المؤامرة الكبرى في الشرق الأوسط
بقلم: علاء القصراوي
يُدرك كثيرون أن التدهور الذي أصاب الوطن العربي يعود إلى عوامل داخلية في الأساس، غير أن التحديات الخارجية التي تحول دون إنطلاق الشعوب العربية نحو التقدم والرقي كثيرة، ومن ثم لا يجوز التقليل من شأنها أبداً. وفي تقديري أن المخططات التي تستهدف تفتيت العالم العربي وإعادة رسم خريطة المنطقة على أسس طائفية هي أخطر هذه التحديات على الإطلاق.
ولأن قوى إقليمية ودولية معادية تحاول استثمار بعض التفاعلات المرتبطة بالثورات العربية لوضع هذه المخططات موضع التنفيذ، فقد ارتأيت كتابة هذا المقال المُطوّل للتذكير بما يحاك لهذه المنطقة.
هنالك دراسة بعنوان “استراتيجية إسرائيل في الثمانينات” كتبها دبلوماسي إسرائيلي سابق يُدعى أوديد نيون ونشرها عام 1982م قبل غزو القوات الصهيونية لبيروت بحدود 3 شهور، وبعد توقيع إتفاقية السلام مع مصر، تُعتبر أشمل ما كُتب في إسرائيل حول المخططات الصهيونية للمنطقة حتى وقتنا هذا، وتعكس هذه الدراسة حقيقة ما يجول بالعقل الصهيوني، وتطرح رؤية لما يتعين أن تكون عليه استراتيجية الحركة الصهيونية في التعامل مع العالم العربي، وتتمحور على أمرين رئيسين وهما:
الأول يتعلق بالبنية الديموغرافية والاجتماعية والثقافية للمنطقة، حيث يقول أن العالم العربي ليس كتلة واحدة متجانسة، إثنياً أو دينياً أو اجتماعياً، وإنما يضم تشكيلة أو خلطة غير متجانسة، تتصارع داخلها قبائل وطوائف وأقليات قومية وعرقية ودينية ومذهبية وغيرها، وكونها دولا لا تقوم على أسس راسخة وقابلة للدوام؛ فمن السهل تفكيكها وإعادة تركيبها على أسس جديدة، وهو ما يتعين على إسرائيل أن تعمل عليه بكل طاقتها.
الثاني يتعلق بالسُّبل الكفيلة بتحقيق أمن الدولة اليهودية لمعناه المطلق، حيث أن أمن إسرائيل لا يتحقق بالتفوق العسكري وحده -رغم أهميته القصوى- ومن ثم تبدو الحاجة ماسة لتفكير استراتيجي من نوع جديد ومختلف يرتكز على عدم السماح بوجود دول مركزية كبرى في المنطقة، والعمل على تفتيت ما هو قائم منها وتحويله إلى كيانات صغيرة تقوم على أسس طائفية أو عرقية. فإذا نجحت الحركة الصهيونية في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، فإنها تكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد؛ تحويل إسرائيل إلى دولة طبيعية في محيطها تقوم على نفس الأسس التي تقوم عليها الدول المجاورة، ولأنها ستكون الدولة الأكبر والأقوى والأكثر تقدما في المنطقة، فسوف تصبح مؤهلة طبيعياً لقيادتها والتحكم في تفاعلاتها والقيام بدور ضابط الإيقاع في صراعاتها.
يعتبر الكثير من المحللين السياسيين أن سقوط بغداد كان الخطوة الأولى في خطة تغيير خريطة الشرق الأوسط الجيوسياسية، والتي اكتملت لاحقاً بما عرف “بثورات الربيع العربي” التي أسقطت العديد من الأنظمة العربية، وعلى الرغم من اختلاف الوسائل والظروف، إلا أن الزعم بأن نشر الديمقراطية هو الهدف الأسمى، لتغيير كان الأمل والوسيلة التي استُخدِمت في إسقاط أنظمة عربية واحداً تلو الآخر، والنتيجة، فوضى وعنف ودمار !
ومنذ أن أشعل البوعزيزي النار في جسده معلناً بداية الربيع العربي، تحول فيما بعد إلى إعصار جارف، والعالم العربي يعيش انتحاراً جماعياً على كل الأصعدة، انتحار أمني وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وأخلاقي. ما يحصل في منطقتنا محبط ومقلق ليس فقط على مستوى الأحداث السياسية، فما أُطلِق عليه ثورات الربيع العربي أحدث انقلاباً سياسياً على مستوى النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، وأيضاً على مستوى النظام الدولي بصفة عامة.
وكان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر قد صَرّح عام 2012 بإن هناك سبع دول عربية تمثل أهمية استراتيجية واقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، وكل الأحداث التي تجري في هذه الدول تسير بشكل مُرضَ لنا وطبقاً للسياسات المرسومة لها من قبل.
إن الغرب عامة والصهاينة خاصة لا يَكلّون ولا يملّون أبداً من سعيهم للسيطرة على الشرق الأوسط مهما كانت العقبات، وذلك ضمن مؤامرة كبرى غايتها إنتاج ثقافة جديدة في السياسة والنظم الاقتصادية والتعليمية والثقافية.
فها هم قد أسقطوا العراق (الحدود الشرقية لإسرائيل الكبرى) وأسقطوا مصر وليبيا (الحدود الغربية لإسرائيل الكبرى) فيما يحاولون اسقاط سوريا (الجزء الشمالي لإسرائيل الكبرى).
وفي النهاية ما زال العجيب أن الحكومات العربية لم تفهم بعد أن عمليات السلام (في كل مكان بالشرق الأوسط) بقيادة أمريكا ما هي إلا أحد آليات تنفيذ المخطط الصهيوني؛ لشرذمة العرب وإقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات، ولتحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد !