محطات كارثية في الحياة العربية.. رهانات التجاوز

المحطات الكارثية في الحياة العربية كثيرة ومتزايدة وأسبابها الراسخة والمزمنة أصبحت – ومثلما كانت عبر التاريخ – محددة وواضحة تتمثل بثنائية وجدلية الذاتي والموضوعي ، الخارجي والداخلي ، ولأننا لم نكن نملك عبر التاريخ القدرة على التحكم بما هو خارجي وقراره وأسباب اندفاعاته الدورية المتوحشة نحو وطننا العربي وبكل ما يدور في العقل الاستعماري من افتراضات ومحاجات ودوافع واحتمالات ، إلا بما امتلكناه ونمتلكه من وعي وإدراك لمخاطره وإرادة تاريخية راسخة في صدّه والاستجابة لتحدياته والتغلب عليها وبكل ما يتبقى لنا من ضرورات ومحفزات بأن نرى ذاتنا وموقعنا في هذا الصراع والتحدي من خلال السؤال: كيف نكون ؟ وكيف يتحدد وعينا تجاهه ؟ وكيف نوقف اندفاعة هذا التحدي الخارجي وإبطال خططه ومشروعاته وهزيمته في الميدان؟
لا نملك في المرحلة الراهنة إلا خيار البحث عن الذات العربية الفاعلة والمتحدية والمقاومة، وتوليد الارادة المرتبطة بها والاستجابة للتحدي الشمولي بكافة تجلياته والاجتماع الشعبي والرسمي على تدارس الخيارات الانقاذية الممكنة ، إذ لا شيء يجبرنا من الناحية التاريخية والواقعية على الاستسلام ، ولا شيء يحول بيننا وبين توليد خيارات جديدة لمواجهة التحدي ، ومثلما كان هناك للباطل جولة فإن للشعوب المدافعة عن حريتها وتحررها جولة، ولطالما انتصرت جولات وصولات الشعوب وتساقطت جولات الباطل والاستعمار عبر التاريخ ، ولطالما بزغت في أفق الشعوب محطات وعثرات كارثية، ولكنها استطاعت عند اكتشاف ووعي ذاتها أن تتجاوز هذه المحطات وتندفع للتغيير وبناء مواقع ومستقبلات ورؤى جديدة .
لا بد للمحطات الكارثية المتوالدة في حياة العرب أن تولد وتفضي إلى ردّ فعل تاريخي وسياسي ملائم ومعاكس في الاتجاه مهما طال الزمن ومهما تبدى من انسداد وتقهقر وانحسار، ولا يظنن أحد أن التمسك والوثوق بهذا اليقينات هو من جنس الحتميات والغيبيات السياسية كما قد يتراءى للبعض، ولكنه متأت من قراءات تاريخية وتجارب فعلية وميدانية بعيدة وقريبة حافزة، وهو من الضرورات والخيارات التي يجب أن تجتمع عليها الأمة في المرحلة الراهنة وتتوافق على إدراكها وتداركها، فلا شيء يعطل العقل ويكبح الارادة مثل اليأس والتراجع والتردد والاستقالة والاستسلام ، ولا شيء يفاقم الأزمة مثل الاستمراء والصمت والفرجة المسترسلة . ولا بد من ادراك شمولي عميق بأن ما نمر به هنا والآن هو من اللحظات الفاصلة في تاريخ الأمة التي ينطرح فيها السؤال الكبير: أن نكون في التاريخ ذاتاً أو نبقى على هوامشه ولا نكون .
في فضاءات الأمة العربية وفي ضميرها ولدى قواها ممكنات متعددة، وأمام عقلها خيارات ايجابية كثيرة لكن ذلك يتطلب الكشف والارتقاء لمستوى التحديات وانفتاحا ايجابياً على المتاح والممكن من خيارات الانتهاض والاحتجاج والتجاوز والتغيير، ولا مراء بأن لكل حالة نكوصية أوان وتقييمات قد تقود الى الممكن وتحققه وتحقيقه، والمهم في كل ذلك أن نبقي هذه الروح والطاقة الايجابية الدافعة والحافزة على المراجعة والتغيير والتجاوز ، فالصمت والاستسلام لمعطيات الواقع العربي الراهن هو من المحطات الكارثية الأكثر خطرا وضررا في المرحلة الراهنة، وهو أيضاً من الموبقات السياسية المدمرة التي تفشو بين ظهرانينا، وهي مما يعرقل ذهاب الناس إلى البحث عن مخارج وخيارات أخرى مضادة لهذا الواقع وتغييرا لاتجاهاته.
وحتى لا يبقى الكلام أسير الايديولوجيا والأمنيات والفكر الرغبي والإنشاء، نقول بأن كل ما يتكاثر ويتزايد من علامات الاحباط والنكوص والقبول بالأمر الواقع في واقعنا الراهن، هو من المؤشرات السلبية الكابحة التي تدعونا وبإلحاح للوقوف عندها، والتمعن بها والبحث عن أسبابها وكيفية الخروج منها ، ونقطة البداية في التغيير تبدأ من وعي هذه الأسباب، ومحاولة اشتقاق رؤى وممكنات ونقاط بداية جديدة، والسعي لتأسيس محطات استنهاضية في الحياة العربية تقوم على توليد إرادة التغيير والتحدي والمقاومة، والخروج من حالة الصمت واليأس الطاغي، وليس ذلك بمستحيل على أمة صامدة وشعب عربي لم يرفع رايات الاستسلام في كل مراحل تاريخه ومحطاته، بل بقي على الدوام متمسكاً بخياره التاريخي الأصيل في المقاومة والتحدي وتجاوز أزماته واشكالياته المعقدة، ولابد أن نبدأ !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى