الصواريخ السورية ترعب الجمهور الاسرائيلي وتبعث برسائل مفادها ان قواعد الاشتباك القديمة قد تغيرت

 

“بشار الأسد يحاول تغيير قواعد اللعبة”، بهذا العنوان بدأت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية تقريرًا لها اليوم السبت، لافتة إلى أن السلاح المضاد للطائرات المنطلق من أراضي سوريا ضد سلاح اسرائيل الجوي ليس إلا رسالة لإسرائيل، بأن سياسة ضبط النفس السورية إزاء الهجمات الجوية الاسرائيلية لن تستمر كما هي، موضحة أن دوي الانفجارات قد سمع في منطقة القدس، فيما اعترفت إسرائيل لأول مرة منذ سنوات بالهجوم على الاراضي السورية.

وقالت “هآرتس” : ان الحادث الخطير الذي جرى فجر امس الجمعة، بين تل أبيب ودمشق يُعد محاولة من النظام السوري لتغيير قواعد اللعبة غير الرسمية، هذه القواعد التي سار عليها السوريون والإسرائيليون طوال السنوات الخمس الأخيرة.. وهذا يعتبر تطورًا خطيرًا”، مضيفة أن علاقات القوى العسكرية بين البلدين واضحة، وهناك شك أن تكون دمشق معنية بجر تل أبيب للحرب “.

واضافت تقول: “وفقًا لما هو معلوم حتى الآن، هاجمت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي أهدافًا في سوريا، وهذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها تل أبيب بشكل رسمي بقيامها بهذا الهجوم منذ بدء الحرب الأهلية هناك، وفي المقابل أطلق السوريون صواريخهم في سموات إسرائيل، وعلى ما يبدو كانت القذائف من نوع (إس أي 5)، وهي صواريخ مضادة للطائرات روسية الصنع “.

وقالت “هآرتس”: “في المقابل قام الجيش الإسرائيلي بالاعتراض عبر منظومة الدفاع الجوي، وأرسل صاروخ (حيتس) أسقط نظيره السوري جوا، وذلك خلال اتجاه الأخير جنوبًا”، مضيفة أن منذ اندلاع الحرب في مثل هذا الشهر عام 2012، وهناك تقارير تحدثت عن هجمات جوية إسرائيلية ضد قوافل نقل سلاح من سوريا لحزب الله في لبنان، إسرائيل أكدت أنها تعمل على إحباط شحنات السلاح عندما يدور الحديث عن منظومات تصفها بـ(مخلة بالتوازن)، قاصدة بذلك على ما يبدو الصواريخ المضادة للطائرات “.

وقالت “الصحيفة”: “منذ سبتمبر الماضي تطلق سوريا صواريخ مضادة للطائرات ضد سلاح الجو الإسرائيلي أثناء قيام الأخير بهجماته، والأمر المختلف في الحادث الأخير هو الرد؛ حيث تمكن صاروخ سوري مضاد للطائرات من اختراق المجال الجوي الإسرائيلي وبسقوطه كان يمكن أن يعرض حياة المواطنين الإسرائيليين للخطر، والقرار باعتراضه عبر صاروخ (حيتس)، كان صائبًا، لهذا السبب خرجت تل أبيب بإعلان هجمتها على دمشق”.

وتابعت: “يمكننا الافتراض أن إطلاق الصواريخ السورية المضادة للطائرات جاء كرسالة لإسرائيل، بأن سياسة ضبط النفس التي كان يتبعها الأسد إزاء هجمات تل أبيب الجوية عى بلاده لن تستمر كما هي، في وقت زادت فيه نجاحاته الأخيرة في استعادة حلب من ثقته في نفسه”، مضيفة: “إسرائيل ملزمة باتخاذ قرار حول مدى وجود حاجة تبرر استمرار إحباط عمليات تهريب السلاح المتطور لحزب الله ما يشكل تهديدًا محتملًا بإسقاط طائرة حربية إسرائيلية”.

واختمت “هآرتس” قولها: “هناك سؤال يثير الاهتمام ويتعلق بإطلاق سوريا لصواريخها وهل جاء الأمر بمساعدة رادارات موسكو، صديقة تل أبيب الكبري والجديدة؟، الأمر الذي يأتي بعد أسبوع من عودة رئيس حكومتنا نتنياهو من روسيا وزيارته الناجحة للرئيس بوتين، حيث يمكننا القول: إن منظومة الاستخبارات الإسرائيلية ستطرح سؤالًا حول ما إذا كان القرار السوري بالرد على تل أبيب تم بالتنسيق مع شركاء الأسد؛ أي روسيا وإيران وحزب الله أم لا؟

هذا وقد أثارت ردة فعل سلاح الجو السوري، واعتراضه للطائرات الإسرائيلية المقاتلة، تساؤلات عدة، فيما إذا يمكن أن تلعب ردة الفعل دوراً بارزاً في تغير قواعد اللعبة بين الطرفين.

وهل يمكن لردة الفعل أن تدفع قيادة الجيش الإسرائيلي للتفكير ألف مرة قبل التفكير بقصف أهداف داخل الحدود السورية؟

الخبير والمختص في الشأن الإسرائيلي فادي عبد الهادي أكد أن ما حدث الليلة بين “إسرائيل” وسوريا من اعتراض الأخيرة لمقاتلات “إسرائيلية” بمضادات جوية لأول مرة يعتبر تغيير لقواعد اللعبة القديمة بين الطرفين.

وأوضح عبد الهادي، أن إطلاق سلاح الجو السوري صواريخ متطورة من نوعSA-5, والذي يعرف أيضا باسم S-200, نحو الطائرات الإسرائيلية المقاتلة يعتبر ضربة لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي قصف في الماضي أهداف داخل سوريا دون أي اعتراف بشكل رسمي، كانت تقول “إسرائيل” بأنها أسلحه لحزب الله”.

وأضاف الخبير عبد الهادي، أن ما حدث الليلة الماضية كان دراماتيكيا، فالصواريخ السورية التي انطلقت نحو الطائرات الإسرائيلية لم تُسقط الطائرات, ولكنها أصابت الجبهة الداخلية الإسرائيلية وأثارات الفزع تقريبا في نصف سكان “إسرائيل” الذين استمعوا بعد منتصف الليل لصفارات الإنذار, ولم يعرفوا ما الذي يدور, كما أن دوي الإنفجارات التي سمعها معظم المستوطنين في القدس والأغوار جعلت جيش الاحتلال يطلب منهم النزول للملاجئ خشية من إصابتهم من شظايا الصواريخ.

ويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي، أن سوريا نقلت ساحة الحرب فوق الأجواء الإسرائيلية، مبيناً أن هذا الأمر فريد من نوعه، سيجعل “إسرائيل” تعمل ألف حساب في المرة القادمة إن أرادت قصف أهداف داخل الحدود السورية.

ورغم ان هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها سوريا حق الرد المباشر، ضد الهجمات الإسرائيلية على أراضيها منذ تفجير مفاعل دمشق النووي في الكبر، فقد تمكنت صواريخها من ملاحقة الطيران الإسرائيلي فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة وصولًا إلى أماكن أمنية حساسة في الجنوب.

الأهم في هذه المرة هو القرار السوري الذي شهد غياب منذ عقود بالرد على أي عدوان جديد يستهدف اراضي الدولة ومقدراتها، نوعية الرد واستخدام الصواريخ لم يحظوا باهتمام كبير بقدر ما كان الأهم هو القرار الاستراتيجي وما حمله بيان الجيش السوري وحلفائه بالرد السريع من منطق تحالف المقاومة، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان احياء التحالفات القديمة في ظل اشتداد الصراع في منطقة الشرق الأوسط، واستحداث دور روسيا القوي بعد أن فرضت نفسها بقوة على الساحة السياسية في الشرق الأوسط بعد التفكك الأمني الذي يعاني منه الاتحاد الاوروبي، والهجمات المتطرفة التي تعرضت لها دولة، ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وانشغال الإدارة الأميركية الجديدة بتصريحات “ترامب” المتناقضة والمثيرة للجدل بشأن العديد من القضايا الداخلية والخارجية.

وفي لمحة سريعة للتناقضات الإسرائيلية حول العملية العسكرية الخاطفة في سورية وادعاء الاحتلال بأنه استهدف شحنة للأسلحة الاستراتيجية والتي كانت تنوي سوريا نقلها من دمشق إلى حزب الله في لبنان، اوضح الكاتب والمحلل السياسي المختص في شؤون الشرق الأوسط، حسن عبدو، أن القصف طال منطقة صحراوية في مدينة تدمر السورية، مبينًا أنها منطقة عمليات عسكرية يقوم فيها الجيش السوري بمساعدة نظيره الروسي لدحر عناصر داعش وصولًا إلى مدينة دير الزور، وأشار إلى أن هدف الاحتلال من الغارة كان يصب في منع وإعاقة الجيش السوري من ملاحقة عناصر تنظيم الدولة “داعش”.

وأكد أن المهمة هذه المرة يكمن في كسر المعادلة القائمة، باتخاذ القرار السوري حق الرد والتصميم على اصدار بيان مشترك بينه وبين حلفائه بالرد على أي اعتداء يستهدف المساس بهيبة الدولة ومقدراتها، مشيرًا إلى أن الأمر يُنذر بخطورة تدحرج كرة اللهب إلى حرب جديدة تستهدف الجبهة الشمالية للاحتلال.

وبين أن اسرائيل باتت تخشى كسر المعادلة، وتتخوف من أي تطورات جديدة من شأنها أن تقود إلى رد فعل عنيف ينبثق عن محور “المقاومة”.. مشيرا إلى أن حق الرد على الاعتداءات الإسرائيلية تم التشديد عليه مؤخرا من أطراف محور “المقاومة” الذي انعقد في طهران لدعم القضية الفلسطينية.

وبين أن الردود المقبلة على الاحتلال لن تكون فقط من الأراضي اللبنانية، بل ستتطور لتشمل الأراضي السورية أيضًا، لافتًا إلى أن القرار السوري بالرد، وضع اسرائيل في حالة صمت من الرد على التصريحات واختلاق الروايات، وقادها للبحث المتعمق في دراستها وإعادة حساباتها مرة أخرى حيال معادلة الشرق الأوسط الجديدة.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حسام عرار أن ما قام به الجيش السوري من رد سريع على العملية العسكرية الاسرائيلية يأتي في اطار استمراره في تحرير كافة المدن السورية من الجماعات المسلحة، بدعم روسي ايراني يجسد تحالف الأقوياء الذي انطلق بعد توقيع الاتفاق العالمي النووي بين ايران ودول مجلس الأمن.

وأشار إلى أن القرار السوري مدعوم عسكريًا من روسيا التي بدأت في بسط نفوذها على الشرق الأوسط من جديد واحداث تغيرات في المعادلة القائمة بعد الغياب الواضح للإدارة الأميركية الجديدة وانقسام العالم أمام تصريحات الرئيس “ترامب” المتناقضة، وانشغال دول الإتحاد الأوروبي بهمومها الداخلية ومحاربتها للإرهاب التي ضرب عدد كبير من مدنه الاستراتيجية.

واعتبر أن ما حدث من رد عسكري سوري على اسرائيل يوصف بالعملية الدراماتيكية التي تلزم دولة الاحتلال بتغيير مسار قواعد اللعبة من جديد والتفكير جديًا قبل اقدامها على أي عملية عسكرية في سورية أو لبنان، وأوضح أن الرد السوري لم يكن بحجم التصدي للطائرات، مشيرًا إلى أن الصواريخ التي أطلقت من سورية على اسرائيل كانت هجومية وكانت تستهدف مناطق أمنية حساسة في الجنوب الإسرائيلي.

جدير بالذكر ان ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، قد استدعى غاري كورون،  السفير الإسرائيلي لدى موسكو امس، على خلفية الغارات التي شنتها الطائرات الإسرائيلية على شمالي سورية, ولم يتسرب شيء عما دار بين هذين الرجلين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى