هل تقلب حكومة الملقي ظهر المجن لجماعة الاخوان والاسلام السياسي في البلاد ؟؟

تنفس الاردن الرسمي الصعداء وشعر بالارتياح بعد فوز دونالد ترامب المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الامريكية على منافسته هيلاري كلنتون، ذلك ان المسؤولين الاردنيين لا يفضلون العمل مع هيلاري كلنتون على اساس انها سوف تلحق الضرر بالمصالح الاردنية، ولانها كانت مزعجة في المساحة المخصصة للضغط على الاردن تحت لافتة الاصلاح السياسي حد الوصول الى تشكيل حكومات منتخبة شعبياً، وليست معينة من رأس الدولة.
وكان الاردن في ضوء ترجيح الاستطلاعات السياسية الدقيقة لفوز السيدة كلنتون، قد باشر الاستعداد لفتح حوار مع الفريق العامل مع هذه المرشحة لتهيئة الارضية المناسبة للتفاهم والحوار، لتخفيف الضغوط المتوقع ان تمارسها هذه المرأة على الحكومة، وبما يتعاكس مع النهج الرسمي السائد، لذلك تم تكليف خلية نوعية مختارة من اركان الديوان والمؤسسة الدبلوماسية لاجراء اتصالات سرية لتهيئة ارضية توافقية يمكن البناء عليها في حال فازت هذه المرشحة بالمنصب الرئاسي الامريكي.
وعلى الرغم من قيام صداقة قديمة ومتينة مع عدد من المسؤولين الاردنيين، الا ان ذلك لا ينفي وجود خلافات سياسية معلنة وعميقة بين عمان وكلنتون التي سبق لها ان قالت قبل بضع سنوات : ”لقد آن الاوان للاردن ان ينتخب رئيس وزرائه”، فيما صرحت قبل نحو عام من الآن قائلة : ”.. ان من الصعب على القادة الامريكيين الاعتراف بان النظام الفرد في الاردن هو صاحب توجهات غربية وديمقراطية، وان في مقدور هؤلاء القادة اعتباره شريكاً رئيساً للولايات المتحدة ووسيطاً قوياً لتحقيق السلام في الشرق الاوسط، ذلك لان مستقبل الاردن ما زال مفتوحا”.
تصريحات هيلاري كلنتون هذه لم تكن السبب الوحيد في عدم الارتياح الرسمي في عمان لفوز هذه المرشحة، بل ان التوقعات كانت تشير الى انها متى استقرت في البيت الابيض ستطالب الحكم الاردني باستحقاقين ثقيلين، اولهما داخلي يتعلق باجراء اصلاحات سياسية وديمقراطية جذرية وليست شكلية ومظهرية، من شأنها لجم الفساد والاستبداد وتشجيع المشاركة الشعبية في صنع القرار.. وثانيهما خارجي يتصل بدور اردني صعب وتنازلات كبيرة قد تتطلبها مفاوضات الحل النهائي لقضية فلسطين، بما في ذلك فرض دولة كونفدرالية بين الاردن وما يتبقى من اراضي الضفة الغربية.
الآن، وبعد ان حسم ترامب أمر الرئاسة لصالحه، وبعد ان اكد انه يعوّل على التعاون مع الاردن، وانه يكنّ احتراماً كبيراً لهذا البلد وللملك عبدالله الثاني، فان المسؤولين والمراقبين الاردنيين يزنون كل تصريح او تعليق او تعقيب يصدر عن ترامب او فريقه بميزان بالغ الحساسية والدقة، وينظرون الى ساكن البيت الابيض بتفاؤل، خاصة بعد تصريح وليد فارس، مستشار ترامب لشؤون الشرق الاوسط والارهاب الذي قال فيه، ان الحكومة الامريكية المقبلة بقيادة ترامب ستقوم بتأسيس ائتلاف مع دول الخليج ومصر والاردن ضد الارهاب، وهو ائتلاف عارضه باراك اوباما خلال فترة الرئاسة سعياً وراء انجاح الاتفاقية النووية مع طهران.
وعلى الرغم من الصدمة الدولية الناتجة عن فوز ترامب في انحاء واسعة من العالم كون الرجل يمينياً يحمل افكاراً ضد المرأة والمهاجرين والمسلمين بشكل عام، وبالنظر الى شخصيته الجدلية وتصريحاته المتناقضة والمتشابكة التي كان يطلقها ابان حملته الانتخابية، فان الاردن الرسمي يدرك ان فوزه بمنصب الرئاسة الامريكية لن يكون مشكلة بالنسبة اليه لأن صانع القرار الاردني قادر على التعامل معه لاعتبارات كثيرة، اهمها هي نظرة الرجل نفسه للاردن ولدوره في المنطقة.
غير ان بعض المراقبين يقولون ان الملف الشائك الذي قد يشكل نقطة الخلاف بين السياستين الاردنية والامريكية، هو ملف القضية الفلسطينية، حيث شدد ترامب على الالتزام الامريكي المعهود بالانحياز الى اسرائيل، مع تعهده بنقل السفارة الامريكية الى القدس.
وفي السياق يقول المراقبون ان ما يحدد تطبيق ترامب لهذا التعهد، هو مدى قدرته على ايجاد وقت كافٍ للنظر في القضايا الخارجية، بعدما وعد الامريكيين بالانكباب على الشأن الداخلي، ما يعني انه سينشغل طوال السنوات الاربعة المقبلة في تنفيذ وعوده للامريكيين حول الشأن الداخلي، وبالتالي هو لن يتفرغ للشأن الخارجي حتى مع تعيينه لمستشارين خبراء في هذا الشأن.
بعيداً عن المنطقة وملفاتها يرى المراقبون ان فوز ترامب الذي يوصف بانه يميني متشدد، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بتأثير مباشر من اليمين الانجليزي على البريطانيين الذين صوتوا لصالح الانسحاب، يزيد المخاوف من ان تشهد الساحة الدولية في قادم الايام زعامات من هذه الشاكلة تعمل على تأزيم الامور والاوضاع.
وقالوا ان ما يدفع الى مثل هذا التخوف هو ان احزاباً يمينية قد بدأت تمارس في بعض دول اوروبا نوعاً من التأثير على الرأي العام، مستغلة قضايا اللاجئين والتطرف والاسلاموفوبيا وغيرها ما يعني ان تنجح مثل تلك الاحزاب في الوصول الى سدة الحكم، ما يزيد الامور تعقيداً.
فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الامريكية قاد انقلاباً في تعامل البيت الابيض- تحت الادارة الديمقراطية- مع الاخوان المسلمين، حيث قدم الرئيس الامريكي العتيد اشارات قوية على عدائه لجماعات الاسلام السياسي، ومنها جماعة الاخوان المسلمين، وهو ما عكسته تصريحات مستشاره وليد فارس، حين اشار الى اعتقاد ترامب ان الاخوان المسلمين جماعة ارهابية وينبغي تصنيفها هكذا داخل امريكا، مشيراً الى ان الكونغرس كان قد وضع قانوناً لتصنيف الاخوان كارهابيين، لكن الرئيس- الديمقراطي- اوباما رفض التوقيع عليه.
رجح فارس ان يكون اعلان جماعة الاخوان المسلمين تنظيماً ارهابياً هو المشروع الاول الذي سيتقدم به ترامب لمجلس الكونغرس ”الشيوخ والنواب”، سواء لاقرار القانون مجدداً او التوقيع عليه.
هذا الموقف العدائي لترامب من الاخوان المسلمين جعلهم اكثر تأييداً لفوز كلنتون المعروفة بصداقتها للجماعة، حيث كانت دائمة التواصل مع قيادات الجماعة ابان تسلمها منصب وزيرة خارجية الولايات المتحدة الامريكية، خصوصاً في مصر وقطر وتركيا.
على صعيد رد الفعل الاخواني على احتمال دمغ الجماعة وامثالها بالارهاب، قال المراقبون ان ذلك سيثير حتماً ثائرة الاخوان وغضبة المتعاطفين معهم في العالمين العربي والاسلامي على وجه الخصوص، حيث سيعمد الاخوان للهجوم والمزايدة اعلامياً ودعائياً ودعوياً على امريكا باعتبارها رأس الشرور وام المؤامرات والشيطان الاكبر، وما الى ذلك من اوصاف لن تعجز قواميسهم عن اشتقاقها، لكنهم بالمقابل- طبقاً للمراقبين- سيختارون خطابهم بعناية، وسيعيدون النظر بايديولوجيتهم، ويقدمون رموزاً ويخفون آخرين، ولن يتورعوا عن ركوب اي موجة انتهازية تخدم مصالحهم وتحمي رموزهم.
