بين الوطن والحرية
بقلم : محمد شريف كامل
ليست المرة الاولى التي يطلق فيها السؤال التفضيلي بين الحرية والوطن، وليست المرة الأولى التي يسقط البعض في مصيدة هذا السؤال عن إندفاع أو عن سذاجة، حتى أن البعض إستخدم موقفه السياسي اللحظي وتركه يوجه الإجابه، وما كاد من أجاب أن يسقط في الفخ حتى انطلق الكثيرون بالهجوم على السائل، ولم يحاولوا مساءلة من أخطأ الإجابه.
دعنا نتفق على قاعدة لم ولن تتقدم الشعوب بدونها، الا وهي أنه لا يوجد سؤال خطأ أو سؤال ممنوع، وأن كل الأسئله مسموح بها، ، وأن السائل دائما يطرح سؤال مرعلى مخيلة ما في وقت ما وينتظر الاجابة الصحيحة، وأنه لا توجد إجابة واحدة صحيحة بل هناك اجتهادات، إلا انه لا يصح لمجتهد أن يجيب متحججا بأسانيد مبتورة أو غير صحيحة.
ونعود لإجابات السؤال، فعندما خير أحدهم بين الوطن والحرية إنطلق يغرد في حب الوطن وضرورته وأنه مقدم على الحرية وأن الحرية بلا وطن لا قيمة لها، وانه لا مانع أن يتنازل الإنسان عن حريته ليحتفظ بمكانه جغرافيا على أرض الوطن.
وإنطلق أخر يتحدث عن ضرورة الحرية وأن الوطن لا قيمة له بدون حرية، ووقع أخر في ذات الفخ وسفه من فكرة الوطن وربطه بالفكر العلماني وكيف أنه يتعارض مع الدين، وخلط أخر بين مفهوم الوطن والدولة، واعتبر الوطن قيد على الحرية.
ولا شك ان ذلك كله يعيدنا لمن سفه مفهوم الوطن وحوله إلى مهزلة وفرغه من المضمون حين وصف الوطن “بالحضن” و”الحب” وهو لا يحتضن إلا رفات من قتل ولا يحب إلا من زرعوه في قلب الوطن ليدمره.
إن كل من أجاب بأي من تلك الإجابات قد أخطأ، وكما قلنا، البعض عن عمد والأخرعن تسرع، ومنهم من حَمَل موقفه السياسي اللحظي إثم الاجابه. ولنحاول الإجابة على السؤال التفضيلي بين الحرية والوطن، وسنضيف له الدولة حتى نزيح غمامة اللبس التي القاها علينا البعض.
فالحرية نعمة كبرى أعطاها الخالق للإنسان، إلا أنه لم يطلقها على المشاع بل قيدها بحدود التعايش والاحترام المتبادل بين الشركاء، مما يجعل من الحرية حق للجميع، فلا يسمح لأحد بأن يجور على حرية الأخر، ليصبحوا شركاء في كل شيء، شركاء الدار وشركاء الشارع والحي، والمواطنون هم شركاء الوطن، والحرية المقيدة بالتعايش والاحترام بين المواطنين نعمة وليست نقمة، نعمة لا يعرفها إلا من هجر الوطن بحثا عن الحرية، هده النعمة تشكل أهداف وأحلام المواطنين وكيان الوطن والمشروع المشترك لنهضته.
أهذا يجعل الوطن أهم أم الحرية؟
من هجر الوطن فقد هجره بحثا عن الحرية لأن المسيطرين على الوطن سلبوا حرية الوطن والمواطن، فخرج المواطن بحثا عن الحرية، حريته الشخصية وحرية وطنه، ولذا نجد أن أغلب من هجروا الوطن إنشغلوا بقضاياه، فتجمعوا دفاعا عن وطنهم، ولذا وجدنا الجميع وخاصة مواطني الوطن العربي خرجوا يعزفون لحن الوفاء لثورات شعوبهم التي إنطلقت لتحرير الوطن.
هؤلاء المواطنون إنضم لهم في المنفى الإختياري من خرج من مصر الوطن عقب الإنقلاب الدموي الذي أطاح بالثورة وحلم الحرية، خرجوا من الوطن على أمل العودة، عودة يعملون ليلا نهارا لتحقيقها، أصابوا أم لم يصيبوا إلا انهم إجتهدوا في حب الوطن، وملئتهم الرغبة في العودة إليه عندما يتحرر بسواعدهم التي يقيدها النظام الذي خرجوا من قبضته ليتحرروا هم والوطن.
والوطن ليس النظام، إن النظام هو الذي يٌسَير الأمور العامة ويضع السياسات العامة للوطن، والنظم المتحكمة الفاشية هي من تقيد حرية المواطنين وتسلب خيرات الوطن، وهم يقييدون الحرية خوفا منها، خوف النظام من المواطنين. ولأن النظام ليس الوطن، فلم يستسلم الشرفاء للنظام الفاسد ليخلصوا الوطن منه، ولو استسلموا لأستتب له الأمر.
أما الدولة فهي المنظومة الإدارية التي تدير الحياة اليومية فهي تمهد الطرق وتعمر المباني، هي تديرالحياة اليومية ولكنها ليست الوطن، وإن لم تقم بدورها ذلك لصالح الوطن فهي الدولة الفاسدة التي فسادها يوجب إستبدالها، وإن أصبحت لعبة في يد النظام المتسلط يصبح القضاء عليها فرض على كل نفس،القضاء عليها وعلى النظام القائمان على الوطن، وليس إستبدال الوطن.
لقد خرج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة للمدينة مهاجرا من ظلم أهلها الذين يمثلون النظام والدولة، وبقي خارج مكة متشوقا للعودة لها حتى تمكن من ذلك، فعاد للوطن ليسقط النظام ودولته ويبني الدولة العادلة، ومثله سنعود جميعا لأوطاننا لنبنيها حرة بحريتنا وليس بخنوع المستسلمين.
فإذا عدت لتخيرني بين حريتي ووطني، فلن أختار وسأعمل بكل جهدي في الداخل والخارج كى أنال حريتي وحرية الوطن، رغم المنظومة الفاسدة ومغتصبي السلطة.
الامين العام للمجلس الثوري المصري