الخلاف المصري- السعودي يلقي بظلاله على اجندة القمة العربية المقبلة
كرّست مقاطعة وزراء الخارجية الخليجيين لاجتماعات الدورة الـ146 لمجلس وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، الأزمة التي تشهدها علاقة مصر بالسعودية في الوقت الراهن, جراء الاختلاف حول ملفات عدة، أبرزها الموقف من الأزمة السورية، والتقارب المصري مع إيران، الأمر الذي تعتبره دول الخليج خصوصًا يشكل أكبر تهديد إستراتيجي لها.
فقد تحدثت تقارير صحفية عن إخفاق الوساطة التي قادها محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، في التقريب بين وجهات نظر البلدين فيما يتعلق بالأوضاع في سوريا، واليمن، وليبيا، إذ يرى الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن قوى الإسلام السياسي تشكل أكبر تهديد لأمن واستقرار هذه الدول؛ الأمر الذي يرفضه الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي يعتبر إيران هي المهدد الرئيس لأمن بلاده وجيرانها الخليجيين.
وتعززت أجواء التوتر بين القاهرة والسعودية؛ رغم محاولات الأولى استعادة دفء العلاقات، حيث أخفقت بحسب مصادر دبلوماسية، محاولة قام بها الأمين العام السابق للجامعة العربية، عمر موسى، في تهدئة الأجواء بين القاهرة والرياض التي أبلغت موسى بأنها بصدد التدخل لدى عواصم خليجية؛ لعدم تقديم أي دعم للسلطة الحالية في مصر؛ ما دامت متمسكة بموقفه فيما يخص الملفين السوري، واليمني، ولم تلتزم بتعهداتها بشأن تسليم السعودية جزيرتي “صنافير وتيران”.
وعلى الرغم من تأكيد مصادر متطابقة، تحفظ الإمارات والكويت، على الطلب السعودي بالكف عن تقديم دعمهما لمصر، خوفًا من خطورة الابتعاد عن مصر في مثل هذه الأجواء، إلا أن الرياض حملة تشكيك واسعة في عواصف جيرانها الخليجيين، في جدية توظيف الحكومة المصرية للمعونات الخليجية التي قدمتها لها منذ 3 يوليو 2012، والتي قدرتها مصادر غير رسمية بـ50 مليار دولار على الأقل، فضلًا عن افتقاد إنفاق هذه الأموال للشفافية.
في المقابل، حاولت القاهرة، التقليل من تداعيات الأزمة مع العواصم الخليجية، زاعمةً أن غياب وزراء الخارجية الخليجيين ونظرائهم في المغرب، واليمن، ولبنان، جاء بسبب ارتباطهم بمواعيد مسبقة، مشددة على أن الاختلافات في وجهات النظر مع الدول الخليجية يمكن تسويته عبر العلاقات الإستراتيجية، والصلات التاريخية التي تربط الطرفين بشكل يحول دون الوصول لدرجة القطيعة.
إلا أن مساعي التقليل من حدة الأزمة، لا ينفي وجود استياء مصري من مقاطعة وزراء الخارجية الخليجيين للاجتماعات الأخيرة، حيث فوّت هذا الغياب على القاهرة، محاولة توظيف وجودهم لتعزيز شرعية النظام، وتأكيد استمرار الدعم الخليجي، فضلًا عن مطالبتهم باستئناف تقديم المساعدات لمصر، وتنفيذ الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين الجانبين.
وامتدت الخلافات إلى الملف الليبي، حيث مازالت القاهرة تراهن على اللواء المتقاعد خليفة حفتر؛ لتهميش وإقصاء الإسلاميين في المشهد الليبي، الأمر الذي تتحفظ عليه الرياض بشدة، بل أبلغت القاهرة عبر طرف ثالث، أنها تدعم مصالحة شاملة تتشكل بموجبها حكومة توافق وطني؛ تضمن دمجًا لجميع الليبيين في المشهد السياسي؛ وهو ما رفضته القاهرة في أوقات سابقة، مجددةً دعمها لما تسميه الجيش الوطني الليبي.
وزاد من حجم التوتر بين القاهرة ودول الخليج، محاولة الأولى التقارب مع العراق وإيران، وإعلان مسئولين مصريين أن الدعم العراقي الإيراني؛ خاصةً النفطي قادر على سد احتياجاتها؛ عوضًا عن الدعم النفطي السعودي المتوقف منذ أبلغت شركة “أرامكو” السعودية، الهيئة المصرية العامة للبترول، بتوقفها عن إمداد مصر باحتياجاتها النفطية، وفق اتفاق مسبق لأجل غير مسمى.
لم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، بل عملت على إنشاء محور مصري جزائري داخل جامعة الدول العربية، وهو ما ظهر جليًا خلال القمة العربية الأفريقية في مالابو، حيث رفضت مصر الانسحاب من الاجتماعات؛ رفضًا لمشاركة وفد من “البوليساريو”، مفضلة عدم التماهي مع انسحاب دول الخليج؛ تضامنًا مع المواقف المغربي، بل سعت كل من القاهرة والجزائر؛ لتقديم طلب لاجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير بعودة سوريا للجامعة العربية.
محاولات بناء محور “جزائري – مصري – عراقي” داخل الجامعة العربية، والسعي لعودة نظام بشار الأسد لشغل مقعد سوريا؛ قوبل بمعارضة شديدة من الدول الخليجية، فيما أكد الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، أن عودة سوريا لشغل مقعدها بالجامعة أمر غير واقعي، حيث لم تتهيأ الساحة للقبول بهذا التطور.
الخلاف بين القاهرة والعواصم الخليجية كانت له تداعيات شديدة علي الجامعة العربية، فلأول مرة منذ سنوات طويلة تعاني الجامعة العربية من أزمة مالية طاحنة، تعجزها عن دفع رواتب مسئوليها ومنظماتها وموظفي الأمانة العامة؛ مما دفع عددًا لا بأس من العاملين بها لتقديم استقالاتهم في ظل ما يتردد عن احتمالات تخفيض الجامعة للرواتب ومكافآت نهاية الخدمة.
يأتي هذا في الوقت الذي رأى فيه السفير عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية السابق، أن غياب وزراء الخارجية الخليجيين، وعدد من نظرائهم، في عدة دول عربية، عن الاجتماع الوزاري؛ يؤكد الأزمة التي تمر بها العلاقات المصرية العربية، خاصة الخليجية، مرجحًا أن يكون هذا الغياب جزءًا من محاولة الضغط على القاهرة؛ لتعديل سلوك الدبلوماسية المصرية فيما يتعلق بأزمات سوريا، واليمن، وبشكل مغاير ليبيا.
وأشار إلى وجود توجه سعودي؛ لتكريس نوع من القطعية من جانب دول الخليج مع مصر، لاسيما أن تبني مصر لمواقف متباينة مع الموقف السعودي في الأزمة السورية والتقارب بين القاهرة، وكل من بغداد وطهران، قد زاد من استياء الخليجيين في ظل توتر علاقاتهم مع العراق وإيران.
ولفت إلى أن “الخلافات بين مصر ودول الخليج والمغرب؛ سيكون لها تأثير سلبي على أعمال القمة العربية في الأردن، ومستوى التمثيل بها، فضلًا عن قدرتها على اتخاذ قرارات قوية؛ في ظل تمادي حكومة بنيامين نتنياهو، في إفشال حل الدولتين، وتفاقم الأزمات في سوريا، واليمن، وليبيا، والعجز عن مواجهة تنامي النفوذ الإيراني داخل عدد من دول المنطقة”.