغًا كبيرًا له ولأطفاله.
وقال حازم شعبان، إن الاعتقال زاد من الأعباء المطلوبة منه، مبينًا أنه يحاول الموازنة بين عمله وتحمّل مسؤولية أطفاله الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 8-15 عامًا.
أما حمزة العدم، نجل الأسيرة الجريحة عبلة العدم (46 عامًا)، من قرية “بيت أولا” قرب الخليل، فيرى أن اعتقال والدته أفقد أشقائه الصغار كثيرًا من العطف والحنان الذي يحتاجونه مثل أقرانهم من الأطفال.
وأضاف نجل الأسيرة العدم يقول : أن وجود والدته في السجن منذ نحو 15 شهرًا، انعكس بشكل سلبي عليه وعلى أشقائه، حيث بدى ذلك ظاهرًا على أشقائه الأصغر منه سنًا؛ خاصة حسن 4 أعوام، والذي تراجع حجم تفاعله من أقرانه من أطفال العائلة، وبدت عليه حالة من الحزن والصمت لفترات طويلة.
وبيّن أن افتقاد والدته الأسيرة يشعر به وأشقاءه الثمانية في كل لحظة، غير أن المناسبات المختلفة ومن بينها عيد الأم، تُضاعف معاناتهم، خاصة عند ملاحظة قيام الآخرين بواجبهم تجاه أمهاتهم في هذه المناسبة.
وذكر حمزة (26 عامًا)، أنه يسعى مع زوجته وأشقائه الأكبر سنًا، بمساندة والده والقيام بدور والدته تجاه الأشقاء الصغار للتخفيف من شعور فقدان الأم وسد ثغرة غيابها، مستدركًا: “غير أن كل ما نفعله لا يساوي لمسة حنان وضمة حب من والدتي الأسيرة”.
وأشار العدم إلى أنه ما يزيد من ألم العائلة هو الوضع الصحي لوالدته، حيث تعاني من تبعات إصابتها الخطرة التي تعرضت لها عند اعتقالها في شهر كانون أول 2015، حيث تم إطلاق النار عليها وإصابتها في الرأس والوجه، كما تسببت تلك الطلقات بتهشم في الجمجمة، حيث أدّى ذلك إلى فقدانها للنظر في العين اليمنى، بعد أن ادعى أنها كانت تنوي تنفيذ عملية طعن عند منطقة “باب الزاوية” في الخليل.
ولفت إلى أن والدته تعاني من سياسة الإهمال الطبي في سجن “هشارون” حيث يحتجزها الاحتلال، وتماطل إدارة السجن في تقديم العلاج المناسب لها، حيث من المقرر أن تجري لها عدة عمليات جراحية للتغلب على الوضع الصحي الذي ألمّ بها بعد الإصابة.
أما الأسيرة المحررة رندا الشحاتيت، من منطقة يطا جنوبي الخليل، فترى أن الأم الأسيرة هي أكثر شرائح الأسرى معاناة، في ظل المسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه ابنائها.
وأضافت المحررة شحاتيت تقول : أن الأسيرات الأمهات يستشعرن دائمًا بألم البعد عن أبنائهن، كون الأبناء خاصة صغار السن بحاجة لرعايتهن وحنانهن.
وأشارت إلى أن الأسيرات الأمهات يعشن كل لحظة مع أبنائهن بالرغم من البعد عنهم، ويحاولن التعرف على أخبارهم أولًا بأول، سواء عن طريق الإذاعات، أو الزيارات التي حرم الاحتلال عددًا منهن منها.
وذكرت المحررة شحاتيت أن الفترة التي قضتها داخل سجون الاحتلال وصلت إلى ست سنوات، غير أن الفترة التي كان لديها أطفال قصيرة مقارنة ببقية الأسيرات، وعلى الرغم من ذلك كانت فترة الاعتقال شديدة الأثر عليها لكثرة تفكيرها بطفلها الصغير وحاجته للرعاية المستمرة.
وشددت على أن المناسبات والأعياد هي فترة تتفتق فيها معاناة الأسيرات الأمهات، حيث تتولد فيها المشاعر والذكريات من جديد، ويصبح الحديث عن الأبناء ومحاولة الاطمئنان عليهم هو جل اهتمام الأسيرة الأم.
ولفتت الشحاتيت إلى أن هناك أسيرات لم يحضرن مناسبات اجتماعية لأبنائهن مثل النجاح أو الزواج، وانعكس ذلك بشكل سلبي عليهم داخل السجن، مشيرة إلى أن علاقة الأم بأبنائها ربما تتأثر في ظل فترة الغياب الطويلة لعدد من الأسيرات الأمهات.
وقالت إن هناك أطفال أسيرات لم يتقبلوا أمهاتهم خلال الزيارة، الأمر الذي يضاعف من معاناة الأم داخل السجن، وانتظارها لحظة الحرية لتعوض أبنائها عن كل لحظة عاشتها بعيدة عنهم.
وشدد على ضرورة قيام المؤسسات المختصة برعاية أبناء الأسيرات لا سيما صغار السن، وتعويضهم عن فقدان والدتهم، مبيّنة في الوقت ذاته أن لا أحد يسد مكان الأم في غيابها، غير أن شعور الأم الأسيرة أن هناك من يرعى أبنائها يخفف قليلًا من معاناتها داخل السجن.
وفي هذا السياق، أعلن نشطاء فلسطينيون، عن إطلاق حملة تغريد على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم “أم البطل”، مساء اليوم الثلاثاء، تقديرًا لدور الأم الفلسطينية المضحية في ظلال ذكرى يوم الأم.
وأوضح النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، انتهاء التحضيرات لإطلاق الحملة الإعلامية التي ستبدأ في تمام الساعة 8:00 مساءً بالتوقيت المحلي لمدينة القدس المحتلة، عبر موقعي التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”.
وتهدف الحملة بحسب القائمون عليها، إلى إظهار دور الأم الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تم اقتباس وسمها من مقولة لإحدى أمهات الشهداء الذين ارتقوا خلال “انتفاضة القدس” المتواصلة.
وتشتمل الحملة بحسب منظموها، على نشر عشرات المواد الإعلامية المنوعة، من تصاميم وأناشيد ووثائقيات وفواصل.
وتظهر معطيات نشرتها مؤسسات حقوقية أن الأسيرات الأمهات في سجون الاحتلال هن؛ ياسمين شعبان من جنين، وأسيرتان من الجليل المحتل هن صابرين زبيدات، وإيمان كنجو، بالإضافة إلى سبعة أسيرات من مدينة القدس؛ صباح فرعون، دلال أبو الهوى، شفاء عبيدو، سميحة أبو ارميلة، إسراء جعابيص، أماني حشيم، جيهان حشيمة.
كما يعتقل الاحتلال الأسيرة حلوة حمامرة من بيت لحم، جودة أبومازن من نابلس، فاطمة عليان من رام الله، ابتسام كعابنة من أرٍيحا، نسرين حسن من حيفا، وثلاث أسيرات من الخليل هن: عبلة العدم، هنادي راشد، سميرة حلايقة، وأسيرة من طولكرم تتحفظ عائلاتها عن ذكر اسمها.
“هيئة شؤون الأسرى والمحررين”، قالت في بيان لها، إن هذا اليوم الذي من المفترض أن يحمل أجمل وأسمى معاني العلاقات الآدمية، لا زالت السلطات الإسرائيلية تجدد فيه للأسيرات الأمهات أبشع معاني الآلام والمعاناة في كل لحظة تفكير بأبنائهن خارج السجون، وحرمانهن من التواصل معهم بشتى الطرق.
وطالب رئيس الهيئة، عيسى قراقع، المؤسسات الرسمية والجمعيات الحقوقية والمنظمات المتضامنة مع الأسرى والأسيرات والداعمة لهم، للضغط على دولة الاحتلال لتحرير الأسيرات المتواجدات في سجني “هشارون” و”الدامون”، وتخليصهن من قمع إدارة السجون وسياستها اللانسانية.
ودعا كل المعنيين بقضية الأسرى والأسيرات بضرورة العمل على استنهاض كافة الجهود من أجل دعم ومساندة قضية الأسرى والأسيرات وخاصة الأمهات منهن، وتبني موقف عام ضاغط على الجانب الإسرائيلي للعمل على إطلاق سراحهن وإنهاء معاناتهن.