صفقة استيراد الغاز الاسرائيلي تعمق التبعية الاردنية للصهاينة

تلقى صفقة/اتفاقية استيراد الغاز الاسرائيلي رفضاً شعبياً واسعاً، حيث اعلنت غالبية الفعاليات الشعبية والحزبية والنقابية رفضها للاتفاقية، مدشنة في الوقت ذاته العديد من النشاطات الرافضة لتوقيع هذه الصفقة، ومن بينها حملة ”طفّي ضوّك” التي دعت لاطفاء الاضواء في البلاد لمدة ساعة، من الساعة التاسعة مساء وحتى الساعة العاشرة من مساء يوم الاحد الثاني من الشهر الجاري، حيث لاقت هذه الحملة رواجاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تأكيدات شعبية باستمرار الخطوات التصعيدية حتى الغاء الاتفاق الذي يعد تطبيعاً استراتيجياً مع كيان الاحتلال الصهيوني.
وكان الاردن الرسمي قد وقع نهاية شهر ايلول الماضي هذه الاتفاقية/ الصفقة التي يستورد بموجبها %40 من حاجته للغاز الاسرائيلي، ابتداء من عام 2020 بقيمة اجمالية تصل الى عشرة مليارات دولار.
وفي الوقت الذي ترفض الحكومة الافصاح عن تفاصيل الاتفاق للرأي العام، كما ترفض الاعلان عن الشروط الجزائية التي تضمنها الاتفاق، فقد اعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة انها لن تعرض الاتفاقية على مجلس النواب الجديد، كما ذكرت تقارير صحفية نقلاً عما اسمتها ”مصادر اردنية مسؤولة” اغفلت ذكر اسمها تأكيدها بان الاتفاقية الزمت الاردن استيراد ما لا يقل عن %75 من الكميات المتعاقد عليها طيلة فترة التعاقد التي تمتد 15 عاماً، وان الاتفاقية رتبت على الاردن شرطاً جزائياً لكي يلتزم باستيراد الكميات المتعاقد عليها.
ونسبت التقارير الصحفية الى تلك المصادر قولها ان الحكومة تستطيع التنصل من الاتفاقية في حالة واحدة هي اكتشاف كميات تجارية كبيرة من الغاز الطبيعي بالارض الاردنية، اما ما عدا ذلك فالاردن يخضع للشروط الجزائية، ما يعني ان الحكومة تتعمد عدم عرض الاتفاقية على مجلس النواب الثامن عشر مخافة ان يرفضها فتتكبد الحكومة حينئذٍ قيمة الشرط الجزائي الذي تتكتم عليه، وما يعني من جهة اخرى انها ستبذل قصارى جهدها لعدم الانصياع لرغبة الشارع والرأي العام الرافض لهذه الصفقة التطبيعية المكشوفة.
توقيع صفقة الغاز مع دولة الاحتلال الصهيوني اوجع الشارع الاردني واثار غضبه واشمئزازه ، فيما رجال الحكومة ”يفقعون” التصريح تلو الآخر دفاعاً عن هذه الصفقة ومدى ضرورتها واهميتها للبلاد والعباد.
مقابل هذا الدفاع الرسمي ”المستميت” ثمة معلقون ومسؤولون اسرائيليون يطلقون مزاعم، وتبجحات ”تفضح الطابق”، منها ما نشره الموقع الالكتروني لصحيفة ”يسرائيل هيوم” على لسان المستشرق الاسرائيلي افرايم هراري الذي قال ان موافقة حكومة الاردن على شراء الغاز من اسرائيل ودفع عشرة مليارات دولار لقاء ذلك، قد جاء لانها – اي حكومتنا الرشيدة- تعرف ان اسرائيل تساعدها في مواجهة التهديد الذي تمثله جماعة الاخوان المسلمين من الداخل- لاحظوا مقدار الخبث والدس الرخيص واثارة الضغائن الذي تنطوي عليه هذه الجملة- وتهديدات خارجية اخرى، متبجحاً بان اسرائيل تبدي الحرص على هدوء الاوضاع في الاردن، لانها معنية باستقرار الاوضاع على ”حدودها الشرقية”!!
ثم يتخذ هراري من الاتفاقية حصان طروادة، فيمتطيها مجاهراً ببجاحته حيث يقول ان رغبة الاردن في تمتين الشراكة مع اسرائيل تدلل على ان قوة اسرائيل العسكرية تلعب دوراً مهماً في جعل دول المنطقة تحرص على التقرب منها، وانه لنفس الهدف تقوم اسرائيل بتزويد الحكومة المصرية بالمعلومات الاستخبارية في حربها ضد ”الجهاديين” في سيناء، الى جانب دورها في التوسط بينها وبين اثيوبيا، وان انظمة الحكم العربي اكتشفت قدرة اسرائيل على مساعدتها في تجاوز تبعات ”الربيع العربي”.
وفيما يصر وزراء في حكومتنا على ”تسويق وتلزيق” الاتفاقية مستخدمين لغة عمومية فضفاضة من شاكلة انها في صالح الاقتصاد والصناعة الوطنية، وانها مصلحة وطنية ولا بديل عن ذلك، وانها خيار البلاد في الوقت الراهن.. يعترف وزير الطاقة الاسرائيلي الليكودي ”يوفال شطاينتس” بان الصفقة انقذت المسار الذي صادقت عليه حكومة كيانه للتعامل مع اقتصادات الغاز، مطالباً الاحزاب والحركات والمؤسسات الاسرائيلية التي اعترضت على المسار طلب العفو من الحكومة- حكومة نتنياهو-، مشدداً على ان اهم اسهامات الصفقة مع الاردن يتمثل في تمكين الشركات التي استثمرت في تطوير حقل ليفيتان من مواصلة التطوير وتحسين قدرات الحقل الانتاجية، منوهاً الى ان هذه الصفقة قد حولت اسرائيل ولاول مرة الى ”دولة منتجة للغاز الطبيعي”.
وفي حين يقول احد وزراء حكومة الملقي في تصريح صحفي نشرته يومية الدستور يوم السابع عشر من الشهر الجاري ”انه سيتم استيراد الغاز بكلفة رمزية، مقارنة بالكلفة العالية عند استيراده من الجزائر وقطر، خاصة بعد زيادة العبء على الخزينة العامة جراء انقطاع الغاز المصري الذي كان خيارنا قبل اللجوء الى الصفقة مع شركة ”نوبل انرجي”، اكدت صحيفة ”كاكيليست” وهي اكبر الصحف الاقتصادية في اسرائيل ”ان الاردن وافق على شراء الغاز من اسرائيل باسعار اكثر ارتفاعاً من السعر الذي كان بامكانه الحصول عليه من مصدر آخر”.
وتعقيباً على تصريح الوزير في حكومتنا الرشيدة ومنشورات صحيفة كاكيليست، تكشف عدة تقارير وتعليقات عن ان الاردن سيشتري الغاز من اسرائيل بسعر 8,5 دولار، وهو ذات السعر الذي يباع لليابان وكوريا بعقود طويلة الاجل، في حين ان سعر الغاز في اوروبا (حوض البحر الابيض المتوسط) هو حوالي 4,8 دولار، وبهذا السعر تقريباً تبيع الجزائر غازها لاوروبا، وكذلك اسعار الغاز الامريكي التي هي بحدود ثلاثة دولارات، اما سعر الغاز في السوق الفوري الاسيوي فهو بحدود خمسة دولارات.
المعقبون على هذه المعلومات يقولون بما ان الاردن واسرائيل اقرب الى السوق الاوروبي الذي سعر غازه 4,8 دولار، وليس السوق الياباني الذي سعر غازه 8,5 دولار، فان اتفاقية الغاز مع اسرائيل بمثابة سرقة لاموال الشعب الاردني، مثلما هي سرقة لموارد الشعب الفلسطيني الطبيعية، لافتين الى ان الهند البعيدة جغرافياً عن قطر بالمقارنة مع البعد الجغرافي ما بين الاردن وفلسطين المحتلة، قد دفعت خمسة دولارات مقابل وحدة الوزن الواحدة، ما يطرح سؤالاً حول اسباب موافقة الاردن على شراء الغاز بضعف سعره، مقارنة ايضاً بسعره في السوق الاوروبي الحوض متوسطي ؟
ففي سياق الرفض الشعبي الذي ذكرناه، وجه النائب السابق علي السنيد رسالة الى د. عبدالله العكايلة رئيس قائمة التحالف الوطني للاصلاح النيابية، حذر فيها من مغبة وضع الاسلاميين كواجهة لتمرير صفقة/اتفاقية الغاز ”.. مع ما ينطوي عليه هذا المشروع من مس بسيادة واستقلال البلاد، ومن مصادرة للقرار الوطني الاردني، ووضع الاردن تحت الهيمنة والوصاية الاسرائيلية، وافقاده لحرية قراره السياسي والوطني”، داعياً الى تكثيف وتحشيد الجهود النيابية لابطال الصفقة، والزام الحكومة بالتراجع عنها لعدم دستوريتها.
رسالة السنيد للعكايلة لم تأت من فراغ، فالرجل قاد ابان انعقاد مجلس النواب السابع عشر حملة استقالات نيابية جماعية احتجاجاً على حكومة د. عبدالله النسور لالزامها بوقف المشروع بعد ان اذعنت لمتطلبات اتمام الصفقة، وقد بلغت هذه الاستقالات نحو عشرين استقالة شملت شخصيات نيابية بارزة من ضمنها عبد الكريم الدغمي، وعبدالهادي المجالي، وامجد المجالي، ومحمود الخرابشة، وخليل عطية، ومحمد الرياطي، ومصطفى الرواشدة، وابراهيم الشحاحدة، وهند الفايز، ورلى الحروب، وعساف الشوبكي، وتامر بينو، وطارق خوري، حيث ادى هذا التحرك في حينه الى توقف الاجراءات التي شرعت فيها الحكومة السابقة، اذعاناً لرغبة جهات داخلية وخارجية في عقد الاتفاقية التطبيعية المشبوهة.
راهناً، وبعد ان ابرمت حكومة الملقي الاتفاقية، وقررت عدم عرضها على مجلس النواب الجديد، يدور السؤال حول النتائج التي ستحققها النشاطات الاحتجاجية المتصاعدة ضدها من منطلق انها بمثابة مشروع استعماري خطير وغير مسبوق في تاريخ العلاقات الرسمية مع الصهيوني الذي سعى لاتمام الصفقة باعتبارها اكبر عملية تطبيع في تاريخ المملكة، وبحيث يصبح كل بيت اردني، او مرفق عام، او مؤسسة او شركة مطبّعاً ويعتمد على هذا الغاز، وبالنتيجة فان الاعتماد عليه سيجبر الحكومات الاردنية، من منطلق حرصها على تأمين وصول الغاز بشكل يومي الى البلاد، لتقديم تنازلات متواصلة للعدو الصهيوني، علاوة على انه سوف يربط الاقتصاد الاردني ربطاً قسرياً بالاقتصاد الاسرائيلي، ويضع الشعب الاردني تحت رحمة عدوه التاريخي.
حكومة الملقي لم تكتف بالتوقيع على بنود هذه الاتفاقية الكارثية في خطوة تسبق انعقاد مجلس النواب الثامن عشر باسابيع قليلة لوضعه امام الامر الواقع، ومصادرة حقه في الاعتراض، بل شككت بجبهة المعارضين لها، زاعمة بان جهات متضررة تقف خلف الحملة الشعبية الواسعة التي تناوئ الصفقة، وهذا يتطلب من القوى المناوئة والمعارضة للتطبيع مع الاحتلال اجتراح وابتكار ادوات ضغط سلمية وحضارية تضع رهط المطبعين امام المرآة ليروا بشاعة ما يقارفونه فيغادرون الصفوف التي حشروا انفسهم فيها الى الفضاء الوطني الرحب الذي لا مكان فيه للدنس الصهيوني واعوانه واذياله.
ختاماً.. نحن لم نتفاجأ بحجم الرافضين والمعترضين على الاتفاقية/الصفقة مع شركة نوبل انرجي التي تستثمر في الغاز الذي تسرقه اسرائيل من شواطئ فلسطين المحتلة، باعتبار ان اسرائيل كيان احتلال ودولة عدوة بكل المقاييس، وان مخططاتها ومشاريعها التوسعية والعدوانية تطال جميع العرب، ولم تنج من ذلك حتى الدول التي وقعت معها اتفاقيات سلام، لكن ما فاجأنا هو حجم المتذيلين للصهاينة والمتهافتين على اعتابهم طلباً للتطبيع والتنسيق واقامة المشاريع المشتركة.
هذا التذيل والتذلل لا يكشف مدى التغلغل الاسرائيلي في مفاصل الادارة الرسمية، ومدى قوة نفوذ ”حزب اسرائيل” في الدوائر الرسمية في الاردن وحسب بل في معظم الدول العربية بكل اسف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى