تعريف اولي بمفهوم الامة والقومية
الأُمة: هي مصطلح قانوني وسياسي، وتتمثل في جماعة من الناس يرتبط أفرادها بروابط معينة مثل اللغة التاريخ أو الجنس … من ناحية ، والمصالح المشتركة والغايات الواحدة من ناحية أخرى، ويقطنون بقعة من الأرض حتى لو لم يخضعوا لنظام سياسي معين.
والأمة وفق هذا الاصطلاح حقيقة وكيان مجرد له وجود مستقل عن المواطنين الذين على قيد الحياة في لحظة معينة ، فهي شخص حقيقي قانوني معنوي حر، يتجاوز الأجيال المتعاقبة لأنه موجود عبر القرون المتتالية وما المواطنين إلا مسافرين عابرين، فالأمة هي كل الأجيال السابقة والمعاصرة بل واللاحقة أيضا، أي هي كل المواطنين الأحياء والأموات بل ومن لم يولد بعد فهي الماضي والحاضر والمستقبل، فهي تسمو على الشعب الحالي للدولة و وجودها يسمو على وجوده، لأنها توجد قبله ومعه وبعده، أي أنها مستمرة بعد انقضاء الجيل الحالي للشعب . فالأمة هي التركيبة التي يتحقق فيها وبموجبها الامتداد القانوني المتضامن بين الأجيال المتعاقبة ودوام وثبات المصالح الكبيرة المشتركة.
القومية: هي إيديولوجية و حركة اجتماعية سياسية نشأت مع مفهوم الأمة في عصر لثورات (الثورة الصناعية ، الثورة البرجوازية ، والثورة الليبرالية) في الفترة من أواخر القرن الثامن عشر.
العناصر الأساسية في تكوين القومية هي وحدة اللغة ووحدة التاريخ، ما ينتج عن ذلك من مشاركة في المشاعر والمنازع، وفي الآلام والآمال…”
تاريخ مفهوم القومية
لم تعرف القومية، نظرياً، بمعناها الحديث إلا في نهاية القرن الثامن وتطورت في القرن التاسع عشر لدرجة إنشاء دول على أساس الهوية القومية.
قبل ولادة عصر القوميات بنيت الحضارة على أساس ديني لا قومي، سادت لغات مركزية مناطق أوسع من أصحاب اللغة. مثلاً، كانت الشعوب الأوروبية تنضوي تحت الحضارة المسيحية الغربية وكانت اللغة السائدة في الغرب هي اللغة اللاتينية.
بينما سادت في الشرقين الأدنى والأوسط، الحضارة الإسلامية واللغة العربية.
وفي عصر النهضة تبنت أوروبا اللغة اليونانية القديمة والحضارة الرومانية.
بعد ذلك احتلت الحضارة الفرنسية المكان الأول لدى الطبقة المثقفة في أوروبا كلها.
ومنذ نهاية القرن الثامن عشر فقط، أصبح المنظار إلى الحضارة هو المنظار القومي، وأصبحت اللغة القومية وحدها هي لغة الحضارة للأمة لا سواها من اللغات الكلاسيكية أو من لغات الشعوب الأكثر حضارة. هناك تعريفات ونظريات عدة لمفهوم القومية، أبرزها ثلاث نظريات:
القومية على أساس وحدة اللغة:
وتسمى النظرية الألمانية بسبب المفكرين الألمان الذين كانوا أول من أشار إليها.
ويستند أنصار الوحدة اللغوية إلى مثل الوحدة الألمانية والإيطالية واستقلال بولونيا.
وفي المقابل قامت اللغة بدور أساسي في انهيار الدولة العثمانية والإمبراطورية النمساوية، فانفصلت عن الأولى كل الشعوب التي لا تتكلم التركية وعن الثانية كل الشعوب التي لا تتكلم الألمانية.
القومية على أساس وحدة الإرادة ( مشيئة العيش المشترك):
أول من دعا إليها إرنست رينان في محاضرته الشهيرة في السور بون سنة 1882، بعنوان “ما هي الأمة”؟.
تقول النظرية أن الأساس في تكوين الأمة هو رغبة ومشيئة الشعوب في العيش المشترك، بجانب التراث والتاريخ.
القومية على أساس وحدة الحياة الاقتصادية:
تقف الماركسية على رأس هذا التوجه. ترى هذه النظرية أن المصالح الاقتصادية والتماسك الاقتصادي تكون أقوى الأسس في وحدة الأمة.
النزعة القومية
منذ استخدم جويسيبى ماتزينى الزعيم والسياسي القومي الإيطالي هذا المصطلح للمرة الأولى
ـ نحو عام 1835ـ ومنذ تنبه المؤرخون والسياسيون لدلالته المهمة في الثقافة الغربية، احتل مفهوم القومية مكانة بارزة في الفكر السياسي والتاريخي والاجتماعي والثقافي، ولكن تناقض دلالته واختلاف الدور التاريخي والاجتماعي والفكري للنزعة القومية وللفكرة القومية نفسها هو ما يثير الاهتمام غالبًا.
قال ماتزينى: إن القومية هي انتماء جماعة بشرية واحدة لوطن واحد شريطة أن يجمعها تاريخ مشترك ولغة واحدة في أرض هذا الوطن.
وأضاف العلماء الألمان وعلى رأسهم هيردر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحدة الثقافة النابعة من وحدة اللغة ووحدة مصادر التأثير الروحي النابعة من الدين ومن التراث الثقافي الواحد في اللغة الواحدة ثم أضاف الماركسيون أسسًا أخرى للقومية أهمها وحدة التكوين النفسي ووحدة السوق الاقتصادية ولكن الدارسين المحدثين مثل (كوهن وكامينا وغيرهما) يكتفون عادة بوحدة اللغة التي تنبع منها وحدة الثقافة والتكوين النفسي ثم التاريخ المشترك الذي يخلق الانتماء ـ أو الشعور به ـ لأرض واحدة ومؤسسات اجتماعية وقضايا مشتركة.
وفى خلال القرن التسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين ارتبطت النزعة القومية سياسيًّا بحركة التحرير والوحدة في البلدان الغربية التي كانت مقسمة مثل إيطاليا وألمانيا وبولندا ومثل شعوب ودول أوروبا التي كانت خاضعة للاحتلال التركي أو للاحتلال الروسي أو النمساوي في شرق ووسط أوروبا.
ولذلك فإن النزعة القومية ارتبطت بالنزعة الرومانتيكية في الأدب والفكر والفنون: التي كانت تمجد الحرية والبطولة الفردية والتخلص من قيود العصر القديم وتمجد التراث الشعبي كأصدق تعبيرعن التلقائية وعن روح الشعوب وشخصيتها، كما ارتبطت أيضًا بالليبرالية السياسية والاقتصادية التي كانت تريد المساواة الدستورية بين كل الناس في كل الحقوق والواجبات.
ولكن مع تطور المجتمعات الغربية ونضج الاستعمار ارتبطت القومية في الغرب بالمنافسات الشرسة بين الدول على القوة وعلى السيطرة وعلى الأسواق، بينما أصبحت النزعة القومية منذ أوائل القرن العشرين دافعًا قويا ـ أو الدافع الأقوى ـ لحركات التحرير الوطني في (المستعمرات) فيما أصبح يعرف (العالم الثالث) وانبعاثالثقافات الوطنية للشعوب ذات الجذور القديمة،في بلدان العالم الثالث مع نهاية الحرب العالمية الأولى تقريبًا، فكانت هذه النزعة وراء إحياء لغات هذه الشعوب وتجديدها ودعوتها للاهتمام بتراثها القديم الأدبي والفكري والفني والحضاري عمومًا، ووراء الاهتمام بمعرفة تاريخها وانتماءاتها الأصلية ووراء حركات التأصيل والارتباط بالجذور مع أو إلى جانب أو ضد حركات التحديث حسبما يفهم التحديث، وحسبما يطبق بوصفه تطويرًا للأصيل وتفاعلا مع عناصر قومية أخرى أكثر تطورًا، أو بوصفه تغريبًا، أي التخلي عن السمات الأصلية الموروثة واستعارة سمات الثقافات الغربية بدلا منها.
وفى بعض الحالات ارتبطت النزعة القومية بمحاربة النزعة العالمية (الكوزموبوليتانية) أو بمحاولة الاستفادة منها.
وعلى ذلك خضعت هذه الحركات القومية الجديدة ـ وتجلياتها العديدة ـ لدراسات كثيرة في الغرب والشرق،وأضاف المفكرون المحليون إضافات محددة على النظرية التي ارتبطت بالقومية في علوم الاجتماع والنفس والثقافة.
ولكنهم أضافوا تأملات تطبيقية غنية وخاصة في العالم العربي وأمريكا اللاتينية واليابان.
أما الدراسات الغربية فقد عمدت غلى تشويه فكر القومية أساسًا، أو إلى اختلاق نزعات مضادة لها (طبقية أو أممية) أو إلى تحريض النزعات الدينية والطائفية والعرقية ضدها.
القومية الغربية
يتسم التشكيل القومي في أوروبا الغربية، والولايات المتحدة، أنه ظهر في مرحلة لم يكن هناك تشكيلات قومية(بالمعنى الحديث) في آسيا وإفريقيا، تتحداه حضاريًّا أو عسكريًّا.
وانطلاقًا من نماذج إدراكية اختزالية تتسم بدرجة عالية من التجانس والتحدُّد تكاد تقترب من الانغلاق على الذات.
ويلاحظ أن صياغة رؤية الجماعات القومية في غرب أوروبا لنفسها قد استغرق وقتًا طويلا جدًّا تم أثناءه صهر (أو إبادة) أعضاء الأقليات الإثنية التي لا تنتمي للأسطورة القومية.
ثم ظهرت الإمبريالية، فزادت من تحدد الأسطورة ومن عدوانيتها وتجانسها وانغلاقها، وأضافت لها مقولات التفوق والنقاء العنصري التي تختزل الآخر في عنصر واحد متدني، حتى يمكن تحويله إلى مادة استعماليه. وحينما بدأت التشكيلات القومية في شرق أوروبا ووسطها أخذت طابعًا أكثر تطرفًا في صيغتها السلافية والجرمانية، حيث طرحت الفكرة القومية كانتماء عضوي يكاد يكون بيولوجيًّا. وقد تمت الثورة القومية في الغرب تحت راية الطبقة المتوسطة وقيمها، وبخاصة الملكية الفردية والعقد الاجتماعي، وهي قيم انطلقت من مفهوم أن الفرد (وليس المجتمع أو الجماعة) هي نقطة الانطلاق ووحدة التحليل، وقد تم تخيُّل المجتمع على نمط السوق، علاقات خارجية بين أفرادها جوهرها هو العرض والطلب، والبيع بأغلى الأسعار والشراء بأقلها.
وقد انعكس ذلك على مفهوم الفن والفنان، حيث ظهرت الصورة ذات الإطار (بدلا من الرسوم على حوائط الكنائس) كشكل فني أساسي، فهذه الصورة تعبِّر عن رؤية فنان فرد يعرض فنه الذي يقتنيه من يستطيع شراءه وحسب.
وقد ترجم ذلك نفسه إلى رؤية للتاريخ تتسم بالتجانس والتحدد، تركز على أهمية ومركزية الغرب في العالم، وأهمية ومركزية كل ذات قومية ـ فمجَّد البريطانيون الذات البريطانية ومجد الألمان الذات الألمانية.
وفى هذا الإطار ظهرت أسطورة الإنسان البدائي والإنسان غير المنطقي ولا عقلانية الشعوب المتخلفة.
وعُزلت الحضارات بعضها عن البعض، وعُرِّف التاريخ بأنه ما هو مكتوب وحسب، ثم تم تقسيمه إلى فترات محدَّدة تتحرك نحو هدف حُدِّد مسبقًا يكون عادة هو تحقق الذات القومية الضيقة المتجانسة المحددة.
ويصل هذا الاتجاه إلى ذروته (أو هوته) في الأسطورة النازية ثم بعد ذلك في الأسطورة الصهيونية، إذ إن كليهما مجَّد الذات القومية واستبعد الآخر تمامًا.
قومية عربية
القومية العربية أو العروبة هي الإيديولوجيا القومية العربية ، تعتبر هذه الإيديولوجيا الأكثر شيوعا في العالم العربي خصوصا في فترة الستينات و السبعينات من القرن العشرين و التي تميزت بالمد الناصري و قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر و سوريا.
القوميون العرب يؤمنون بالعروبة كعقيدة ناتجة عن تراث مشترك من اللغة والثقافة والتاريخ والدين الإسلامي إضافة إلى مبدأ حرية الأديان . الوحدة العربية هدف معظم القوميين العرب.
تعريف الوحدة العربية والذي ساد في حقبة الستينات وحتى الثمانينيات
يطرح الآن مفهوم جديد للوحدة العربية يعتبر قريبا من المشروع الأوروبي ،أي الدعوة للانصهار في كتلة ذات سياسة خارجية موحدة ، وذات ثقل اقتصادي كبير يقوم على التكامل الاقتصادي و العملة الموحدة و حرية انتقال الأفراد و البضائع بين الأقطار المختلفة،بالإضافة لتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك للوصول إلى :
اتحاد عربي مع المحافظة على الخصوصية الثقافية للأقطار العربية كل على حدة.
تشكلت القومية العربية مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين أو عصر القوميات كما يسميه البعض، كان من رواد حركة القومية العربية مفكرون من أمثال المفكر السوري ساطع الحصري ، زكي الأرسوزي، عبد الرحمن عزام.
تجلت القومية العربية في أوجها بالثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين من مكة، لكن الآمال المعقودة على الحصول على دولة الوحدة تقوضت بأسرها بعد عقد فرنسا و بريطانيا اتفاقيات سايكس بيكو و التي تهدف لاقتسام إرث الإمبراطورية العثمانية.
يجري اصطلاحاً استخدام العروبة بمعنى مرادف للقومية العربية لكن هناك من يقول بالفرق بين العروبة والقومية العربية.
وهناك من ينادي بفك الازدواج بين العروبة والقومية العربية للمساعدة في توضيح المقصود من حيث المعنى اللغوي والسياسي ومن هؤلاء الكاتب العراقي حسن العلوي حيث وصف العروبة والقومية العربية بالتوأم الوهمي.
فالعروبة انتساب إلى العرب وتعني فقط الانتساب المجرد عن المعنى السياسي، فمن الممكن للإسلامي أن يكون عروبياً وللماركسي أن يكون عروبياً لان العروبة مجردة من المعنى السياسي فهي شعور بالانتماء لا أكثر.
أما القومية عند البعض تعني القوم المنحدرين نسباً من صلب جد واحد، ومع التطور التاريخي انسلخ مصطلح القومية عن جذوره اللغوية فأصبح معناه قريباً من معنى الأمة، وأصبح ذا دلالة سياسية.