حين تتوقف ” المجد” عن النبض
بقلم : محمد شريف الجيوسي
توقفت ورقية المجد الأردنية الأسبوعية القومية الناصرية عن الصدور قبل عدة أسابيع جراء ظروف مالية صعبة عانت منها الصحيفة خلال السنوات ألـ 3 الأخيرة ، بعد قرابة عقدين من الصدور المنتظم المتصل والمميز مهنياً وسياسياً.
ورغم أن ورقية المجد عبرت عن قطاع سياسي وطني وقومي يساري ومقاوم عريض، في الأردن وبعض المنطقة العربية، ورغم ما يتميز به صاحبها ورئيس تحريرها فهد الريماوي من مهنية راقية عالية وشجاعة سياسية ناقدة غير مساومة، إلا أن المجد اضطرت للتوقف ورقياً، دون بواكي كفاية يوازي مكانتها السياسية والمهنية وعراقتها, سواء على صعيد الفضائيات أو الصحف الورقية أو الكتاب أو المواقع الإلكترونية أو حتى على صفحات الفيس بوك.
إن توقف “المجد” يعكس حالة من الإهتراء الوطني والقومي السياسي، فلو أن كل مدخن قومي معني بما كانت تعبر عنه الصحيفة من مواقف؛ ادخر ـ مثلا ـ يوميا سيجارة، لتمكن من توفير علبة سجائر ونصف العلبة شهريا لصالح الصحيفة، ولو أن كل قومي أعلن في “المجد” عن كل مناسبة فرح أو ترح عاشها ( وإن تأخر نشره زمنياً إلى جانب ما يعلن في هذه اليومية أو تلك)، لتسابق المعلنون على الإعلان في “المجد”.
ولو أن أمناء الأحزاب القومية واليسارية حثوا منتسبيهم على دعمها، وحولت أكلاف صحف(غير رابحة) يصدرونها إليها وخصوها بكل ما يصدر عن هذه الأحزاب من انشطة وبيانات وفعاليات وأخبار، لأصبحت مصدراً إجبارياً للمتابعين والمهتمين والنشطاء والعامة ، لحال ذلك دون محاصرتها إعلانياً وسياسيا .
إن أزمة “المجد” لا تنحصر في ذاتها كصحيفة ذات توجه سياسي قومي مقاوم مميز، وإنما تتعلق أيضاً في واقع ما هو عليه حال الأحزاب والقوى القومية واليسارية الأردنية والعربية بعامة ؛ من تفكك وجهالات وتلاطم في المواقف وتباينات تصل حد التناقض أحياناً، وليس فحسب أن هذه الأحزاب تفتقر للتمويل الذاتي والمشاريع الاستثمارية المشتركة التي تدر عليها دخولاً مناسبة تحقق استقلاليتها وتشغّل منتسبيها ممن هم في حاجة للعمل ولأجل كسب المزيد من المنتمين إليها، وفي إقامة وسائل الإعلام المشتركة المعبرة عن توجهاتها .
وفي ظل هذا الغياب المؤسسي القومي واليساري، ليس غريباً أن يتوقف نبض “المجد” ، بعد سنوات من جهد فردي معاكس لتيارات قوية مسنودة مختلفة تماماً ، وفي وقت باتت فيه مؤسسات إعلامية كبرى ممتدة لعقود تعاني من أزمات متفاقمة، منها الورقي ومنها الفضائي والإذاعي .
ولا بد أن لأزمة “المجد” أسباب أخرى تتعلق بمختلف وسائل الإعلام ، من بينها العام المتعلق بتطور وسائل الإتصال حيث الفضائيات والمواقع السياسية ومواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي تحول أجزاء من القراء إلى وسائل الإعلام الجديد والجديدة، رغم أن المادة الصحفية أو البحثية التي لا توثق ورقيا في صحيفة أو دورية، تعتورها نقيصة التحقق واحتمالية عدم الدقة والافتقار إلى الصدقية أحياناً كثيرة، والتلاشي الزمني والمحسوس.
وتعاني الصحافة الورقية في الأردن ومن ضمنها “المجد” من مصاعب إضافية، حيث ترتفع أثمان الورق والأحبار وقطع غيار آلات الطباعة ومن أجور نقلٍ مرتفعة، ووقف إشتراك المؤسسات الحكومية فيها وإنخفاض أسعار الإعلانات الرسمية والقضائية، وعدم تعامل الحكومات المتعاقبة مع الصحف الورقية كمؤسسات وطنية اعتبارية، ينبغي الحرص على استمراريتها وتطورها، والضغط على بعضها بحرمانها من إعلانات المؤسسات الكبرى والمصارف، ويدفع تهافت بعضها على ( مجاملة ) الحكومات إلى عدم ثقة المتابعين والتحول إلى وسائل الإعلام ( البديلة ) التي يخلط بعضها بين الحقيقة وغيرها ، لكنها غالبا محل ثقة العامة .
باختصار كان توقف “المجد”عن الصدور نتاج تضافر ظروف متعددة، ذات طبيعة موضوعية، لا تتعلق بـ”المجد” أو بصاحبها ورئيس تحريرها، وإنما بهزال القوى القومية واليسارية ( الأردنية بخاصة) وتباينات رؤاها وافتقارها لمصادر تمويلها الخاص الضامن لتوجهاتها المستقلة وتحقيق منابر جامعة مشتركة معبرة عنها ، كما يعود ذلك إلى صعود الإعلام الفضائي والألكتروني، فضلاً عن السياسات الرسمية الحاكمة لرؤيتها المتخلية (على الأقل) عن الصحافة الورقية ومن ضمنها “المجد”، كمؤسسات وطنية تستحق الإستمرار من خلال رسم الاعتبارات الملائمة لإستمرارها ، كما هي مسؤولية بعض مؤسسات الإعلان والشركات الكبرى والبنوك التي تستخدم الإعلان للضغط على التوجهات السياسية لدى بعض وسائل الإعلام الأردنية الناقدة وبينها “المجد”.