سيكولوجية الطاعة

بقلم: د. داليا رشدي/القاهرة

لماذا لا تثور الشعوب العربية؟ ماذا حدث للشعب المصرى؟ تساؤلات عدة ظهرت قبيل اندلاع الثورات العربية فى محاولة لفهم طبيعة هذه الشعوب التى رزحت تحت قمع واستبداد حكام لسنوات طويلة دون أن تحرك ساكنا.

وقد حاول كثير من علماء السياسة الإجابة على هذه التساؤلات إلا أنهم وجدوا أنفسهم فى حالة عجز عن الإلمام بكافة المتغيرات التى شكلت هذه الحالة من الجمود والتصلب وأودت بالشعوب العربية إلى الإذعان والخضوع، مما تطلب الاستعانة بعلم النفس الذى ألقى الضوء على متغيرات بعضها ذو صلة ببنية النظام النفسية، والبعض الآخر تعلق بطبيعة الشعوب، وبالإطار القيمى والنسق الثقافى الذى يحكمها.

ويأتى فى مقدمة هذه المتغيرات الطاعة التى تُعد من الكلمات المفتاحية التى تقدم تفسيرا أوليا للحالة التى وصلت إليها الشعوب العربية، والتى غلب عليها الاستكانة والصمت، وكانت بمثابة الغطاء الذى رزحت تحته هذه الشعوب وأطلقت صرخاتها الصماء دون جدوى، إلى أن اندلعت ثورات الربيع العربى لتمثل تحديا لموروث الطاعة المطلقة، وتعيد هيكلة هذا المفهوم بما يتوافق مع متطلبات المرحلة الراهنة.

فى هذا الإطار، تأتى أهمية دراسة مفهوم الطاعة وملامح البنية النفسية –الاجتماعية لهذا المفهوم، وتأثيره على المنظومة النفسية للمصريين، وعلى علاقتهم بالسلطة فى مراحل ما بعد التغيير.

أولا- البنية النفسية – الاجتماعية للطاعة المجتمعية:

تُعرف الطاعة بأنها تنفيذ الفرد لأوامر محدّدة يتلقاها من أفراد يمثلون مصدر سلطة ما( قادة سياسيين، أو إداريين، أو مدرسين، أو والدين)، وللطاعة مستويان:

1ـ  طاعة مباشرة-إيجابية، ونعنى بها قيام الفرد بتنفيذ الأوامر الصادرة إليه بشكل مباشر عن طريق فعل صريح وواضح.

2ـ  طاعة غير مباشرة – سلبية، وهى صورة مستترة للطاعة، ونعنى بها الامتناع عن الفعل المضاد الذى من شأنه أن يعارض الأوامر الصادرة.

والطاعة فى هذا السياق لها نوعان: أولهما: طاعة اختيارية طوعية VoluntaryObedience، ونعنى بها طاعة الفرد لأوامر السلطة اقتناعا منه بهذه الأوامر، أو إيمانا بفاعلية السلطة التى أصدرتها، وثانيهما: طاعة إجبارية شكلية ObligatoryObedience، وينتفى فيها عنصر الاقتناع بالفعل، حيث تصبح طاعة إجبارية تحتضن داخلها مشاعر غضب ورفض وتمرد، سرعان ما تتحول إلى فعل سلبى.

وتتشكل البنية النفسية – الاجتماعية للطاعة من ثلاثة عناصر رئيسية: هى الأبعاد، والآليات والمحفزات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى