تطلعات متخيلة لعصر عربي جديد !

بقلم : اسماعيل أبو البندورة

على الرغم من كل ما جرى ويجري في كافة أنحاء الوطن العربي الكبير إلا أننا لا نطوي الصفحة ، ولا نغلق التاريخ أو نؤشر على نهايته ، ولا نذهب إلى اليأس والعدم ، وإنما نتطلع ونتأمل ونعاين ونحاول ونفكر بالخيارات المختلفة والمتاحة ، علّنا في ذلك ننتقل إلى صعيد مغاير يمكننا من أن نحدث ثقوباً في جدار الأزمة أو نقاربها بشكل وطرائق عقلانية ومنطقية أكثر دقة والتزاماً .

ومن الطبيعي – وفقاً لمنطوقات النظر والتحليل – أن ندرك أن في كل أزمة فرجات ونتوءات وفراغات يمكن الحفر من خلالها عن مساحات واختراقات تأخذنا إلى مفازات ورؤى وحالات جديدة وتكشف لنا عن خطط وخطوط وترسيمات تثير فينا شهية المواصلة والوصول إلى واقع  أقرب إلى العقل .

والمهم في الأول والآخر أن نغير طريقة النظر وأن ننطوي على إرادة حقيقية وأن نحول الندب والتراجع والانطواء إلى فعل أو بدء واشتغال ايجابي ، وتلك أمور ترتبط بالإنسان العربي ووجوده وتاريخه ومستقبله إذ لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم  والتغيير هنا يقتضي جهاداً داخل الذات لتغيير ماهيتها وفي الماحول لتغيير وقائعه . والأفكار على عظمتها تبقى هامدة حتى يحركها الناس ويحولونها إلى وقائع مادية ، وإذا غاب الناس واستكانت المجتمعات اضمحلت الأفكار وذوت وتلاشت وأصبحت كلاماً وأسفارا لا تسمن ولا تغني من جوع.

وكم من شعوب تغيرت عندما عزمت على التغيير ! وكم من أفكار نهضوية واستنهاضية انبثقت وتولدت في أتون المحن والأزمات ! وكم من قفزات حضارية وتاريخية تحققت لشعوب بعينها عندما اكتشفت ذاتها وسارت بعزم وارادة وإقدام على طريق الحرية والنهضة والتحديث والتجديد !

وهذا هو التاريخ الايجابي الذي نرومه للأفكار والناس وهم في أفق الانجذاب إلى الوجود والحضور الواعي المستنير ، وتلك هي وصايا التاريخ ودروسه لتفعيل الحياة وخلق الآفاق الجديدة لأي شعب وأمة ، ولا تاريخ للفشل يمكن الاستئناس بمعطياته لتبرير الحبوط والانطفاء أو قبول الفوات والموات التاريخي .

إذن نحن هنا – إذا شئتم – نتطلع إلى الواقع العربي بعين تاريخية ونرنو إلى حياة وعصر عربي جديد ووجود عربي مختلف بأفكار وتطلعات ورؤى متخيلة ولكنها مستمدة من وقائع ومفردات التاريخ وقوانينه ومحدداته ( التي قد يراها البعض حالمة وإنشائية ورومانسية )  وندفع لتطلعات ايجابية تمكن العربي من استيعاب حاضره الممزق المنشطر السائر نحو هلاكه واندثاره ، وتثير في خياله أسئلة جديدة من نمط لماذا يسير التاريخ في بلادنا بهذه الصورة الشوهاء المريرة ، بينما هو يسير لدى شعوب أخرى بطريق مختلف ؟ أو هو تكرار ضروري للسؤال النهضوي القديم : لماذا يتأخر المسلمون والعرب ويتقدم غيرهم ؟

وفي ظني أن هذا السؤال في راهنيته وإلحاحاته وضرورته التاريخية سيفرّخ أجوبة مغايرة ومقاربات نوعية قد تفضي إلى حديث وتحليل وإدراك مختلف للوقائع الجارية في وطننا العربي ، وهو- كما نحسب – سؤال تاريخي استنهاضي تحريكي يراد منه الانشغال بمسائل تستمد نسغها ومادتها من عقل عربي لا يرتضي السكون والاستسلام ويبحث في كل لحظاته عن أجوبة ويقينات قد تزحزح هذا النكوص والغياب وتطرح مادة جديدة للتفكير بواقع عربي مختلف .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى