بعد اختلافها مع مصر وسورية وايران.. تركيا تشتبك بحدة مع اليونان
تصاعدت مؤخرا درجة التوتر بين اليونان وتركيا إلى أعلى مستوياتها. بعد إن ردت أثينا بحدة على “الاستفزازات التركية” الأخيرة في منطقة الجزر المتنازع عليها في بحر إيجة.
فقد قال وزير خارجية اليونان نيكوس كوتزياس، في مقابلة مع صحيفة “كاثيميريني” اليونانية، إن أنقرة لامست بتصرفاتها الخط الأحمر في العلاقات اليونانية-التركية, وذلك في إشارة منه إلى دخول السفن الحربية التركية إلى المياه الإقليمية اليونانية، وإطلاقها النار لاختبار مدى صبر أثينا، الذي أصبح على وشك النفاد على أي حال.
وقد بدأ اليونانيون يلمحون إلى استعدادهم للخيار العسكري، وحذر وزير الخارجية اليوناني أنقرة بالقول: “نحن لسنا سوريا التي دمرت، ولسنا العراق الذي تسوده الفوضى، وتركيا تخطئ إذا كانت تعتقد أن قوة اليونان الدفاعية قد وهنت بسبب الأزمة الاقتصادية”. وأضاف كوتزياس أن “المشكلات الاقتصادية على العكس من ذلك فرضت علينا أن نركز جل اهتمامنا على تعزيز أمن بلادنا وسيادتها أكثر من أي وقت مضى”.
وعلى الرغم من أن الخطاب اليوناني يهدف حصرا إلى الدفاع عن النفس، فإنه في الوقت نفسه يعكس تماما حقيقة أن اليونان باتت مستعدة لاستخدام خيار القوة العسكرية لمواجهة “العدوان التركي”، الذي يتمثل في الانتهاكات المستمرة من قبل الطيران الحربي التركي للمجال الجوي اليوناني، إضافة إلى الانتهاكات والتحرشات التي تمارسها السفن الحربية التركية في البحر.
وأمام هذا الحجم الكبير والمتواصل من “الاستفزازات”، فإن نسبة احتمال اندلاع الصدام المسلح أصبحت كبيرة جدا. إذ، وعلى الرغم من حالة ضبط النفس وحسابات كلا الطرفين، فمن الممكن أن يكون هنا لحالة الصدفة دورها غير المحمود. لهذا، وإذا لم يتم إحراز تقدم عاجل في التفاوض بين البلدين، ولم يتخل الطرفان عن الخطاب السياسي العدائي ضد بعضهما بعضا، فإن بحر إيجة قد يتحول إلى بؤرة حرب جديدة في أوروبا.
وقد يسبب احتدام العلاقات اليونانية-التركية صداعا جديدا للغرب. خاصة أن العلاقات المعقدة بين أثينا وأنقرة أثارت مرارا مشكلات كبيرة في عملية صنع القرار داخل حلف شمال الأطلسي. وقد اضطر الناتو إلى بذل كل جهد ممكن لمنع انتقال اليونان وتركيا من الاستفزازات المتبادلة إلى الصدامات العسكرية. وإذا حدث ذلك، فإنه سيكون حدثا غير مسبوق في تاريخ الحلف، الذي سيضطر إلى مساندة أحد أعضائه ضد الآخر. فكيف يمكن للناتو أن يستمر في العمل لاحقا؟
أما الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من علاقاته الصعبة تاريخيا مع تركيا، فليس من مصلحته أبدا تدهور العلاقة بين أثينا وأنقرة، لا سيما بعد التوصل ولو بصعوبة شاقة إلى اتفاق بشأن مسألة المهاجرين، والذي خفف ولو قليلا من أزمة المهاجرين في أوروبا.
وهكذا، فإن بروكسل وواشنطن لم تعيا بقدر كاف حتى الآن مدى أهمية تسوية العلاقات اليونانية-التركية.
وفي ظل هذه الأوضاع، يعلق اليونانيون آمالا كبيرة على روسيا. ويرى الساسة في أثينا أن موسكو وأنقرة تنسقان بنشاط جهودهما في سوريا، وتستعرضان مستوى عاليا من العلاقات الثنائية، وهذا العامل يمكن أن يساعدهم على ممارسة التأثير في الأتراك بواسطة الاتحاد الروسي. ويعتقد وزير الخارجية اليوناني نيكوس كوتزياس أن تصرفات أنقرة في بحر إيجة لا يمكن إلا أن تثير قلق روسيا. وقال: إذا كان أردوغان يظن أن روسيا ستستكين لهذه المشكلة، فهو ببساطة لا يعرف جيدا خصائص السياسة الخارجية الروسية.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد وصف وزير الدفاع اليوناني، بانوس كامينوس، بـ”الطفل الوقح” ردا على انتقاد الأخير لزيارة رئيس الأركان التركي خلوصي أكار لجزيرة قارداق.
ونقلت وكالة “الأناضول” للأنباء التركية الرسمية عن جاويش أوغلو قوله إن تركيا لا تدخل في سباقات مع بعض العقليات في اليونان، ولا تستعرض قوتها.
وأضاف جاويش أوغلو مشددا على أن تلك العقليات “تعلم ما قد يفعله الجنود الأتراك عندما يقتضي الأمر”.
واستطرد الوزير قائلا: “حكومتهم هي أكثر من يعلم ذلك، وعليها شرح هذا الأمر جيدا لذلك الطفل الوقح (وزير الدفاع اليوناني).. فليتجنبوا اختبار صبرنا”.
وأردف جاويش أوغلو: “شعبنا يسافر إلى اليونان وجزرها، وكذلك الشعب اليوناني يزور تركيا، وهناك أوجه شبه عديدة بين البلدين، لكن على أثينا ألا تسمح لطفل وقح أن يُفسد كل هذه الأمور”.
وأشار وزير الخارجية التركي إلى أن بلاده “كدولة واثقة من نفسها تواجه تصريحات ذلك المسؤول اليوناني أحيانا بصبر، فيما تظهر أحيانا أخرى النضج، ولا تأخذ بجدية دائما تصريحات شخص يعيش في خضم عُقَد”.
تصريحات أوغلو جاءت تعليقا على إعلان وزير الدفاع اليوناني، بانوس كامينوس، التي قال فيها إن “رئيس الأركان التركي ليس بمقدوره الذهاب إلى قارداق حتى ولو أراد ذلك”.
وأعلن كامينوس أن أثينا لن تتراجع عن وحدة أراضيها، وسترد على أي استفزاز تركي.
وقال وزير الدفاع اليوناني: “لن يحدث أبدا أن تطأ قدم تركيا الجزر اليونانية، وإذا وطأت، فنرى كيف يفرون من هناك”، مضيفا أن تصريحات أنقرة مخصصة لـ”الاستهلاك الداخلي” عشية الاستفتاء الشعبي التركي على الدستور هناك، وأن هذه التصريحات تضع تركيا في “وضع خطير جدا”.تصريح كامينوس هذا، جاء تعليقا على تصريحات سابقة لأوغلو أكد فيها أن تركيا: “لو أرادت احتلال جزر إيميا (قارداق) لفعلت ذلك”.
وتعليقا على التوتر الجديد في العلاقات بين اليونان وتركيا، أشار وزير الخارجية اليوناني، نيكوس كوتزياس إلى أن أثينا تعتبر القانون الدولي سلاحا أساسيا لحل الخلافات، لكنه شدد مع ذلك على أن بلاده تتوفر لديها، فضلا عن الدبلوماسية، آليات أخرى.
ومن الجدير بالذكر أن تركيا تتنازع مع اليونان على جزيرتي إيميا الصغيرتين والجدال بينهما كاد أن يتحول إلى نزاع مسلح عام 1996.
يشار إلى أن العلاقات بين أنقرة وأثينا تدهورت بعد أن رفضت محكمة عليا في اليونان تسليم 8 عسكريين أتراك متهمين بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في تموز الماضي.
وبالإضافة إلى ذلك، هرب عسكريان تركيان، تتهمهما أنقرة بالمشاركة في محاولة اغتيال الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى اليونان يوم 15 شباط الماضي.