باريس لأبي مازن: مرجعيتك نتنياهو !

بقلم : عبد اللطيف مهنا

بمجرَّد انفضاضه انضم “مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأدنى” إلى ذات القائمة الضامة لما سبقه من مؤتمرات دولية شبيهة هدفت كلها لتصفية القضية الفلسطينية. وإذا شئنا التحديد، فمن مؤتمر “جنيف للسلام في الشرق الأوسط” عام 1973، مروراً بمؤتمر “انَّا بولس”، وحتى هذا الباريسي الأخير. أما والحالة هذه، وإذ لا من غرابة في انتهائه إلى ما انتهى إليه، وانتهائه مآلاً الى ما انتهت سابقاته إليه، فلا من غرابة أيضاً، ولا هو المدهش، كل هذا البون الشاسع والمختلف في الرؤية له والتعامل معه والموقف منه، قبل انعقاده وبعيد اشهار نتائجه وانفضاضه، بين كلا الطرفين المعنيين به الغائبين عنه، الأوسلوستانيين الفلسطينيين والكيان الصهيوني في فلسطين.

كان للصهاينة موقفان نقيضان تماما من هذا المؤتمر، موقف ما قبله وموقف ما بعده. في البدء شنوا عليه حملةً شعواءَ جندوا فيها اعلامهم الكوني ودبلوماسيتهم المتغلغلة وامتداداتهم الدولية المعروفة، أي كعادتهم ازاء هكذا مؤتمرات، للتأثير فيها والإسهام اللامباشر في رسم نتائجها وتحديد ما سينجم عنها، أو احتوائه وتحجيمه…وصفه نتنياهو ب”العبثي”، والذي “لايلزم بشىء”، وصولاً إلى نعته ب”الخدعة”، وحتى “المؤامرة” على كيانه، بل كاد أن ينعت الفرنسيين الذين دعوا إليه واستضافوه بالخيانة!

لكنهم بعيد انفضاضه لم يكتموا فرحهم وارتياحهم لما آل إليه، ولدرجة لخَّصها نيابةً عنهم رسمياً يوفال روتم، مدير عام وزارة الخارجية، بقوله: “إنه يوم تاريخي لصناع القرار في تل ابيب، وهو ايضاً انجاز حقيقي للدبلوماسية الإسرائيلية”…أي أنهم، وكعادتم، علَّوا من مناسيب صراخهم وعويلهم الابتزازي في وجه عرَّابيهم مقدماً ليحصلوا على النتيجة التي يريدونها متأخراً، وهذا ما كان…كان كل ما يعنيهم هو عدم التعرُّض للتهويد المقدَّس عندهم أكثر من قدسية التعاون الأمني مع المحتل عند أبو مازن، وما خلاه فهم يعرفون سلفاً بأنه سوف يصب في طاحونتهم.

أما الأوسلوستانيون ففي سياق اندلاقهم البالغ حد الاستجداء لدولنة الحلول فعلقوا كل أوهامهم التسووية على المشجب الفرنسي. باتت فرنسا لأشهر خلت بمثابة “الأم الحنون” كما كان ينعتها بعض اللبنانيين، واستبشروا سلفاً بحصاد باريسي سوف يأخذونه مباشرةً إلى مجلس الأمن ويضعونه بين يدي عدالة “المجتمع الدولي”. خُدعوا بولولة نتنياهو فمنوا النفس بمكاسب الحدب الفرنسي على مأثورهم “حل الدولتين”، كما دغدغتهم أوهام كثر لوكها حول نوايا مزعومة لإدارة اوباما بمعاقبة نتنياهو في الدقائق الأخيرة لرحيلها عن البيت الأبيض، فتحوَّل حضور كيري بحد ذاته للمؤتمرمربطاً لفرس رهاناتهم…وسمعنا أبو مازن ينذر المؤتمرين من روما بأن مؤتمرهم “قد يكون الفرصة الأخيرة لحل الدولتين”! قالها وهو يعرف أن نتنياهو يرفض هذه الفرصة، دون أن يسأل نفسة وماذا عساه سيفعل وقد أضاع التهويد هذه الفرصة سلفاً؟!

كان هذا قبل نهاية المؤتمر، وحيث انتهى إلى ما انتهى اليه، وكان كيري هناك ينوب عن نتنياهو وليس ليعاقبه، لم يختلف شىء على الجبهة الأوسلوستانية، سمعنا رام اللة تصفق مرحبةً ب”مخرجات” المؤتمر العتيد، وتدعو “لجبهة دولية” للدفاع عنها، و”اطلاق مفاوضات مجديه”، وتغزَّل أحدهم بما دعاه الفوز “بانتزاع التفاتة أوروبية، وأخرى مرتجلة اميركية”، وصولاً إلى مطالبة عريقات للأم الفرنسية، التي لم تثبت له، بل لنتنياهو،أنها الحنون، بالاعتراف بدولة فلسطين!!!

بعد كل الوعود والمزاعم الفرنسية التى أحاطت بها لأشهر تحضيراتها للمؤتمر، تنصلت باريس من كافة مزاعمها حول صلاحياته التي بشَّرت بها، وتخلت عن صخب وعودها الآتية معه، ومغريات ما سيتمخض عنه، وفي تواضع جم أعلنت أنها لم تر فيه أكثر من كونه ذا “أهمية رمزية”. بل لو قالت الحقيقة هو بالنسبة لها قد أدى دوره. واجمالاً بالنسبة لما دعاها الأوسلويون “مخرجاته” لم تختلف، أو تزيد أو تنقص، عن بدائع ما جاد بها سلفه “أنّا بولس، مع فارق أن السلف كان بحضور الطرفين المعنيين لا في غيابهما كما هو حال الخلف، ذلكم بسبب من رفض نتنياهو حضوره. وكسواه من ذات الصنف من المؤتمرات عالج القضية الفلسطينية كنزاع بين طرفين لا صراع بين مستعمر غاز وشعب يقاوم معتد غاصب لوطنه ويمارس حقه في استعادته وتحريره. وإذ ساوى مؤتمر باريس بين الضحية وجلَّادها، تحدث عن “العنف الفلسطيني”، وساوى بين المقاومة والارهاب، حين استند إلى تقرير سيئة الصيت “الرباعية الدولية”، وزاد امعاناً في تصفويته فارتكز على ما عرفت ب”مبادىء كيري”، وصولاً إلى   “يهودية الدولة”، وتبادل الأراضي، والتعويض لا العودة.

…إنه ليس سوى خطوة تمهيدية للعودة لشرك المفاوضات، واحبولة شاركت في نسجها سبعون دولة وهيئة اقليمية كالجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي، وتجيء تحت سقف أقل من السقف الأوسلوي الهابط، والذي بات خارج التغطية، أو في أحسن الأحوال انطلاقاً من اطار مدريد، وباعتبار القضية قد بدأت فحسب من القرارين الأمميين 242، و338، اضف إليه الدعوة للتطبيع الواردة في البيان الختامي حول وجوب الحوار بين “منتديات المجتمع المدني الإسرائيلية والفلسطينية”.

…وكان في محصلته تنازلاً فلسطينيا عربياً مضافاً، استحق توصيفاً لسماسرته الفرنسيين يقول: إنه “دعم طرفي الصراع لمساعدتهما على العودة إلى طاولة المفاوضات الثنائية”، أي قال مؤتمرو باريس لأبي مازن: مرجعيتك نتنياهو وسقفك مفهومه للسلام!

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى