تحسن العلاقات بين مصر وحماس يثير قلق اسرائيل وسلطة عباس

بعد إعلانها حماس حركةً إرهابية، تعمل مصر الآن على الاستفادة من التنظيم للتّعامل مع الفرع التابع لتنظيم داعش في سيناء. ومع ذلك، فقد أثارت تلك التغيّرات دهشة إسرائيل، وخاصةً بعدما نقلت مصر مؤخّرًا مضخّتين للخرسانة إلى قطاع غزّة، وهو ما تحظره إسرائيل خوفًا من استخدام حماس له في صناعة الأنفاق.

وفي حين يبعث تحسّن العلاقات بين حماس ومصر شعورًا بالارتياح لدى سكّان قطاع غزّة لم يشعروا به منذ العديد من الأعوام، فإنّه يسبّب القلق في كلٍّ من إسرائيل وسلطة رام الله.

ومن بين الأشياء الأخرى، لأوّل مرّة في عشر سنوات، وافقت مصر على إرسال مضخّات خرسانة إلى غزّة. ووفقًا لأحد المسؤولين في القطاع الذي تديره حماس، وصلت مضختان للخرسان يوم الثلاثاء الماضي قادمتين عبر معبر رفح، وقيل أنّهما لصالح شركات خاصة وليس لحركة حماس.

وكانت إسرائيل قد منعت دخول مثل تلك المضخّات إلى القطاع منذ بدء الحصار على غزّة، خوفًا من استخدام حماس لها في تسليح المخابئ وصناعة الأنفاق.

وقد توّج ذوبان الجليد حول العلاقة الفاترة بين مصر وحماس بأول زيارة من نوعها إلى القاهرة في عهد الرئيس السيسي، من قبل نائب زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، في كانون الثاني، تقابل خلالها مع مسؤولي المخابرات العامة المصرية. ورافق «هنية» عددٌ كبير من مسؤولي حماس، ومن بينهم مسؤولون بالجناح العسكري.

وجاء انخفاض حدّة التوتّرات بعدما قرّر النّظام المصري أنّه بحاجة إلى حماس في معركته الداخلية في مواجهة تنظيم داعش في سيناء.

وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، منذ بدأت العلاقات تظهر جانبًا أكثر ودّية، فتح معبر رفح بشكلٍ متكرر، ليس فقط لعبور الأشخاص، ولكن البضائع أيضًا، بما في ذلك أدوات البناء والأسمنت بموافقة السّلطات المصرية.

بناءً على ذلك، شعر مسؤولو الدفاع الإسرائيلي بالقلق المتزايد حول التطوّر الجديد بين حماس ومصر، خوفًا من تخفيف مصر من قبضتها العسكرية على أنفاق التهريب في رفح، والتي كانت المعبر الرئيسي لحماس للحصول على ترسانة أسلحتها، وذلك قبل أن تقوم مصر بإغراق الأنفاق.

وفي الوقت نفسه، يظهر على السّطح توتّر متصاعد بين رام الله والقاهرة، وذلك في سياق تحسّن علاقة مصر مع حماس، وفي ضوء دعم مصر لمنافس محمود عبّاس اللدود، «محمد دحلان»، والذي طرد من صفوف فتح، ويحاول الآن تحدّي قيادة رام الله كقيادة بديلة.

وبلغت الأمور ذروتها الأسبوع الماضي حين منعت مصر المسؤول البارز بفتح، جبريل الرجوب، من دخول أراضيها. وقد هبط «الرجوب» في مطار القاهرة الدولي لكن كان عليه العودة فورا وفي نفس الرحلة إلى عَمّان.

ومن خلال منسق الأنشطة الحكومية في الأراضي الفلسطينية، اللواء «يوآف مردخاي»، كانت إسرائيل تنشر معلومات باللغة العربية على موقع الوحدة، تزعم فيها وجود علاقة وثيقة بين حماس وتنظيم داعش في سيناء.

وكانت تلك المعلومات تنشر في العادة لإلصاق الاتهامات بحركة حماس في قطاع غزّة وإثارة الرأي العام في مصر ضدّ حماس، على أمل إحباط تحسّن العلاقات، أو الحدّ منها على أقل تقدير.

ولم يكن صيف عام 2015 سهلًا على نظام «السيسي» والجيش المصري في شمال شبه جزيرة سيناء. ومنذ بداية تموز وحتّى تشرين الأول، عانى الجيش المصري من واحدة من أكثر الهجمات المكثّفة التي شنها تنظيم الدولة في سيناء.

قتل العشرات من الجنود المصريّين وكانت هناك تقارير حول استيلاء تنظيم الدولة على قرى بالكامل في شمال شبه الجزيرة. وبعد هذا الهجوم، أخذ المراقبون يتوقّعون أنّ ضربة عسكرية وشيكة من الجيش المصري لقطاع غزّة باتت أقرب من أيّ وقتٍ مضى.

وبعد ما يقارب العامين من هذا التوقيت، يبدو أنّ مصر تحاول بالفعل بناء نوع ما من التّعاون مع حماس.

وكانت حماس قد أُعلنت في مصر منظّمةً إرهابية، وارتبط اسمها بعدد من العمليات الإرهابية في الداخل المصري، من بينها اغتيال النائب العام «هشام بركات».

وحتّى مع ذلك، من المحتمل أنّ المسؤولين في مصر قد أدركوا أنّه في هذه اللحظة ليس هناك بديل أفضل لحماس. وقد نشرت جريدة العربي الجديد، التي تصدر في لندن ومعروفة بمعارضتها لنظام «عبد الفتاح السيسي»، ادّعاءات تقول أنّ مقابلته في كانون الثاني مع «إسماعيل هنية» قد عقدت في ضوء تقدير المخابرات المصرية أنّ «إسماعيل هنيّة» سيحل محلّ «خالد مشعل» كزعيم للحركة.

وقالت مصادر للموقع الإخباري المصري اليومي، مصراوي، هذه الأيّام، أنّ هناك عدد من المقابلات قد عقدت، في الأشهر القليلة الماضية، مع مسؤولين من حماس، مثل «موسى أبو مرزوق»، الذي كان يشغل ما يشبه منصب السفير للحركة في القاهرة.

ووفقًا لهذه المصادر، وافقت حماس على طلبين من طلبات الجانب المصري خلال المحادثات، وهما سلامة الحدود ووقف العبور عبر الأنفاق. ومع ذلك، لم توافق على إخراج المشتبه بهم المطلوبين، مثل «سليمان السواركة»، وزعمت حماس أنّ السواركة غير موجود الآن في غزّة.

وقد قدّمت نفس المصادر تفسيرًا للتغيّر الأخير من جانب مصر، والذي انعكس أيضًا على الفتح المتكرر لمعبر رفح.

ويقول أحد المصادر: «لقد أهمل محمود عبّاس القطاع تمامًا، لذا فقد أخذت مصر على عاتقها الاهتمام بمصالحها الخاصّة من خلال الانفتاح على حماس، حتّى ولو كان بشكلٍ مؤقّت. ستتعامل مصر مع غزّة ولن تنتظر من السّلطة الفلسطينية أن تأخذ زمام الأمور، وستعمل على تعزيز مصالحها الخاصّة وتخفيف التوتّرات».

حتّى وإن كانت تلك المصادر لا تعكس تمامًا سياسات «السيسي»، فلا شكّ أنّ الواقع يقول أنّ هناك تغيّر حقيقي في العلاقة بين مصر والقطاع. ويبدو أنّ الفتح المستمر لمعبر رفح في الأشهر الأخيرة والسّماح بدخول مضخّات الخرسانة التي لا توافق عليها إسرائيل، هو مؤشر على ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى