في حَضرةِ النَّص الدَّرويشِي

حِينَ تَكونُ وِجهةُ المراكِبِ صوبَ مرافئٍ دَرويشيةٍ، فلا بُدَّ أنْ تكونَ الأشرعَةُ ذاتَ وَصْفٍ مَكِينْ، وتكونُ الأحبالُ مِن مَسدٍ، والسّواري شــــاهقاتٍ مِثلَما الطّودِ العتيدِ، ويكونُ البَحّارُ قُرصاناً ظَريفاً.

هُناكَ فِي حضرةِ النَّص الدَّروِيشي، تَغدو بُوصلةُ الجهاتِ عَاجِزةً عَن الأداءِ الدّقِيقِ فتضِيعُ الجِهاتُ،  وتتداخلُ الأزمِنةُ، وتَرتعِدُ فرائصُ البَحرِ، فَيصِيرُ الشَّطُّ سَيّافاً يَجتَثُ نِياطَ اللفظةِ ليمنحها أوشَاجاً شاجِنة.

ي رحلةِ السَّيرِ إلى النَّصِ الدَّرويشِي، على المُسافرِ رَغْمَ القيْظِ أن يَتلفَّعَ بِمعطَفٍ صَوفِيٍّ ثَقيلٍ، وأنْ يَحمِلَ مَظلّةً لا يُناقِشُها المَطرُ، وأنْ لا يَعْتَمِد كَثِيراً على الخرائِطِ والوَدعِ، ولا يَنْظر إلى إلى الأفقِ مَلِيّاً فتصيبُهُ عُقدةُ الأملِ، فإنَّ التَّكهنَ بالغيومِ أمرٌ لا تُدانِيه الحقِيقةُ وإنْ تَبَدَّتْ،وأنْ لا يَبحَث في مَداهُ  عَنْ نجمِ الشَّمَالِ فهناكَ كلُّ النُّجومِ غَائراتٌ في لُجَّةِ الليلِ البَعيدِ تُمارسُ بعضَ الطقوسِ على سَجَاجِيدِ الوَرَعْ.

في حَضرةِ النَّصِ الدَّرويشي، يموتُ العَدُّ، وينتحرُ الإحصاءُ، فلا الكلماتُ تَذكرُ عَدَّ حُروفِها، ولا الحُروفُ تَعرفُ آليةَ التَواترِ والترتِيب، وتَصِيرُ المَوسيقى لُغةُ المَشْهَدِ، وتَحِجُّ مِن أقاصِي النَّصِ إلى كَعبتِهِ ضَوامِرُ الدَّهشةِ والعَجبِ، فَينطِقُ الحجَرُ، ويرقصُ الشّجرُ، وينتَحِرُ الضجرُ.

في حضرةِ النَّصِ الدَّرويشي، تَتصاعدُ مِن رئةِ الآهِ أنفاسُ الوجَعِ، فتتلقفها مناقيرُ الطّيورِ العَابراتِ بِلا جوازٍ أو هَويةٍ، لتحيا هناكَ في حواصلِ الهَداهِدِ حِرزاً أبديّا.

حسن البوريني

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى