ادوار تخريبية لمراكز الابحاث الامريكية في الوطن العربي

ادت متطلبات العولمة في القرن الحالي وتداعياتها على الدول النامية، بشكل خاص، الى تراجع دور الدولة المركزية لصالح املاءات وتوجهات مراكز الابحاث وملحقاتها من “منظمات غير حكومية” التي يراها البعض اداة ميدانية لمموليها في مراكز الابحاث والمنتشرة في عدد من الدول والمناطق المختلفة؛ تجمعات بمسميات رفيعة تجري مسحا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا لمجتمعاتها بما يتسق واهداف الممولين من “مراكز” ومؤسسات.

وتعتبر مراكز الابحاث امتدادا للسياسة الاميركية وتشاطرها وظيفة “بلورة ورسم السياسات المقبلة،” بعيدا عن اي هيئة رقابة او محاسبة، بعضها يتلقى معونات مالية حكومية دون ان يرافقها مساءلة واضحة – على نقيض ما تفترض الممارسات الديموقراطية التي تستند الى المساءلة والمحاسبة. ربما الوصف الادق هو انها بمجموعها تخضع لسيطرة “بعض الافراد” النافذين بين النخب السياسية والاقتصادية، التقليدية والصاعدة، الذين “يمارسون ادوارا هامة ترافقها قدرات ذاتية غير محددة المعالم والمميزات ولا تخضع لاجراءات المساءلة.”

الركائز الفكرية الجامعة لتلك “النخب” هي رؤاها الضيقة لمستقبل الكون برمته انطلاقا من تسليمها بنظرية التفوق الاحادي في “صراع الحضارات” البائسة؛ ترويج لا يزال طاغيا وان بمسميات اخرى مبتكرة، خاصة وان خلاصاتها تتجسد في “اجترار حلول واهداف تتحقق بفعل الصراع والتجزئة والتقسيم، واثارة القلاقل” في مناطق اقليمية معينة تخدم مصالحها، وليس بفعل التعاون والتنافس السلمي – كما تروج ادبياتها.

شهد افول القرن الماضي وبروز القرن الحادي والعشرين ظاهرة تعددية “المنظمات غير الحكومية،” وانتشارها في بقع جغرافية محددة، لا سيما في المنطقة العربية والساحة الفلسطينية ودول “الطوق” بشكل ادق؛ تعود مرجعيتها بغالبيتها ان لم نقل بشموليتها الى عدد محدود من “مراكز الفكر والابحاث،” اميركية بالدرجة الاولي واوروبية عندما تتطلب الحاجة، ابرزها مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية، بشطريها المرتبطين بالحزب الديموقراطي والجمهوري تباعا. تلك المؤسسة واخواتها في اميركا كان لها الدور الابرز في احتضان واطلاق “الثورات الملونة” التي اجتاحت بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة، وامتدت للمنطقة العربية عبر “ثورة الياسمين،” وما درج على تسميته “الربيع العربي” الدموي.

من ضمن “المؤسسات” مميزة النفوذ مؤسسة هاريتاج، الركيزة الفكرية الأهم للحزب الجمهوري واداراته المتعاقبة؛ مؤسسة راند، المعروفة ايضا بشركة راند البحثية التي تعد من ابرز المتنفذين في اجندة الاستخبارات الاميركية وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية، كما يفيد بعض ضباطها المتقاعدين.

فيما يخص العالم العربي برمته، تبرز مؤسسة كارنيغي ومعهدها البحثي والوقفي في آن، ويمتد نفوذها على رقعه جغرافية واسعة منها مقر رئيس وهام في بيروت، ولاحقا الدوحة، ومراكز اخرى في موسكو وبيجينغ ونيودلهي؛ مما يوفر لها ممارسة نفوذها على نطاق عالمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى