البارزاني يعترف بفشل مشروع انشاء كردستان الكبرى

 

اعلن مسعود البارزاني, رئيس اقليم كردستان العراق الذي كان من دعاة مشروع “كردستان الكبرى” يوم امس في منتدى دافوس بسويسرا, انه فاقد الأمل بمستقبل منطقة “روج افا”  الكردية في سوريا تبعا لاحتمال حدوث حرب كردية – كردية هناك، وهو ما اعتبر بمثابة تراجع واضح من قبل البارزاني عن مشروع “كردستان الكبرى” واعتراف منه بأن هذا المشروع لن يتحقق.

هذا التراجع من قبل البارزاني الذي كان يتحدث في السابق عن كردستان الكبرى ويرفض اطلاق اسم شمال العراق على المناطق الشمالية من هذا البلد والتي يقطنها الاكراد في اقليم كردستان، يمكن اعتباره اذعانا واعترافا بالحقائق والوقائع وتخليا عن الأوهام، لكن السؤال المطروح هو لماذا طرح البارزاني في الأساس هذا الشعار, ولماذا يتراجع عنه الآن وبهذا الشكل؟

البارزاني الذي يشعر باهتزاز موقعه ومكانته في رئاسة اقليم كردستان العراق بسبب معارضة قسم كبير للأحزاب الكردية والمواطنين الاكراد لرئاسته ربما أراد توفير شعبية لنفسه وتعزيز مكانته من وراء طرح موضوع كردستان الكبرى, لكن يبدو ان الحقائق والوقائع الجارية في المنطقة لم تترك مجالا أمام البارزاني للرضوخ للأمر الواقع والاعتراف بالحقيقة بأن وجود الانقسامات بين الأكراد أمر لايمكن اخفاؤه وبالتالي فإن حلم كردستان الكبرى الذي يراود بعض الساسة الأكراد بإيعاز من جهات أجنبية قد ذهب ادراج الرياح.

وبالعودة الى تصريحات البارزاني في دافوس امس الاول نرى انه بات يركز فقط على ما يسمى استقلال اقليم كردستان العراق حيث قال “أنه من الأفضل العمل على استقلال الإقليم بالأفعال لا بالأقوال، والتوصل إلى تفاهم مع بغداد بشأن استقلال الإقليم، معتبراً أن ذلك سيسهل من اعتراف الدول الأخرى به كدولة”.

واضاف يقول : “اما إذا ما فقدنا الأمل من بغداد بشأن الاستقلال فإننا سنلجأ لإجراءات أخرى ولن نتخلى عن استقلال كردستان”.. وهكذا يتضح ان حمل البارزاني قد تقلص من كردستان الكبرى الى كردستان العراق.

تراجع البارزاني عن أحلامه في هذا المجال لا يأتي ارضاء لتركيا التي يتحالف البارزاني معها بقوة في الوقت الراهن, ولكن جراء الاوضاع والظروف التي يمر بها الأكراد حاليا في شمالي العراق والمنطقة بشكل عام, حيث بات البارزاني الذي إستوقفته الحقائق والوقائع والحالة الصعبة التي وصل اليها الاكراد بشكل عام بسبب سياسات خاطئة اتبعوها يتحدث بمثل هذه اللهجة المتواضعة عن مستقبل المناطق الكردية، بعدما كان يتبنى سياسات أكثر حدة.

ان اقليم كردستان العراق الذي يرأسه البارزاني في الوقت الحالي يعاني من فقدان التخطيط والبرامج وفساد مالي وتقديم المصالح الشخصية على المصلحة العامة، باعتراف المسؤولين الأكراد أنفسهم، كما هناك توتر حاد يسود العلاقات بين الاحزاب الكردية في الاقليم في غياب ارادة حقيقية لاحداث تغييرات جذرية سياسية واقتصادية.

ومن لايعلم ان نشاطات برلمان اقليم كردستان العراق هي متوقفة الان ايضا بسبب الخلافات السياسية كما ان هناك خلافات كبيرة بين مكونات اقليم كردستان العراق حول رئاسة البارزاني نفسه فكيف يمكن لبارزاني في ظل هذه الاوضاع ان يتحدث عن استقلال وانفصال وكردستان الكبرى وما شابه ذلك؟

ان التجربة غير الناجحة للساسة الاكراد في اقليم كردستان العراق في ادارة شؤون هذا الإقليم وخاصة من الناحية الإقتصادية رغم وجود ثروات نفطية ووصول الاوضاع الى أزمة ميزانية وازمة دفع رواتب الموظفين، تدل على اخفاق كبير في التخطيط وقد وصل الامر حتى الى اقتراح بيع حقوق نفط الاقليم الى تركيا لدفع قروض!

ويمضي الان اكثر من عقدين على عمر قيام اقليم كردستان العراق لكن مشكلة تأمين الحاجات الأولية مثل الكهرباء والوقود وغيرها ما زالت موجودة وهذا يدل بأن الساسة الأكراد اخفقوا في توفير الخدمات للمواطنين بسبب الفساد وهذا ادى الى حدوث اضطرابات في اقليم كردستان العراق ومهاجمة المواطنين للمقرات الحزبية والمؤسسات.

ان السياسات المتبعة والابتعاد عن الحكومة المركزية في العراق وعدم التنسيق والتعاون معها قد جلب الكثير من المشاكل لأكراد العراق خلال السنوات التي تلت سقوط النظام البعثي في العراق, والآن يرى الجميع ان القوات المسلحة العراقية والقوى الشعبية تدافع عن الاكراد في شمالي العراق في وجه تنظيم داعش الارهابي تماما كما دافعت عن بغداد والمناطق الجنوبية والغربية من العراق, فلذلك من الأفضل لكل من يريد خيرا للأكراد ان يتبع سبيل المنطق والواقع, ويتجنب اطلاق المواقف الناجمة عن العصبيات والشعارات القومية, ويساهم في صون الوطن أمام الأخطار المحدقة به لأن كردستان ليست جزيرة منفصلة عن الإقليم والشعوب الأخرى في المنطقة لكي يتم الحديث عن كردستان الكبرى والانفصال والاستقلال وما شابه ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى