دعوة لعقد مؤتمر وطني عام لوضع اجندة عمل استراتيجية

نعم، لقد هزمنا الدواعش في موقعة الكرك، ولكن الحرب ما زالت مفتوحة.. سحقتهم قواتنا الامنية، ولكنها فقدت احد عشر شهيداً.. احبطنا مخططهم التخريبي القريب المدى، ولكن ما زال لديهم الكثير من هذه المخططات الاجرامية المتناسلة والبعيدة المدى.. فماذا نحن فاعلون لاتقاء شرورهم المقبلة، واقتلاعهم من جحورهم العفنة، ورد كيدهم الى نحورهم النجسة ؟؟
الترقيع ليس حلاً، والمكابرة نوع من خداع النفس، والعليق عند الغارة لا يفيد لانه يأتي بعد فوات الاوان، اما الاغاريد والاناشيد والهمبكات الاعلامية فليست سوى حفلة حماسية تلهب المشاعر بعض الوقت ثم تذهب ادراج الرياح، حيث لا تسمن ولا تغني من جوع.
المطلوب وقفة صادقة مع النفس، وشعور عارم بالمسؤولية الوطنية، ومراجعة شاملة لكامل السياسات والممارسات الراهنة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب سنداً للخبرة والكفاءة والامانة في اداء الواجب العام، وليس اية معايير او اعتبارات او توازنات او حسابات اخرى.
موقعة الكرك الدامية اثبتت ما كان ثابتاً لدى الدوائر الرسمية، واكدت ما كان مؤكداً لدى عامة الناس، بخصوص الوجود الداعشي والقاعدي الارهابي شبه السري بين ظهرانينا، فقد سبق لهذا الوجود الكريه ان ترجم نفسه داخلياً في اربد والموقر والبقعة، فيما ترجمها خارجياً في نزوح آلاف الاردنيين للقتال مع الجماعات المسلحة في سوريا والعراق.
الجديد الذي كشفته واضافته واقعة الكرك الاسبوع الماضي، يتمثل في تصاعد جرأة الداعشية المحلية في المواجهة المسلحة مع قوات الدولة من جهة، كما يتمثل، من جهة اخرى، في تمدد هذه الداعشية داخل مدن وبلدات الجنوب المعتبر تاريخياً بانه ”خزان الامن” الاردني، ناهيك عن كونه ”بيت” الطيار الشهيد معاذ الكساسبة الذي قضى حرقاً على يد عصابات داعش قبل نحو عامين.
الجديد الذي كشفته واضافته هذه الواقعة ايضاً، هو المزيد من التأكيد على ان داعش واخواتها من الفصائل التكفيرية والارهابية تتغذى من ضعف الثقافة الوطنية والحداثية لدى المسطحات الامية وشبه الامية لدى جماهير شعبنا التي تعرضت فطرتها الدينية الموروثة لكثير من التشويه والتعكير، فضلاً عن تغذي هؤلاء الدواعش وزبانيتهم على ”الدم الفاسد” لدى عدد من الدوائر الرسمية المعنية التي ادى فسادها واهمالها وتواكلها الى اضعاف قبضة السلطة وهيبة الدولة.
الاردن كله، وتحديداً الرأي العام الشفوي، يتحدث عن ”التقصير” الكبير في الجاهزية الامنية، والارتباك والارتجال في الاداء العام لمواجهة حفنة من الخوارج الجدد الذين صالوا وجالوا ما بين القطرانة والقلعة وقريفلة طويلاً دون ان يلقوا الرد الحازم والسريع، مع ان المفترض ان البلاد تعيش حالة تأهب واستعداد- كي لا نقول طوارئ- منذ مطلع نكبة ”الربيع العربي”.
وقد زاد الطين بلة، انتشار ما يشبه ”الفوضى الاعلامية” جراء تعدد الروايات لدى وسائل الاعلام العام والخاص.. الرسمي والموازي، وتناقض التصريحات لدى الدوائر الرسمية والمرافق الامنية حتى ان رئيس الوزراء قد اورد، تحت قبة البرلمان، رقماً للارهابيين يزيد اكثر من ضعفين عن عددهم الحقيقي.
لا ضرورة للمزيد من السرد والتوصيف والوقوف على ما فات من محنة وامتحان.. المهم الآن هو اليوم التالي، والاجراء المقبل، والتقدير الصائب لما ينتظرنا في قادم الايام، والاعداد الكافي وليس اللفظي لهذا الخطر المنتظر دون رفع الاصبع عن الزناد.
المطلوب اولاً عقد مؤتمر وطني عام تشارك فيه مختلف القوى والاحزاب والهيئات والقطاعات الشعبية دون استثناء، وتُناقش فيه سائر القضايا والاشكاليات السياسية والاقتصادية والدينية والامنية والتربوية بكل صراحة وشفافية، ويتمخض عن ”اجندة عمل” محددة وملزمة للجميع، سواء على الجانب الرسمي او الشعبي.. فالاردن في امس الحاجة اليوم الى ”قوة الشعب” الكفيلة اولاً واساساً بحماية الوطن وهزيمة الارهاب.
لن نستبق قرارات المؤتمر الوطني العتيد، وندعو لتشكيل حكومة وحدة وطنية، فقد سبق لنا في ”المجد” ان دعونا في اليوم الثالث من شهر تشرين الاول الماضي، وعلى صدر الصفحة الاولى، الى ”تشكيل حكومة طوارئ قديرة وجديرة بمجابهة التحديات”، تعقيباً على جريمة اغتيال الزميل ناهض حتر في رحاب قصر العدل آنذاك.
يومها قلنا حرفياً، وبما يشبه النبوءة لجريمة الكرك المروعة، ما يلي..
ليس بالشجب والاستنكار وذرف دموع التماسيح، وليس بالمكابرة والتهوين ودفن الرؤوس في الرمال، وليس بتوقيع عقوبة الاعدام العاجلة بحق القاتل المغسول الدماغ، يمكن الرد على جريمة اغتيال حتر، وقطع دابر الفجائع الارهابية المماثلة.. بل بالتشمير عن ساعد الجد لوضع الامور في نصابها، وتشكيل حكومة طوارئ مهيبة تضم اشجع واكفأ رجالات الوطن، واستنفار اجهزة الدولة للعمل باقصى طاقاتها، واستباق الاخطار والتهديدات الارهابية قبل وقوعها، واستقطاب الاغلبية الشعبية لجانب الدولة ولجهة الاقتناع بان كل مواطن خفير، وتجفيف منابع التطرف وتقويض اركان بيئته الحاضنة له، عبر نشر ثقافة التسامح والتكاتف والانفتاح على الآخر المختلف.
اغتيال الزميل حتر ليس بداية او نهاية لعبة الدم والتخريب والارهاب، وانما هو حلقة في سلسلة شيطانية ما زالت حلقاتها السابقة في اربد والموقر والبقعة والركبان ماثلة في الاذهان، ولسوف تبقى احتمالات تكرارها واردة في اي وقت، ما لم نواجهها بمنتهى الجدية والحزم، وقبل فوات الاوان.
وعليه.. نحن في ”المجد” نقرع اليوم جرس الانذار، وندعو- من واقع مسؤوليتنا الوطنية- الى تجاوز حالة الاسترخاء الراهنة، من خلال تشكيل حكومة نوعية استراتيجية مؤهلة لمجابهة التحديات القائمة والقادمة، بعيداً عن حكومات تصريف الاعمال الباهتة والبيروقراطية التي قد تتدبر امرها في الاوقات العادية والاحوال الطبيعية، غير انها ستبوء بالفشل والاخفاق في الظروف الصعبة والحالات الاستثنائية.
وليس من شك ان حكومتي هاني الملقي- التوأمين السياميين – تشكلان اوضح الامثلة على الحكومات الضعيفة والمنزوعة الدسم والمحدودة الفاعلية والتأثير، والعاجزة بحكم هزال تركيبتها وصلاحيتها عن الارتفاع الى مستوى التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية التي تواجه البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى