وعد بلفور توأم مؤامرة سايكس- بيكو

في الذكرى السنوية لوعد بلفور المشؤوم, القى الباحث والمناضل العروبي الاستاذ احمد السعدي امس الاول محاضرة قيمة, في المنتدى العربي بعمان.

ونظراً لاهمية هذه المحاضرة الوطنية والتاريخية, تعمد “المجد” اليوم الى نشرها نصاً على النحو التالي..

مقدمة لا بد منها.. وعد بلفور

في 2/11/1917 أعلن وعد بلفور من خلال رسالة من وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إلى اللورد روتشلد، وفيما يلي النص الحرفي لهذا الوعد الذي ورد على شكل تصريح لبلفور:

“عزيزي اللورد روتشلد ،

يسعدني كثيرا أن أنهي إليكم نيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي تعاطفا مع أماني اليهود الصهيونيين التي قدموها ووافق عليها مجلس الوزراء:

(إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين National Home، وسوف تبذل ما وفي وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. وليكن مفهوما بجلاء أنه لن يتم شيء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين أو بالحقوق والأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أي دولة أخرى).

إني أكون مدينا لكم بالعرفان لو قمتم بإبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني.

المخلص

آرثر بلفور”

أولا: نشوء الحركة الصهيونية في الأوساط غير اليهودية

في القرن التاسع عشر حيث كانت الدول الاستعمارية تجوب العالم، فتمزق دولا وتصنع دولا وترسم الحدود بين الدول وتستعمر هذه الدولة أو تلك وفي هذه الظروف تجد كتابا وأدباء وجنرالات وسياسيين يتحدثون عن أرض الميعاد وما يسمى عودة اليهود إلى فلسطين، وهذه إرهاصات الحركة الصهيونية. ولعل أقدم بداية أو تحريض على قيام الحركة الصهيونية بين اليهود، كان نداء نابليون في نهاية القرن الثامن عشر، ففي عام 1799 وخلال حملته على مصر ومن ثم على سوريا أصدر نداءه مخاطبا اليهود وما سماه الإسرائيليين للمطالبة بما دعاه استعادة حقوقهم ومكانتهم بين شعوب العالم، والتي كما قال سلبت منهم وهي وجودهم السياسي كأمة من الأمم.. دعوة للعودة لأرض الأجداد!! فكان ذلك نداء لإقامة دولة يهودية قبل وعد بلفور بـ 118 سنة.

أما هنري تشرشل الضابط البريطاني الذي شارك في الحملة الأوروبية التي أرسلت إلى سوريا للإطاحة بمحمد علي خارج مصر عام 1840 حيث كانت قواته تحتل سوريا. فقد بدأ يروج لفكرة ما سمي عودة اليهود إلى فلسطين، وكتب في 14/6/1841 لموسى مونتيغور رئيس مجلس وكلاء اليهود في لندن يذكر فيها “لا أخفي عليك رغبتي الجامحة في أن أرى قومك يحاولون استعادة وجودهم كشعب، وأرى أن الموضوع ميسور بشرطين: أولهما أن يتولى اليهود أنفسهم الموضوع عالميا، وثانيهما أن تساعدهم القوى الأوروبية على تحقيق أهدافهم”.

وفي عام 1864 تأسس صندوق اكتشاف فلسطين تحت رعاية ملكة انجلترا، وفي كتاب أصدره الصندوق ذكر بأن هدفه: استعادة مجد فلسطين واستعادة بلاد داود.. واستعادة مكانة القدس.. و استعادة أسماء المدن التي دمرها القائد يوشع بن نون.. وأصدر الصندوق كتابه “أرض الوعد”، كما أصدر خريطتين إحداهما لما سماه فلسطين الغربية عام 1880 والثاني لما أسماه فلسطين الشرقية عام 1884، وحملت ما يسمى الأسماء القديمة، وكذلك أصدر لورانس أوليفانت عام 1880 كتابه (أرض جلعاد) في الضفة الشرقية للأردن، وأوليفانت صهيوني غير يهودي وكان عضوا في البرلمان الإنجليزي، وتم كذلك إنشاء مؤسسات بريطانية أخرى وألمانية وفرنسية لدراسة الآثار في فلسطين.

ومن الإعلاميين البارزين كذلك في تبني الفكر الصهيوني من غير اليهود اللورد شافنسبيري وهو صاحب القول الصهيوني المشهور حول فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا وطن)، وفي عام 1876 نشر مقالا أكد فيه أن سوريا وفلسطين شديدتي الأهمية من الناحيتين الجغرافية والتجارية. وهكذا نجد أنه حتى هذا التاريخ كان النشاط الصهيوني والدعوة لليهود إلى ما سمي العودة لفلسطين من قبل شخصيات أوروبية غير يهودية.. (بالمناسبة وكما يذكر بعض الكتاب بأن الكثير من اليهود الذين هاجروا لفلسطين كانوا من مملكة الخزر التي اعتنقت اليهودية في القرن الثامن، ويضيفون لذلك أن الاحتمال المنطقي أن كثيرا من عرب فلسطين كانوا من أصول عبرانية ثم اعتنقوا المسيحية والإسلام) (يذكر ذلك ألن هارت).

وإذا تعرضنا لشخصيات أوروبية غير يهودية للدعوة الصهيونية، فهنالك في نفس الوقت كان هنالك معارضون للحركة الصهيونية من غير اليهود ومن اليهود. وعندما عقد أول مؤتمر صحفي بقيادة هرتزل عام 1897 نقل مكان الاجتماع من ميونيخ في ألمانيا إلى بازل في سويسرا، حيث أعلنت اللجنة التنفيذية لمجلس الحاخامات في المانيا اعتراضها على الصهيونية وكذلك اتخذت منظمتان يهوديتان في انجلترا نفس الموقف، وحذا حذو ذلك مؤتمر الحاخامات الأمريكي المركزي.

ثانيا: اتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية ووليدها أو توأمها وعد بلفور

خلال الحرب العالمية الأولى عام 1914 – 1918 تكاملت أركان المؤامرة الغربية المستمرة حتى يومنا هذا على الوطن العربي، فأثناء هذه الحرب كانت هنالك رسائل متبادلة عرفت برسائل حسين مكماهون، فالحسين بن علي كان يفاوض باسم العرب ومكماهون كان المعتمد البريطاني في القاهرة، على أساس مشاركة العرب في الحرب على الأتراك وبعد دحرهم فستتم حرية واستقلال البلاد العربية الخاضعة للأتراك منذ عام 1516، وإقامة مملكة لهم بقيادة الحسين بن علي. وذكر ذلك في رسالة من مكماهون للحسين في 24/10/1915 وخلال ذلك أو بعده مباشرة بدأت المفاوضات بين الحلفاء بريطانيا وفرنسا وروسيا لاقتسام وتقسيم المنطقة العربية وتوصل هؤلاء لاتفاقية باسم واضعيها سايكس البريطاني وبيكو الفرنسي في 16/5/1916 تجاهلا ومعارضة لما رود في رسائل مكماهون الذي استقال بعد الاتفاقية.

وفي العام التالي في أكتوبر حصلت الثورة الشيوعية في روسيا وأطاحت بحكم القيصر، وكشف زعيم الثورة لينين عن هذه الاتفاقية التي وصفها باتفاقية اللصوص المستعمرين. واستفسر الشريف الحسين عن ماهية وحقيقة هذه الاتفاقية فطمأن مبعوث بلفور وزير الخارجية البريطانية بأن الاتفاقية معه قائمة وستعدّل لمصلحة العرب وأن الأتراك والروس شوهوا الاتفاقية. وفي هذا الوقت كان التفاوض حول وعد بلفور قائما فما أن هدأ الجدل حول سايكس بيكو وإذا بوعد بلفور في 2/11/1917 يصدر على شكل رسالة منه سابقة الذكر، باسم الحكومة البريطانية إلى روتشيلد اليهودي الصهيوني رجل المال، وشملت الرسالة الوعد لليهود باستعداد بريطانيا والتزامها بإقامة وطن لهم في فلسطين واستعمل باللغة الإنجليزية اصطلاح National Home الذي لا يوجد له أي تعريف وفق القانون الدولي. وهكذا جاء وعد بلفور استمرارا للتآمر على الوطن العربي بإبقائه مفككا مجزءا وأضيف لتثبيت ودعم اتفاقية سايكس بيكو، إقامة قاعدة استعمارية صهيونية على شكل دولة في فلسطين

في مقاله لروبرت جون من معهد المراجعة التاريخية فيذكر رأيا يعتبره معبرا عن وعد بلفور بالقول: إن تصريح بلفور قد يكون أهم وثيقة غير عادية أنتجتها أي حكومة في تاريخ العالم. فهي رسالة من حكومة أكبر إمبراطورية في العالم والتي لا تغيب عنها الشمس لرجل مالي مصرفي اسمه روتشيلد، وفي هذه الرسالة دولة تعد مجموعة بدولة في ارض لدولة ثالثة. (آرثر كوسلر).

ثالثا: ملاحظات حول الحركة الصهيونية ووعد بلفور

الملاحظة الأولى: أن الحركة الصهيونية قامت بداية بأوساط غير يهودية وتحرض اليهود وتدعمهم للقيام بحركة صهيونية يهودية.

الملاحظة الثانية: أن وعد بلفور كان مؤامرة غربية استعمارية على الوطن العربي وليس تعاطفا مع اليهود، بل اعتبر الكثير من القيادات اليهودية سياسية أو دينية كانت معارضته لوعد بلفور بل وللحركة الصهيونية، ويذكر بذلك الوزير اليهودي أدوين مونتاجو المعارض لتصريح بلفور وأرسل مذكرة لرئيس الوزراء لويد جورج بذلك، وذكر فيها أنه لا يمكن الحديث عن أمة يهودية أو جيش يهودي، وأن وعد بلفور ينطوي على كراهية لليهود، وأن فلسطين ستتحول إلى جيتو عالمي لليهود. كما أشار فيها بأن بلفور وروتشيلد ليسا هما المسيح المخلص. وأشار إلى عروبة فلسطين. كما أعلن كذلك 299 يهوديا أمريكيا بارزا رفضهم لتصريح بلفور وذلك في عريضة موجهة إلى الحكومة الأمريكية، وكذلك أعلن حاخامات في كندا وشخصيات يهودية سياسية ودينية نذكر منهم الحاخام الألماني مورتيزز جودمان، والحاخام الفيلسوف الألماني هرمان كوهين، وحاخامات اليهود الأرثوذكس في فلسطين والحاخام الأمريكي إلمر بيرجر واعتباره اليهودية عقيدة لا علاقة لها بالانتماء القومي.

ووعد بلفور تضمن وعودا لثلاثة جهات: لليهود داخل فلسطين ولليهود خارجها وللفلسطينيين بعدم المس بحقوقهم، وهي الجهة التي لم يحترم فيها الوعد.

الملاحظة الثالثة: وعد بلفور هو مشروع غربي استعماري، وليس مشروعا إنسانيا أو مشروعا أيده هذا الوزير أو ذاك. ويذكر بلفور واضع هذا الوعد في مذكرة لوزير الخارجية البريطاني كيرزون الذي خلفه يشرح فيها وعد بلفور والموقف منه فيقول في هذه المذكرة المؤرخة 11/8/1919 ما يلي:

“القوى العظمى الأربع بريطانيا وفرنسا وايطاليا والولايات المتحدة ملتزمون بتأييد الصهيونية سواء كانت على حق أو باطل، خيرة كانت أم شريرة، فهي في جذور تقاليدنا وضمن احتياجاتنا الحاضرة وآمال المستقبل وأكثر أهمية بما لا يقاس من رغبات سكانها العرب الحاليين وأنهم لن يستشاروا. والقوى العظمى لم تصدر أي بيان بالحقائق لم تعترف بأنه باطل، ولم تصدر أي تصريح بسياساتها لم تكن نيتها دائما أن تخالفه، كما وأشار بأن تمتد فلسطين لتشمل الأراضي الواقعة شرق نهر الأردن.

وكانت الدول الاستعمارية تتنافس وتتصادم في كثير من الدول المستعمرة، فتنفرد أو تتقاسم وتتصارع هذه الدولة أو تلك في بلد ما، إلا في حالة فلسطين فكان اتفاق الدول الاستعمارية على مشروعها في فلسطين الذي جاء في وعد بلفور، وما زالت الدول الاستعمارية ملتزمة به، وحتى حين كانت بعض العصابات الصهيونية تقوم بعمليات إجرامية إرهابية ضد المصالح البريطانية، فلم يؤثر ذلك على استمرار قرارها بإنشاء هذا الكيان، فقتلت العصابات الصهيونية اللورد موين في القاهرة عام 1944، واسحق شامير الذي دبر هذا الاغتيال أصبح لاحقا رئيس وزراء، ونسفت العصابات الصهيونية مقر الحكومة البريطانية في فندق الملك داود عام 1946 مما أدى إلى قتل 91 شخصا منهم 25 بريطانيا، كما أغارت الطائرات الإسرائيلية على السفينة الأمريكية ليبرتي في حرب عام 1967، وأدى ذلك إلى مقتل 34 بحارا وجرح 171 آخرين، وهذه الجرائم وكثير مثلها ضد البريطانيين والأمريكان ولم تؤدي إلى تقليل الدعم للعصابات الصهيونية وللكيان الصهيوني الذي يقدم لها خدمات بدون حدود، ولم تعط هذه الأحداث الاعلام الذي تستحق، فيجهلها الرأي العام البريطاني والأمريكي وتذكر كأحداث لمتطرفين!! ولعل دعم العصابات الإجرامية باسم السنة والمسمى تنظيم الدولة وجبهة النصرة وجرائمهما ضد الغربيين هي في نفس السياق ما داموا يقدمون لها خدمات كبرى.

الملاحظة الرابعة: تم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وقد أقر الحلفاء ذلك في مؤتمر سان ريمو عام 1920، وأقرت عصبة الأمم ذلك في 24/7/1922، وتقدموا بصك الانتداب الذي ينص في المادة الثانية منه على أن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي وبذلك تم تدويل وعد بلفور، وخلال ثلاثين سنة من الحكم البريطاني أصدرت هذه الحكومة التشريعات واتخذت الإجراءات وفرضت الأحكام ولاحقت الثوار واعتقلت وحاصرت المدنيين في قرى ومدن فلسطين، وبالكاد بقي بيت في فلسطين لم يستشهد أو يعتقل فيه شخص عبر ثلاثين عاما.. هكذا كان دور بريطانيا فقيل بحق (إسرائيل صنعت في لندن).

الملاحظة الخامسة: كان من الممكن التراجع عن وعد بلفور، ففي الفترات التي اشتدت فيها الثورة الفلسطينية ضد حكومة الانتداب البريطانية كان يصدر من بريطانيا كتاب أبيض فيه قيود على المهاجرين اليهود لفلسطين، والتراجع عن تقسيم فلسطين، حصل ذلك أعوام 1922، 1937 و1939.

ونذكر هنا، أنه خلال الثورة الفلسطينية عام 1936 – 1939، حيث كان هنالك إضراب عام شامل في فلسطين ومظاهرات كان أكثرها داميا اشترك فيها جميع فئات الشعب ومتطوعون وقادة من دول عربية ولا سيما من العراق وسوريا وشرق الأردن، اشتهر بينهم فوزي القاوقجي من لبنان وسعيد العاص من سوريا، واستدعت بريطانيا قوات عسكرية إضافية ووصل تعداد قواتها إلى سبعين ألفا.

وغيرت قيادة هذه القوات عدة مرات، واستعانت أخيرا بريطانيا بالحكومات العربية التي أصدرت نداء سمي نداء الملوك والرؤساء دعوا فيه أبناء فلسطين للإخلاد للسكينة حقنا للدماء معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها لتحقيق العدل، وانتهى الإضراب الذي دام ستة شهور، وغادر المتطوعون العرب إلى بلدانهم، ودب الخلاف بين القادة الفلسطينيين بين موافق على النداء وبين مخالف له.. وكان ذلك نهاية الثورة الفلسطينية أيام الانتداب البريطاني.

الملاحظة السادسة: مقاومة وعد بلفور كانت مقاومة عربية لم تقتصر على عرب فلسطين وفلسطنة الصراع مع العدو.. مؤامرة على الدول العربية وليس إنقاذا لها من الصهاينة، والمصالحة مع العدو الصهيوني، مزقت وحدة الشعب الفلسطيني وفصائله، وأوقعت الدول العربية في خلافات وصراعات وأزمات، نشاهدها منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد المصرية عام 1978 / 1979 واستبدال الصراع مع العدو بصراع داخلي وحرب أهلية بأشكال متعددة أخطرها الصراع المذهبي السني / الشيعي والذي جعل من الدول الاستعمارية منقذا يلجأ إليه من قبل الشيعة في العراق للانتصار على السنة، ثم يلجأ إليها للانتصار للسنة في مواجهة الشيعة.. لعبة خطرة سيطرت على العقول وسلبت الإرادة، وتعاني سوريا منها منذ ما يقارب الست سنوات.

الملاحظة السابعة: تجزئة الوطن العربي التي تمثلها سايكس بيكو، والكيان الصهيوني الذي أوجده تصريح بلفور هما ركنا السياسة الاستعمارية نحو الوطن العربي، وهذه السياسة ليست من الماضي ونحن نشاهدها ونعيشها منذ مائة عام.

الرئيس أوباما في خطابه عن الشرق الأوسط في بدايات ما سمي الربيع العربي يقول بأن مستقبل الولايات المتحدة مرتبط بما يجري في تلك المنطقة، ويكرر بذلك كلام الرئيس الأمريكي أيزنهاور في الخمسينات من القرن الماضي بأن الشرق الأوسط أهم بقعة استراتيجية في العالم، ورئيس وزراء أسبانيا الأسبق أزنار يتحدث عن أن انهيار إسرائيل انهيار للغرب، أما الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي فيقول بأن أهم إنجاز للغرب في القرن العشرين هو إقامة (إسرائيل).

الملاحظة الثامنة: الحركة الصهيونية ليست حركة دينية بل وهي حركة استعمارية استغلت الدين ونشرت أفكارا دينية في مدارسها تحرض على قتل الآخرين وتستحل دماءهم دينيا، والخشية أن نقع في المحظور ونواجههم بشعارات دينية وتعصب ديني بعيدا عن أهدافهم الاستعمارية. ونحن نرى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وأخواتها واستغلالها للدين من خلال فتح معركة طائفية سنية شيعية يخسر فيها السنة والشيعة معا، ويخسر فيها الإسلام وتغيب فيها القضايا الحقيقية، حقيقة الاحتلال والهيمنة الاستعمارية، ويحضرني هنا سؤال لأحد رجال الدين المقاومين حول كون اليهود جنحوا للسلم فلماذا لا نستجيب فأجاب، حتى لو أسلم اليهود في فلسطين، فهل يحق لهم احتلال أرض غيرهم من المسلمين، وأضيف هنا أن الداعشية والتعصب المذهبي الذي يؤدي إلى الصراع والفتنة والاقتتال، هو العدو الحقيقي للعروبة والإسلام وأخشى أن تنطبق على المتعصبين دينيا الآية الكريمة “هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا”.

وقد صدر أخيرا كتاب وثلاثة مجلدات تستحق القراءة لصحفي بريطاني، آلن هارت، يهتم بالصراع العربي الإسرائيلي، وعنوان الكتاب (الصهيونية هي العدو الحقيقي لليهود).

رابعا: مؤامرة فلسطنة الصراع، مؤامرة على هدف التحرير وعلى الأمن العربي وفلسطين

الكيان الصهيوني موجه ضد الأمة العربية وليس فقط ضد فلسطين، وقد وعيت الجماهير العربية على ذلك منذ إعلان بلفور والاحتلال البريطاني لفلسطين، فكانت المقاومة للحركة الصهيونية والاحتلال البريطاني مقاومة عربية ولا سيما من الدول المجاورة لفلسطين، ففي بداية الاحتلال البريطاني والعمل على تنفيذ وعد بلفور نذكر من شرق الأردن هجوم كايد مفلح عبيدات وشقيقه فندي على المستعمرات اليهودية واستشهاده في المعركة وحتى نهاية الانتداب البريطاني كان الشرق أردني محمد الحمد الحنيطي قائدا لحامية حيفا واستشهد في 18/3/1948، وكان عزالدين القسام من جبلة السورية يعتبر أول قائد لثروة مسلحة في فلسطين، واستشهد فيها عام 1935 في قتال ضاري مع القوات البريطانية. ونذكر من سوريا أيضا القائد المناضل الشهيد سعيد العاص من حماة واستشهد عام 1936 في معركة الخضر في مواجهة القوات البريطانية وما زال قبره مزارا. وكان أحد قادة الثورة الفلسطينية فوزي القاوقجي اللبناني، هؤلاء وغيرهم كانوا إلى جانب القادة الفلسطينيين عبدالقادر الحسيني وعبدالرحيم الحاج محمد وحسن سلامة وآخرين.

هذه نماذج، أما الصورة الكاملة فارض فلسطين ارتوت بدماء شهداء من جميع الأقطار العربية سواء متطوعين أو ضمن الجيوش العربية في حرب عام 1948 و1967 و1973، وكان التآمر على القضية الفلسطينية هو بفلسطنة الصراع مع العدو، والتصالح مع العدو ليس إنقاذا للدول العربية بل للانفراد بها وهو تخلي عن مقاومة خطر على الأمة العربية. والقرار الفلسطيني وما سمي المستقل!! وقرار القمة العربية بأن القيادة الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد هو في سياق خذلان الأمة العربية عن مقاومة الخطر الصهيوني. وفي حقيقته قرار أنظمة عربية تريد التصالح والاختباء وراء القرار الفلسطيني.

الخطر الصهيوني على الأمة العربية لا يحتاج إلى دليل فبعد ثمانية سنوات من قيام الكيان الصهيوني، فجيشها هاجم سيناء المصرية بعد تأميم قناة السويس عام 1956 كمقدمة لتدخل الجيش البريطاني والفرنسي، فيما سمي العدوان الثلاثي، وما تلى ذلك من حروب فاصلة كانت مع الجيوش العربية.

خامسا: نبذة عن مقاومة وعد بلفور وسايكس بيكو، مقاومة للهجمة الاستعمارية على الوطن العربي

عبر المائة عام الماضية من الهجمة الاستعمارية على الوطن العربي كان هنالك مقاومة، أنجزت الاستقلال في مصر والسودان وليبيا وفي سوريا وتونس والمغرب والجزائر والجنوب اليمني ومقاومات للأحلاف الغربية كحلف بغداد ومشروع أيزنهاور وقد تمت الاشارة للمقاومة في فلسطين والمستمرة حتى التحرير ان شاء الله، ورغم مصالحات بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني، إلا أن المقاومة بعد ذلك أجبرت الكيان الصهيوني على الانسحاب من جنوب لبنان بعد معارك ضارية وبدون قيد أو شرط، كما انسحبت من غزة بفعل المقاومة وبدون قيد أو شرط.. (وهنا ندرك افتعال الحروب الأهلية في الوطن العربي وافتعال الصراع المذهبي السني / الشيعي لإبعاد الأنظار عن الخطر الحقيقي.. خطر الكيان الصهيوني وحماته)، وايجاد حرب أهلية بثوب مذهبي.

وخلال هذه المائة عام الماضية كان هنالك تحرك وحدوي بين سوريا ومصر وكانت ثورة اليمن على حكم يعيش في العصور الوسطى وقيام الجمهورية المتحدة.

الحديث عما بعد وعد بلفور هو حديث عن القضية العربية بكل جوانبها، والتجزئة هي نقطة الضعف الأساسية في الوطن العربي، والتوجه نحو الوحدة هو الطريق للتحرير ومقاومة الاستعمار نحو نهضة عربية وإنها لقادمة، فالأمة العربية بتاريخها المجيد وبموقعها وتراثها ومصالحها المشتركة وإمكانياتها لن ترضخ للاستعمار والتجزئة ولكيان بلفور.

وبمناسبة الذكرى المئوية لوعد بلفور تشكلت لجان وطنية في اقطار عربية وأجنبية، وفي الأردن تم اشهار اللجنة الوطنية الأردنية لحملة مئة عام على وعد بلفور وذلك في مؤتمر صحفي نشرت جريدة المجد الاردنية في العدد المؤرخ 31/10/2016 ايجازا لأعمالها وأهدافها كما شرح ذلك منسق اللجنة  الدكتور رياض النوايسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى