توجعني ذكراك..

أعدّ نبض الأيام.. نبضاً نبضاً.. وأشيلني إلى صفحات بعيدة في الذاكرة لأعيدني إلى تلك الأيام الكانت جميلة، مليئة بالوهج، مليئة بالكبرياء، تضج بالحياة.. وأقول كانت لنا أيام وذكريات لا ننساها.

كانت أياما تشتعل بالزعيم جمال عبد الناصر. وكنا في مطلع الشباب.. نستمع إليه عبر المذياع يخاطب الأمة: أيها الأخوة المواطنون..و.. ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعمار. ويكتب الأبنودي.. عن مصر الحبيبة:

أحلف بسماها وبترابها

أحلف بدروبها وأبوابها

أحلف بالقمح وبالمصنع

أحلف بالمبنى والمدفع

بولادي بأيامي الجاية

ما تغيب الشمس العربية

طول ما أنا عايش فوق الدنيا

وما قاله الجندي السوري جول جمال من اللاذقية: عندما أرى شوارع الإسكندرية كأنني أرى اللاذقية. وفي وقت المعركة لا فرق بين مصري وسوري. بعد سماعه هذه الكلمات من جول جمال، تجاوز قائد البحرية المصري جلال الدسوقي القوانين التي تمنع غير المصريين من الاشتراك في القتال، ووافق على اشتراك جول جمال، بعد العدوان الثلاثي على مصر، من قبل فرنسا وبريطانيا و”إسرائيل” في التصدي للبارجة الفرنسية العملاقة”جان بارت” أغلى قطعة في الأسطول الحربي الفرنسي، ليغرقها ومن ثم يستشهد. ومن هنا قال الرئيس شكري القوتلي:” بين شاطئ اللاذقية وشاطئ بورسعيد، استطاع جندي سوري ثاقب بصره وعميق إيمانه وعظيم حبه لوطنه وعروبته، أن يرى حقيقة لا تخفى ويجب ألا تخفى على أحد وهي أن البارجة الفرنسية المعتدية الغادرة لو أتيح لها أن تقهر بالأمس بورسعيد، فإنها غدا ستقهر اللاذقية.. وعندما وجد هذا الجندي المغوار نفسه في أحضان الخطر، كان على يقين كبير بأنه لا يدافع عن مصر وسوريا وحدهما، بل عن العروبة وسلامتها وسيادتها”.

توجعني ذكراك وأنت الذي علمتنا معنى العروبة والنضال والكبرياء، وكان فخرنا بعروبتنا يطال حد السماء. توجعني ذكراك وأنا أرى الحال الذي وصلنا إليه اليوم. أمة مشرذمة لا حول لها ولا قوة، أمة مقسمة إلى ألف ملة، أمة انتهك كل ما فيها من حلم  وجمال. أمة مكبلة بالأغلال بعد أن تكالبت عليها وحوش الدنيا تنهش في جسدها الهش، ونحن غارقون في سباتنا وتعاويذنا. ومن ينظر إلى فلسطين، ليبيا، العراق، اليمن وسورية، يدرك حجم ما أصابنا من خراب. ولو لم تكن العروبة التي شربناها من مياه النيل الخالد وتسري في دمائنا، لكنا انضممنا إلى الربع الذين باعوا أوطانهم بثمن بخس.

سيدي الرئيس عبد الناصر، أشتاق إليك، لزمانك، للكرامة التي كانت تعلو جباهنا. وكم حلمت وتمنيت أن أطوي الزمان رجوعا لأموت في زمانك. فالذل الذي لحقنا أكبر من أن نحتمله. فسلام عليك وسلام على مصر العروبة وعلى روحك الطاهرة ألف رحمة ورحمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى