هذا التحدي الصهيوني بمنع الآذان في القدس !!!

بقلم : عوني فرسخ

أصدرت الكنيست الإسرائيلية في قراءة أولى مشروع قرار بمنع الآذان بالقدس ، وهو مشروع لم يقتصر على منع استخدام مكبرات الصوت في رفع الآذان ، كما هو جار في معظم الأقطار العربية ، وإنما يقضي بمنع رفع الآذان بالمرة ، باعتبار القدس في نظر التجمع الاستيطاني العنصري الصهيوني ورعاتهم على جانبي الأطلسي مدينة يهودية ، لا يجوز أن يرتفع فيها حسب قناعتهم نداء غير يهودي ، الأمر الذي استفز النائب أبو عرار بحيث رفع الآذان في الكنيست في تحد عربي ردا على التحدي الصهيوني . وفي اليوم التالي أعلن المطران عطالله حنا تضامن المسيحيين مع اشقائهم المسلمين ضد الاجراء الصهيوني ، مؤكدا على صمود المقدسيين العرب في مدينة آبائهم وأجدادهم ، وأن الاذان سيظل يصدح وأجراس الكنائس تقرع في القدس .

وفي تجاوب مع دعوة المطران المشهود له بمواقفه الوطنية والقومية تعالى الآذان من فوق عشرات أسطح البيوت العربية في القدس وبقية الضفة الغربية المحتلة كما رفع الآذان في احدى كنائس القدس . والثابت في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني أن ليس غير تصعيد الممانعة والمقاومة ما قد يردع نتنياهو وغلاة اليمين عن المضي قدما في تحدي شعب فلسطين وأمته العربية بمنعهم الآذان أبرز شعائر الاسلام . كما سبق لهم التراجع عن قرار قسمة المسجد الاقصى بين المسلمين واليهود ، عندما جوبهوا برفض عربي وإسلامي مجمـــــع عليه ما اضطر رعاتهم الامريكان للتدخل ضد القرار العنصري الصهيوني .

وحين ندعو لتصعيد مقاومة مشروع القرار الصهيوني حتى لا يجري التصديق عليه في الكنسيت ويصبح قانونا ملزما لكل حكومة اسرائيلية ، ننطلق من ادراك أن اسرائيل لم تعد كما كانت عليه صباح نكسة 1967 وإنما هي اليوم بعد فشلها بالعدوان على لبنان سنة 2006 وسقوط اساطير تفوقها المدعى بها وقوة ردعها . بل وفشلها في استرداد قوة ردعها  بالعدوان المتكرر على قطاع غزة المحاصر ، وصيرورتها خاضعة لردع متبادل في شمالها وجنوبها . وبالتالي فقدت قدرة فرض وقائع على الارض وجعلها أمرا واقعا مسلما به . والثابت كذلك أن الزمن لم يعد يسير لصالح إسرائيل بقدر ما بات في مصلحة قوى الممانعة والمقاومة العربية التي غدت على عتبة امتلاك المبادرة الاستراتيجية في صراع الوجود واللاوجود مع مشروع الاستعمار الاستيطاني العنصري ، الذي لم يعد رصيدا استراتيجيا لرعاته الامريكان والاوروبيين بقدر ما غدا عبئا تاريخيا عليهم ، مهتم صناع قرارهم بتأمين الحماية لاداتهم الصهيونية .

ثم إن الادعاء بأن القدس مدينة يهودية غير تاريخي ، فالثابت تاريخيا أن القدس عربية النشاة اقامها اليبوسيون عرب الاصول ، وتوالت على سكناها وإعمارها شعوب وقبائل تعود في اصولها لشبه الجزيرة العربية . وإن كان هذا لا ينفي صلة اليهود الروحية بالقدس باعتبارها مقدسة عند أتباع الديانات السماوية الثلاث ، اليهودية والمسيحية والاسلام . وعدا الصلة الروحية ليس لليهود أي صلة تاريخية بالقدس وفلسطين ، كما انتهى الى تأكيد ذلك استاذ التاريخ في جامعة تل أبيب شلومو ساند في كتابه الموثق “اختراع الشعب اليهودي ” ، متفقا في ذلك مع العديد من علماء الآثار ، وبينهم كثير من اليهود ، الذين نفوا وجود أي يهودي في القدس او في عموم فلسطين ، أو أن يكون المسجد الأقصى قد شيد على انقاض الهيكل الثالث حسب الادعاءات الصهيونية .

وما يدل على انعدام صلة اليهود المعاصرين بالقدس ، عدا الصلة الروحية السابق ذكرها ، كونهم جماعة بشرية متعددة الأصول ، وأوطان النشأة ، واللغات والثقافات وأنماط السلوك ، جرى تهجيرها من أوطانها الأصلية بقرار استعماري كي تشكل المادة البشرية لتجمع غريب عن الشعب العربي ومعادٍ له ، وإسكانه في فلسطين وعلى تخوم  مصر ، كي يساهم في منع وحدة العرب القاعدة المادية لتجاوزهم واقع التجزئة والتخلف والتبعية ، كي يتواصل الاستغلال الاستعماري للوطن العربي موقعا وموارد واسواقا وقدرات بشرية . غير أن تهجير اليهود الى فلسطين لم يؤد كما كان مخططا له من قبل بريطانيا في ثلاثينيات القرن العشرين الى افراغها من شعبها العربي الذي ظل صاحب الأكثرية السكانية ، والمالك لمعظم الاراضي الزراعية ، برغم الدعم البريطاني المتواصل للمستوطنين الصهاينة والدًفق المالي الذي تلقوه من الجاليات اليهودية خاصة الامريكية ، بحيث ان فلسطين كانت عربية الهوية عند انتهاء الانتداب البريطاني سنة 1948 كما يقرر المؤرخ الاسرائيلي الجديد إيلان بابه ، في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين ” . ولقد تواصلت مقاومة الشعب العربي الفلسطيني للمشروع الصهيوني ورعاته في تصاعد طردي ، والمثال الآخير فعالية فتيان وفتيات القدس وبقية الضفة الغربية المحتلة في انتفاضة اطفال سكاكين مطابخ الامهات التي لم تزل إسرائيل عاجزة عن قهر ارادة فتيانها وفتياتها في القدس وبقية الضفة الغربية المحتلة . ناهيك عن عجزها المريع عن قهر ممانعة ومقاومة قطاع غزة المحاصر .

ولما كانت القدس بشطريها الغربي والشرقي محتلة كبقية الضفة الغربية . وكان القانون الدولي يشرع للمحتلة ارضهم مقاومة المحتل بكل وسائل المقاومة المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح . ما فيه الدلالة على انفساح المجال لمقاومة سلمية فاعلة ضد مشروع منع الآذان بالقدس ، قبل إقراره في الكنيست بالقراءة الرابعة ويصبح قانونا ملزما : وليس بالمستبعد حينها ان منع رفع الاذان قد يسري على قرع أجراس الكنائس ، ما يجعل مقاومة مشروع رفع الاذان مطلوبة من كل عربي مسلما كان أو مسيحيا .

ويقينا إن صناع قرار الأنظمة المتصالحة مع الكيان الصهيوني ، وتلك المعترفة به والمطبعة معه ، هم المتوجب عليهم التصدي بفعالية لمنع إقرار مشروع القرار العنصري بمنع الآذان بالقدس ، منعا لدفع المنطقة لصراع ديني إسلامي ومسيحيي مع التجمع الاستيطاني العنصري الصهيوني . وحين نقول إن هذه الفئة بحكم علاقاتها مع صناع القرار الصهيوني ورعاته على الصعيد الدولي هي الأشد تأثيرا لدى صناع القرار الصهيوني ورعاتهم الامريكان .

والسؤال : هل ينهضون لاداء هذا الواجب الوطني والقومي والديني أم أن غالبيتهم بحكم مصالحهم لا يرتقون لمستوى تحدي النائب ابو عرار والمطران عطاالله حنا ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى