نعي صحيفة المجد القومية

أبى العام الماضي أن يغادرنا الا برشقة جديدة متجددة حتى اخر يوم من حربه الشخصية والقومية ضدي بخريف العمر الهارب كقمر الحصادين ، ففي أسبوعه الاخير تحديدا أخترقت قلبي رصاصة اخرى من رصاصاته الغادرة بنعي صحيفة المجد الاسبوعية الورقية ذات الاتجاه القومي العاصف القاصف على أوكار الذل والاستسلام للهجمة الفاشية النازية الصهيوأمريكية التكفيرية الداعشية التي تتخذ من قاعدة العديد وغيرها من أوكار الخيانة القومية جحورا لها.

هذه الصحيفة بل القلعة القومية المجيدة التي كنت أجد فيها لذة فكرية أدبية وسياسية فائقة الجودة بخريف القومية والعروبة بزمننا الحالي، نعاها للرأي العام الاردني والعربي بمقال وداعي مالكها وناشرها الاستاذ فهد الريماوي “ابو المظفر” القامة الناصرية القومية وابن القضية الفلسطينية الشامخة والكاتب الاردني المنتمي حق الانتماء بوعي عز نظيره.

ولاننا أناس لا تقرأ ( جرايد ) فلا بد من التعريج على تاريخ هذه الصحيفة البالغة القداسة منذ ما يزيد على عشرين عاما ، حيث صدرت في عمان العروبة والقومية الحقة, عاصمة ودرة التاج الهاشمي المفدى الذي حفظ للمعارضة هيبتها يسارية او قومية او اسلامية, قبل ان تنفلت بعض عناصر وقيادات الاخيرة من عقالها وتركب المركب التكفيري الضال المضل خلال موجة الربيع العبري الموجه لخذلان الامة وجيوشها الوطنية .

أذكر بأنني كنت بمنتصف التسعينات أخصص مبلغ عشرة دنانير شهريا لأشباع نهمي الثقافي من الكتب والجرائد والمجلات، وهو مبلغ رغم تواضعه يفي بشئ من الغرض قبل ظهور الانترنت، وما لا استطيع شرائه اجده في رفوف مكتبة عبدالحميد شومان وأمانة العاصمة والمكتبة الوطنية ، فتجدني أغشى كشك ابي علي أمد الله بعمره بوسط البلد بعمان ، وأبتاع مجلة العربي الكويتية بنصف دينار, وجريدة المجد بثلاثين قرشا, ومجلة روز اليوسف بدينار ونصف والتي أضحت اليوم مضاعفة, أضافة الى يوميات اردنية وعربية كالرأي والاهرام والقدس العربي, وغيرها من الصحف اللندنية كالحياة والشرق الاوسط التي أضحت اليوم هي وفضائية الغاز المسال سهما مسموما في خاصرة العروبة والقومية والامة.

ثم أغشى مكتبة المحتسب ودار الشروق بمجمع الفحيص لأشتري كتابا أو رواية أدبية بسعر عادل اقتل بها روتين شهري المقبل, واختلس من ساعات عملي بمكتبي بالجيش العربي مطالعتها, حيث ضبطها بحوزتي ذات يوم وانا أدلف باب المعسكر فرد من الشرطة العسكرية وقام بتقليب صور المجد وقال لي لماذا تقرأ هذه الاشياء ، فحمدت الله انه لا يحمل ثقافة عالية والا لكان قد صادرها لخطورة محتواها وهي تهاجم حكومة الكباريتي حين رفعت سعر الخبز واتخذت من الخصخصة نهجا لها ضمن أملاءات وشروط بنك النكد الدولي لها .

كنت أهرب بين اوراق وسطور بضاعتي الادبية المزجاة من واقعي الاقتصادي والاجتماعي الذي طالما جعلني مهيض الجناح ولا زلت أئن من وطأة الفقر, الا انني دائما أنتشي بخمرة الكتب والمجلات فتنسيني همومي ونكباتي الشخصية والعاطفية الكثيرة .

بين دفتي صحيفة “المجد” كنت أرى سيف عبد الناصر يلوح به في وجه الاستعمار, ورمح صدام حسين يغمد بكبد كبرياء النفط وحقده الاسود وعلوج امريكا وعمائم ايران الصفوية، وكانت مقالات فهد الريماوي قطعا فنية أدبية كاللوحات المعلقة بعناية على جدران معهد اللوفر بباريس ، تفوح من ثناياها رائحة العبهر القومي الذي أصبح اليوم عهرا موساديا امبرياليا تكفيريا صفويا داعشيا نفطيا غازيا حاقدا على الامة والعروبة وجيوشها الوطنية والشواهد والقرائن اكثر من تعد وتحصى .

كان “ابو المظفر” بمقاله الاسبوعي يخرج عن النص ويزلزل الارض بقوة كلماته رغم اختلافي معه ببعض المفاصل وخصوصا انني – ربيب النظام الوطني الاردني الهاشمي- وهو ربيب القومية الناصرية, الا اننا اليوم تحت وطأة ضربات الارهاب نجد بيننا الكثير من الجوامع المشتركة كتلك التي جمعت الجيش العربي الاردني بنظيره وشقيقه الجيش المصري – خير اجناد الارض – بمناورتهم وتدريباتهم الاخيرة قبل شهرين بمحافظة العقبة الاردنية برا وبحرا وجوا .

فهد الريماوي مسعر حرب ويكتب بقلمة الهادر لتسمع بأم أذنيك صوت المقال كنذير جيش, وترى بعينيك بين ثنايا سطور المقال أزيز رصاص العروبة والقومية بعهد عبد الناصر, ولكن يبدو ان الرجل قد أستسلم لليأس بخريف العمر فغمرنا بمقال وداعي بلغة بليغة تمس شغاف القلوب وهو ينعى المجد حتى اخر رمق ودينار, لاننا نعيش زمن قلب المفاهيم والحقائق القومية فأضحى الاستعمار حاضنتنا وكعبتنا القومية والدينية التي تشد لدياره الرحال .

رحمة الله على “المجد” الصحيفة والموقف والرسالة والقلم المرهف كحد السيف, فقد غسلت قلوبنا على مدى عشرين ربيعا من ادران ونجس وثنية صحافة النفط والغاز والبترودولار الورقية اللندنية التي انتجت داعش وفكرها التكفيري, وها نحن ندخل بمرحلة اليأس والقنوط القومي كما فعل فهد الريماوي جزاه الله خير الجزاء عن كل حرف خطه بنانه في فضح أدعياء العروبة والاسلام عبر “المجد” التي كانت ولا زالت اسما على مسمى, فنال رضا الله والشعب العربي الذي ما عدل ولا بدل عن عروبته وقوميته واسلامه الوسطي الطاهر, وان القلب ليحزن والعين لتدمع على فراق “المجد” المجيدة, تغمدنا وأياها الله بواسع رحمته, فقد نال منها ومنا الاعداء مقتلا بين الضلوع والحشا بسهم مسموم لا شفاء له, هتك الله ستر فكرهم التكفيري المقيت فقد أضحى باطن الارض خيرا من ظاهرها بزمن الزيف والنفاق النفطي الداعشي التكفيري, فموت “المجد” هو القشة التي قصمت ظهر البعير .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى