رسـائل عـرعـرة
بقلم : عبد اللطيف مهنا
مظاهرات عرعرة الجليلية الشمالية في المحتل من فلسطين العام 1948، ليست مجرَّد ردة فعل شعبية غاضبة ضد محتل استعماري غاصب سفك الدم الفلسطيني وهدمت جرَّافاته البيوت الفلسطينية في أم الحيران النقبية الجنوبية، كما ليست بمجرَّد الهبَّة التضامنية معها فحسب. إنها حالة نضالية تعيدنا إلى “يوم الأرض”، الذي ستغشانا ذكراه في موعد لا تزيد أيام انتظارنا له إلا قليلاً عن شهرين، وتُذكِّر الجميع بأن النضال الفلسطيني، هو كما فلسطين، أرضا وانساناً، كل لا يتجزأ، في كامل فلسطين التاريخية المحتلة وكافة مواقع الشتات الفلسطيني خارجها، أي الأمر الذي أكثر من يدركه هو العدو الصهيوني، والمفارقة أن من يتجاهله، أو يريد ذلك، هم التسوويون الفلسطينيون المفرِّطون…خلاصته، أن عرعرة لم تزد على إعادة القول واسماعه مجدداً للمحتل الغاصب بأننا هنا في وطننا الصامدون الباقون بقاء ترابه، وانتم الغزاة الطارءون الراحلون في نهاية المطاف وطال الوقت أم قصر…لكنما المهم، من وجهة نظرنا، هو في كونها قد وجَّهت رسائلها الفلسطينية -الفلسطينية العاجلة في ثلاث اتجاهات:
الأولى، لمن يتصدَّرون الواجهة السياسية الفلسطينية داخل الكيان الصهيوني، وتحديداً، من يضعون أنفسهم في موضع قيادة النضال وحسره بالمطلبي لفلسطينيي المحتل في العام 1948، لانتزاع ما تيسَّر من حقوق، من “دولة ليست لكل مواطنيها”! وموضوعياً، يتحركون كجزء من ذات المنظومة الصهيونية للكيان الغاصب…نضال كل مردوده، وما حدث في أم الحيران بعض من براهينه، أنه يتيح لسافكي الدم وهادمي البيوت في أم الحيران وسواها توظيفه دولياً للتغني بلعبة الديموقراطية الصهيونية الفريدة في المنطقة، هذه التي تسمح لحفنة من العرب أن يقفوا تحت سقف الكنيست الصهيوني ليشجبوا ويدينوا إلى ما شاء االله محتليهم، أو يطالبو ما شاءت لهم المطالبة غير المستجابة بحقوقهم المسلوبة، في حين قد لا يتاح مثله لغيرهم من اخوتهم العرب في غالبية دول الوطن العربي، ناهيك عن أن مثل هذا السماح لم يك ليكون إلا لأنه يُصبغ نوعاً من مسوح الشرعية الاحتلالية، أو التغطية على الجريمة الكبرى المستمرة لقرابة الثلاثة ارباع القرن، والتي هى افتعال واستمرار هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني الإحلالي في فلسطين العربية على انقاض شعبها المُنتكَب.
بالإضافة إلى دعوتها للعصيان المدني، طالبت مظاهرة عرعرة نواب هذا “الشكل النضالي” تحت قبة الكنيست الصهيوني، أو الذي تقاطع انتخاباته الغالبية من فلسطينيي المحتل العام 1948، بالاستقالة معبَّرةً بهذا عن رفضها له، فاحرجت بذلك رموزه، ففي حين أن جمال زحالقة، النائب عن حزب التجمع الوطني الديموقراطي ورئيسه، اعتبر فكرة الاستقالة مطروحة، لكنما بانتظار “نضوج البديل”! وصف النائب محمد بركة عن “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة”، ورئيس “لجنة المتابعة”، هذه المطالبة الجماهيرية بأنها “تمثل موقفاً غير مسؤول”، مبرراً رفضه لها بالتساؤل: “هل تريدوننا أن نخلي الساحة للأحزاب الصهيونية؟!”، أما النائب أحمد الطيبي عن “الحركة العربية للتغيير”، فمن رافضي مجرَّد طرح الفكرة من الأساس!!!
الثانية، هى للسلطة، للأوسلويين الذين تخلوا عن فلسطينيي المحتل العام 1948، عندما اعترفوا بالكيان الصهيوني واعتبروهم بتنازلهم عن 78% من فلسطين “عرب اسرائيل”، ومعه التخلي ضمنا عن قرابة ثلثي الشعب الفلسطيني في الشتات، عندما ساوموا على حق العودة وقبلوا ب”مبادرة السلام العربية” الصادرة عن القمة العربية في بيروت ورفضها العدو فور صدورها، والتي قايضته “بحل عادل يقبله الطرفان”، وبهذه وتلك فتحوا الباب للصهاينة لطرح “يهودية الدولة” المؤدي لتسهيل مخططات “الترانسفير” متعددة الأوجه والمراحل في نهاية المطاف.
ما حدث في أم الحيران وصداه في عرعرة لم يحرك ساكناً في همود مستنقع اوسلوستان الآسن الضحل. كل هم التسوويين هو: ترى كيف ومتى سيجهز ترامب على اللا مأسوف عليه “حل الدولتين”؟! متجاهلين أن جرَّفات نتنياهو التهويدية ققد دفنته منذ أمد، وتواصل إهالة التراب عليه يومياً…أُختصرت القضية برمتها عندهم في مسألة نقل السفارة الأميركية رسمياً إلى القدس، وكأنما كل المستعمرات في الضفة، بل وكامل فلسطين، ليست سفارات أميركية!
…من المدهش هو الاستماع إلى كل هذا التباري في كيل الوعيد بالويل والثبور، والتهديدات غير القابلة اوسلوستانياً للصرف، هذه التي انطلقت من رام اللة، منذرةً بأن السفارة لو نُقلت فلسوف تستل من جراب النسيان كل قرارات المجلس المركزي المهملة وتشهر دفعةً واحدةً في وجه ترامب ونتنياهو ومعهما المانحين أيضاً…وما هى ؟
إعادة النظر في التبعية الاقتصادية للاحتلال، ووقف التعاون الأمني “المقدَّس” معه، وسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، واعلان الانتقال من السلطة البلا سلطة إلى الدولة البلا أرض…هل تصدِّقونهم ؟؟!!
إن هذا يعني ببساطة الغاء اوسلو ووضع حد لتغريبتها الكريهة، وقطع الأسباب عن شريحة تعتاش على إفكها وارتبطت مصالحها بمصالح المحتلين…وهنا يأتي السؤال المر: إذا كان كل ما الحقته تغريبتهم التسووية الأوسلوية من أذى للقضية وعذابات للشعب ودمار للوحدة الوطنية، لم تدفعهم لمجرَّد مراجعتها، فهل نقل السفارة سيدفعهم لذلك…على من يضحكون والوثائق الأميركية تفشي تعهدات ابى مازن لهم بأن لايقدم على واحدة من هذه التهديدات، يضاف إليه، عدم الانضمام ل16 منظمة دولية، أو تقديم شكوى لمحكمة الجنايات الدولية بشأن التهويد؟!
الثالثة، للفصائل، المقاومة، والمعارضة، والمابين بين، تجاوزتكم انتفاضة الفدائيين، وها هي عررة تسبقكم إلى دعوة العصيان المدني، بينما أنتم بحضوركم مهزلة تحضيرية بيروت تشرعنون أبي مازن وتحللون له إفك ايفائه بتعهداته للأميركان.