القمقم وترامب وعفاريت الكراهية
بقلم : عبد اللطيف مهنا
حين أخرجت الانتخابات الرئاسية الأميركية ترامب من قمقمها، لم يأت هذا ومعه عفاريت العنصرية وشياطين الكراهية، ليطلقها دفعة واحدة في مطاردة العرب والمسلمين في سائر دنيا الغرب الأوروبي قبل الأميركي. هاتان مقيمتان اصيلتان فيه وتستوطناه تاريخياً. هما جزء تليد من نتاج تربته الفلسفية وتأبيان أن تفارقاه، حتى وإن هو من اكتوى بهما ودفع ثمنهما ياهظاً وحاول جاهدا مفارقتهما وظن أنه كاد… النازية، الفاشية…يضاف اليهما مدللته الصهيونية، التي هو منتجها ومصدِّرها إلينا وراعيها باعتبارها امتداد له وجزء عضوي منه ووظيفي له…كل ما فعله ترامب، وهو يخرج من قمقم “الواسب”، هو أنه نبش رمضائهما فاطلق شرارتهما وكان اصدق معبِّر عما اطلقه والأكفأ في استثماره.
العفاريت الغافية بدأت في الاستيقاظ من قيلولتها قبل مجييء ترامب، إثر تدفق اللاجئين والمهاجرين على اوروبا، وكذا التحولات الكونية التي دفعت بأوروبا إلى الخلف اقتصاديا إثر صعود التنين الصين المتسارع اقتصاديا، يزيده وصول الأمبراطورية الأميركية الأمبريالية قمة فجور هيمنتها وارتطامها بحدود أوج قوتها، فولوجها بالتالي قدر الصيرورة التاريخية للأمبراطوريات عبر التاريخ، بدء العد العكسي بالاتجاه نحو الانحدار. منذ هزيمتها في الفيتنام لم تكسب حرباً واحدة…افغانستان، العراق…وإذ تراجعت السطوة، نجح باراك حسين اوباما إلى حد ما في تبطئة العد التنازلي، حال دون الانهيار الاقتصادي، واستبدل القوة الخشنة ذات المردود المر بالناعمة الأشد فتكاً والأقل كلفة وتوظيف البدائل المحلية. ترامب، اخرجه سن يأس الامبراطورية من قمقمها ليعيد لها خصوبتها المستحيلة، لذا لخص مهمته على طريقته الشعبوية “الدفاع عن حدود بلاده، وليس عن حدود الآخرين”، وعندما يقول حدودها فهو يعني العالم، وليس مجرَّد بناء سور عازل بينها وبين المكسيك، أو فقط منع المسلمين من التسلل إليها عبر مطاراتها، ذلك لأنه وعد “الواسب” البيض الذين انتخبوه بأن الامبراطورة “ستستعيد قوتها وهيبتها”، كقائدة للعالم، وهذا يعني ليس على الطريقة الأوبامية التي لم يؤتى بصاحبها إلا لإخراجها من هاوية الحقتها بها حماقات سلفه بوش الأبن. لذا، أول ما فعله هو مسح كل اثر اوبامي سبقه. بدأ ب”اوباما كير”، وثنَّى بشراكة الهادي، وسيتبعهما باتفاقية “النافتا”، ومعها “المناخ”…اسبوعان في السلطة وعشرة قرارات تنفيذية اجفلت الأمريكان وارجفت العالم والآتي اعظم… ولم يكتف بإقالة النائب العام، لأنها لم تنفِّذ قراراته بمنع من حظرت دخولهم للولايات المتحدة من الرعايا المسلمين، بل الحق بها المسؤول بالوكالة عن ادارة الهجرة، وزاد فتحدى تقاليد وقوانين المؤسسة فجرَّد رئيس الأركان ومدير السي آي إيه من عضوية مجلس الأمن القومي ليقتصر حضورهما على حالة استدعائهما، وخصص فيه مقعداً دائماً لمستشاره المفضَّل ستيف بانون.
لخروج ترامب من قمقم سن اليأس الأميركي خطورته الكامنة في أنه لو عطست بقرة في الغرب الأميركى لوجدت عطستها صداها في اربع جهات العالم، لذا فالعالم منشغل بانتظار جديد ترامب، قراراته التنفيذية الشاملة لرعايا الدول الإسلامية السبع، أو الستة دول عربية زائداً إيران، لقت صداها العاجل في مذبحة مسجد “كيبيك” الكندية، وإذ ارتعدت كندا وشاركها العالم فزعها، حذرت فرنسا، واستتهجنت المانيا، ووصف رئيس الاتحاد الأوروبي ترامب بأنه “يشكل خطراً ارهابياً على اوروبا”، بينما صمت ذوي الرعايا المحتجزين في المطارات باستثناء إيران. يقال إن الجامعة العربية قد سمعت بالأمر، ولا ندري إذا كان هذا هو حال منظمة “التعاون الإسلامي”!
جل الكوارث والرزايا والفتن وراهن الفوضى المدمرة التي لحقت بأمتنا، يضاف لها الجريمة المتواصلة منذ ثلاثة ارباع القرن والمسماة “إسرائيل”، هى في جزء رئيس منها بضاعة غربية جلها اميركية الصنع، وما تبقى ردود فعل استدرجها وغذَّاها فجورالتغوُّل الاستعماري وامتداده الصهيوني، والإرهاب الذي يزعمون محاربته في بلادنا هاهم يمارسونه ضد ضحاياه، أو ضحاياهم، التي لجأت إلى بلادهم أو سبق وأن هاجرت إليها. لكنما الأخطر هو ما ينتظر القضية الفلسطينية من قرارات ترامبية، هذا الذي عدته “الواشنطن بوست” الأميركية واحداً من “ممولي الاستيطان البارزين”، هو ومن هم الآن حوله من صهاينة ومتصهينين. ذكرت أنه تبرع عام 2003 لمستعمرة “بيت إيل” وحدها بعشرة آلاف دولار. هنا يكمن سر الفرحة الزائدة لدى غلاة الصهاينة بما أخرجه قمقم الانتخابات الأميركية. إنهم الآن بانتظار نقل السفارة الأميركية للقدس يواصلون اتخاذ قرارات بناء الاف الوحدات التهويدية، ويصادقون على على قانون يبيح رسمياً سرقة ما تبقى من الأرض التي لم تهوَّد في الضفة. اضافوا لمتعدد اساليب السرقة جديداً هو جواز الاستيلاء على الأملاك الخاصة، وهذا يعني قوننة 16 مستعمرة كانت تدعى بالعشوائية.
بنقل السفارة يجهز ترامب على وهم “حل الدولتين” المعشعش في رؤوس الأوسلويين والتصفويين العرب، وفيه تمهيد لضم ما يدعى “غلاف القدس”، أي فصل شمال الضفة عن جنوبها، واعتبار التهويد مسألة ممارسة سيادية صهيونية وليس سلباً لأرض محتلة، ومن بعده ستكون عودة الأوسلويين للمفاوضات مشروطة باعترافهم ب”يهودية الدولة”.
…العالم منشغل بقرارات ترامب التنفيذية وانتظار مستجدها، وبعض العرب بما إذا كان سينصرهم على عدوهم البديل لعدوهم الصهيوني الذي هو الآن إيران، أما الأوسلويون فكيفية الهرب من مستحقات مراجعة النهج الإنهزامي باتجاه البديل الدولي ل”حل الدولتينً”، والذي سقفه، إن كان، لن يعدو “الدولة الناقصة”، أو المفهوم النتنياهوي للسلام!