كيف يتجاوز الأردن الحالة الصعبة الراهنة
بقلم : محمد شريف الجيوسي
يعيش الأردن نظاماً وشعبا مرحلة غاية في الدقة والحساسية والضيق والضغوط على ما بينها من تباينات وأسباب ومعطيات ونتائج محتملة وما ينبغي اتخاذ مواقف ، بالنسبة لكل من الشعب والنظام .
فقد بات الشعب الأردني يعاني من حجم ضغوط هائلة عليه جراء ارتفاع الأسعار وتدني مستويات المعيشة وذوبان الطبقة الوسطى وزوال الصغرى وازدياد معدلات الفقر والبطالة وأعداد الهابطين إلى الفقر المدقع والضنك المادي .
ولا بد أن لذلك أسبابا تتعلق ببنية النظام السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ تأسيس الأردن قبل نحو قرن من الزمن وحتى الآن، وبصلاته الوثيقة بالغرب، وما يترتب عليه من التزامات ومواقف واستحقاقات ونتائج تكرس شريحة واسعة من الفاسدين المتنفذين الذين يمنّون بأغلبهم على مؤسسة العرش اخلاصهم المخادع لها وللوطن، فيما هم عالة عليها وعليه، يتوارثون المناصب والمكاسب والامتيازات، ويوالون الخارج؛ ويحظون بدعمه لهم بما يمررون من خدمات تضمن تبعية الأردن له، وتحول دون تحرره من الضغوط وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة تعتمد على الذات ، وتحقق استقلالية القرار في مختلف مناحي الحياة .
ومع كل ذلك فالنظام السياسي الآن يمر في مرحلة لا يُحسد عليها ، فقد دفعت وصفات مؤسسات رأس المال العالمية؛ المدمرة للإقتصاد؛ الشارع الأردني إلى الخروج في محافظات الكرك والسلط ومادبا (وقد تتسع لتعم مناطق أخرى ) فالجوع كافر، والجوع يتيح لحملة أجندات متباينة ؛ التحرك ، بين كلمات حق يراد بها حق وكلمات حق يراد بها باطل وكلمات باطل يراد بها باطل ، ومتربصون نائمون في الخارج والداخل ينتظرون فرصة غفلة أو انشغال أو اختلاط حابل بنابل ومختلفي رؤى ، وبرامج غائبة أو غير واضحة.
وفي مقابل ذلك ، نجد قوى قومية ويسارية أحزابا وتجمعات مفككة ضعيفة بين بعضها (ما صنع الحداد وما لم يصنع بعد ) من اختلافات ظاهرة وخافتة ، ما يتيح لقوى الظلام والإسلام السياسي الأمريكي والتكفير والوهابية أن تحوز على الشارع وتحدث ( لا قدر الله ) من الفوضى ما حدث ويحدث في دول عربية عديدة .
ومثل هذا ( إن حدث ) سيزيد من ضعف الأردن ومن ابتزاز الغرب بعامة له ومعه الكيان الصهيوني وفرض المزيد من القيود والإنحيازات غير المناسبة له مستقبليا ولمحور المقاومة،وهو أمر سيمنح قوى الظلام ( آنفة الذكر) فرصاً إضافية للمزاودة على النظام السياسي وعلى القوى القومية واليسارية العاجزة على التوحد وطرح البدائل القابلة للتحقق والخروج من الأزمة .
وفي آن لا يبدو النظام لسياسي قادرا أو راغباً على تغيير نهجه المتبع منذ تأسيس الإمارة،ومد يده إلى (الحليف الطبيعي) من قوى قومية ويسارية، لأجل بناء وترسيخ اردن قوي مستقل عادل وآمن،وقادر على العيش بغير مانحين ومقرضين ووصفات مؤسسات رأس المال العالمية التي زادته فقرا وأفقدته قواعده الشعبية التاريخية، وكرست تبعيته وانخراطه إقليميا فيما لا يخدم مصالحه الإستراتيجية.
بكلمات لا مصلحة للشعب الأردني(رغم كل المعانيات) بالإنخراط في حراك غيرمحسوب؛مضبوطة قواعده الشعبية،ومعروفة برامجه الوطنية ومآلاتها وحجم التغيير المطلوب الذي يبني ولا يهدم ولا يجيّر النضالات لصالح جماعات ظلامية تقود البلاد والعباد الى الخراب كما حصل في بلدان عربية عديدة، كما ليس مطلوبا أن تجد قوى الفساد فرصة لضرب الشارع وتعزيز هيمنتها واستغلالها .
بل المطلوب أن يمد النظام السياسي في الأردن يده للقوى القومية واليسارية والوطنية الوسطية لتجاوز الحالة الراهنة وتحقيق إصلاحات عميقة راسخة وصادقة لا يجري الإلتفاف عليها لاحقاً، تحول دون استمرار قوى الفساد في ابتزاز الدولة الأردنية، كما تحول دون استمرار استغلال الأوضاع العامة من قبل مؤسسات رأس المال العالمية ودولها ، وفي آن تحول دون وقوع الدولة الأردنية نظاماً وشعبا تحت وطأة القوى الرجعية الظلامية المحلية والإقليمية .