في سياق ردود الفعل الاخواني يستشهد المراقبون بعينة من تصريحات قياداتهم الاخيرة، حيث اعلن المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الاسلامي في بيان صادر عنه، رفضه تصريحات ترامب تجاه العرب والمسلمين، والتي تترجم انحيازه الواضح للاحتلال الصهيوني، وتفضح الديمقراطية التي تدعي الدفاع عن حقوق الشعوب المقهورة واحترام حقوق الانسان واعتمادها القوة ونهب ثروات الشعوب.
اما زكي بني ارشيد، رئيس مجلس شورى جماعة الاخوان الاردنية، فقد عقب على تصريحات ترامب ضد جماعات الاخوان بالقول، ان شعارات ترامب التي كان يطلقها ستضع امريكا بموقف عزلة، في حال اصر على تطبيقها، ما سيعيد امريكا الى واجهة صراع الحضارات والاديان وجرها نحو الاسوأ.
وتعليقاً على نية ترامب تصنيف الاخوان المسلمين كارهابيين قال بني ارشيد في تصريحات صحفية، ان اقدام ترامب على هذه الخطوة يعد مغامرة، مؤكداً انه ليس في مصلحة امريكا القيام بهكذا خطوة.
وفي مصر فقد قال مصطفى الجندي، رئيس لجنة العلاقات الافريقية بالبرلمان المصري، ان وصول ترامب الى الرئاسة بمثابة كارثة على الاخوان المسلمين، متوقعاً قرب صدور قرار من الكونغرس لتصنيفهم كجماعة ارهابية، مبيناً ان فوز ترامب جاء في صالح الامن العالمي، حيث قطع الطريق على فوز المرشحة السابقة هيلاري كلنتون التي كانت ”ستتسبب في حرب عالمية ثالثة لاتباعها سياسة اوباما نفسها”.
من جهته استبعد ابراهيم منير، مرشد اخوان مصر اقدام ترامب على قرار التصنيف قائلاً : ”ان هذا القرار لا نرجوه ولا نخشاه، مشيراً الى انه ليس من السهل ان ينفرد الرئيس الاميركي بهذا القرار”.
وقد تقاطع رأي مرشد الاخوان المصري حول صعوبة انفراد ترامب بهذا القرار مع رأي بعض المراقبين الذين قالوا ان المصالح الامريكية لا تسير وفق الآراء الشخصية، فضلاً عن ان السياسة الخارجية الامريكية لا تتحدد بناء على فكرة القبول والرفض لجماعة بعينها، وان هكذا قرارات لا بد ان تحظى بموافقة الدولة العميقة بما فيها الكونغرس بشقيه ”النواب والشيوخ”.
في ضوء ما تقدم، يصبح السؤال الذي يدور في ذهن الرأي العام هو : كيف ستنعكس هذه المعادلة الامريكية الجديدة على التعامل الحكومي مع الجماعات الاخوانية في الداخل ؟ وهل سيبقى شهر العسل قائماً بين الحكومة والاخوان، ام ان الخلاف القديم الذي سبق العملية الانتخابية سوف يعود مجدداً الى الظهور ؟
الشواهد الاولية- يقول المراقبون- لا تؤشر على استمرارية الوفاق بين الجانبين، فقد بدأت بوادر الخلاف في الظهور تباعاً، ومن ابرزها استبعاد نواب الاخوان من لجان المجلس النيابي الجديد، وبالذات النائب المحامي صالح العرموطي الذي كان من المفروض ان يترأس او ان يشارك في عضوية اللجنة القانونية نظراً لخبرته الطويلة نقابياً وقانونياً، وكذلك منع اقامة مهرجان نصرة الاقصى في الكرك لاول مرة منذ جملة اعوام، ناهيك عن عودة الصحف شبه الرسمية الى لغة الغمز واللمز في الجماعة/الام، بل مهاجمتها بقسوة، ولعل البقية فيما يبدو على الطريق !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى