حول الذكرى السنوية الاولى لانتفاضة الاقصى

يطيب لنا ان نتحدث اليوم عن الذكرى السنوية الأولى للأنتفاضة الشعبية داخل الوطن الفلسطيني المحتل, التي اندلعت شرارتها من القدس وسط أشد الظروف والمستجدات التي تمر بها أمتنا العربية, وخاصة ما يجري في سورية من مؤامرة كونية كبرى منذ خمس سنوات , حيث حملت انتفاضة شباب فلسطين عدة دلالات هامة وحقائق على كافة الصعد , اولها واهمها الرد الحازم على سياسة العدوان الصهيوني المستمر على شعبنا في تهويد الضفة الغربية والقدس بشكل خاص , ومحاولاته الدخول إلى المسجد الأقصى للسيطرة عليه, متوهماً أنه قد أخضع الشعب الفلسطيني.

لقد اندلعت هذه الانتفاضة على يد جيل يرفض الاحتلال شكلا ومضمونا.. جيل لم تقنعه اتفاقية أوسلو الكارثية ولا المفاوضات مع الكيان والبحث عن تسويات.. جيل أدرك حقيقة هذه المفاوضات الخطيرة التي سمتها التنازلات والتي سيكون من نتائجها إتفاق أسوأ من أتفاق أوسلو وبشروط الكيان الصهيوني, أي وضع الحقوق الفلسطينية في موقع التصفية النهائية.

هذه الانتفاضة منسجمة مع تاريخ شعبنا النضالي وهي أحدى حلقات هذا النضال , الذي يتجلى في شعب مقاوم يستحضر القضية ويعيد لها حضورها وبهائها , مشهد يظل يؤكد أنه ليس من حق أحد أن ينهي القضية ويسدل التراب عليها , هذه الانتفاضة تقول لكل المتأمرين , فلسطين وطن للشعب الفلسطيني , مهد الديانات والحضارات والمقدسات على أرضها أشتعلت المعارك الخالدة وعلى أرضها هزم الغزاة واندحروا , فلسطين أكبر من أوسلو وأصحاب أوسلو , ووادي عربة, وكامب ديفيد , وأكبر من الخانعين والمهزومين من بعض الحكام العرب , وأكبر من الرباعية وبلير وبان كيمون ومنظمته , ومن تدخلات الرباعية العربية السافرة.

نقول لكل هؤلاء من العرب , إذا كنتم مقتنعون بأن فلسطين عربية  فلماذا التنازل عنها ؟ وهل من حق أحد أن يتنازل عن شبر واحد من الأرض ومن الوطن , وهل شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية فوضت أحدا للتنازل للعدو عن الوطن ؟  فإذا كانت الظروف لا تسمح بالتحرير الشامل والكامل ، فليس البديل التنازل وبيع الوطن والتسليم للعدو الصهيوني , البديل الحقيقي هو المقاومة وإدامة الاشتباكات مع هذا العدو  مهما طال الزمن.

لقد أثبتت الانتفاضة أن شعبنا الفلسطيني هو جزء من محور المقاومة , وأكدت حقيقة هامة أن الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق هو بتراكم أعمال المقاومة , وأن طريق المقاومة والانتفاضة والكفاح يشكل الأمل باستعادة حقوقنا في فلسطين كاملة غير منقوصة.

في هذا العام تتعاظم التحديات على أمتنا العربية وشعبنا الفلسطيني وتكثر مشاريع التجزئة والتفتيت والهيمنة والتدخل الأجنبي , فحركة التاريخ في مفهوم أمريكا والعالم الغربي تمضي إلى صياغة عالم لهم دون غيرهم , حيث تتملكهم نزعة العنصرية والتفوق البغيض في  العرق , وهي نزعة تتطابق مما لدى اليهود والصهاينة في نظرتهم للغير , لهذا عاشت المنطقة مخاطر كبرى , ومخاض ثورة الفوضى الخلاقة التي سميت عند البعض ( الربيع العربي ) لخلق أعداء وهميين وحروب لبث الفتنة بين أبناء الأمة الواحدة , من أجل التمهيد أمام المشاريع الأمريكية التي تسعى إلى ضرب محور المقاومة وفرض حل على الشعب الفلسطيني يضمن المصالح العليا للكيان الصهيوني وحمايته.

تصدت سوريا العربية المقاومة بحزم لهذه المشاريع المعادية وبنت تحالفاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكل قوى التحرر العربية والإسلامية وكل الدول التي ترفض سياسة الهيمنة والاحتلال مبنية على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة باستقلال وسيادة قرارها .

كانت سورية ولا زالت بقيادة الرئيس بشار الأسد القلعة العربية الصلبة في مواجهة الكيان الصهيوني , وقدمت لفلسطين على امتداد عمر القضية الفلسطينية من الدعم والمساندة للحفاظ عليها من خطر التصفية النهائية , ودعمت المقاومة في لبنان ووقفت ضد كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني داعمة الجماهير العربية, مما أدى إلى سقوط مشروع الولايات المتحدة ” الشرق الأوسط الجديد ” ومنذ خمسة أعوام مضت تتعرض سورية وتواجه مؤامرة كونية من أعتى المؤامرات من قبل أعداء أمتنا امبرياليين وصهاينة ورجعيين وتكفيريين , ومن بعض الحكام العرب الحاقدين مستخدمين أداة الإرهاب الأسود الحاقد.

وتواصل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وعملائها في منطقتنا , حربها على محور المقاومة  وأرسلت كل طواغيت العالم  وإرهابييه إلى سوريا , وفرضت العقوبات على الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحليف الأساسي في محور المقاومة الثابت بالدعم لسورية والمقاومة في لبنان وفلسطين , هذه الثورة الإسلامية التي حملت من المبادىء والفكر والتطور في مجالات شتى خلاصتها  ” عزة الإنسان وكرامته ” وبناء حضارة إنسانية ملتزمة بالقيم الإسلامية الرفيعة , التي أرتكزت على النص القرآني والسنة النبوية , فكشفت بذلك زيف أدعياء الإسلام ( أسلام أمريكا ) الذين يستغلون الدين للتسلط والهيمنة , كما هو في نموذج الإسلام التكفيري الوهابي البغيض , حيث تعاني أمتنا وسوريا بشكل خاص من إرهابه  بممارسة  القتل والتخريب وقطع الرؤوس وأكل الأكباد لهدم الحضارة الإنسانية بإثارة الفتن والاختلاف في الدين والتفريق بين المذاهب والأعراق.

هذه هي الثورة الإسلامية الإيرانية التي جعلت من استرجاع القدس من أيدي الصهاينة في صلب العقيدة الإيمانية للمسلمين وفلسطين في هذه الثورة القضية المركزية للشعب الإيراني , ومن هنا نحيي الجمهورية الإسلامية الإيرانية قيادة وشعبا على كل مواقفها الداعمة لسورية وفلسطين والمقاومة في لبنان.

ورغم هذه الظروف الصعبة والخطيرة وأتساع حجم المؤامرة , نجحت سوريا في صد هذه الهجمة الشرسة وغير المسبوقة , بفضل قيادتها الحكيمة وجيشها العربي السوري وشعبها الأبي الذي ألتف حول قيادته , بدعم من إيران والدول الصديقة لسوريا , روسيا والصين والهند ودول البريكس ومعظم الدول الحرة المستقلة  , بهذه المناسبة  نوجه التحية إلى روسيا الاتحادية وإلى

الرئيس الروسي بوتين اللذين يشاركون الجيش العربي السوري في مواجهة الإرهاب والإرهابين التكفيرين إلى جانب حلفاء سوريا.

لا زالت سورية توجه الضربات الشديدة لأطراف المؤامرة الرجعية العربية والإسلامية المتمثلة في السعودية وتركيا وغيرهما أولئك الذين يشنون الحروب ضد الأمة  العربية وضد محور المقاومة , وأننا اليوم ندين ونستنكر بشدة العدوان السعودي على اليمن الشقيق.

نؤكد وقوفنا الحازم إلى جانب الشقيقة سورية في محنتها قيادة وشعبا وجيشا , ونحن لسنا حياديين في الموقف من سوريا فالبعض من الفلسطينيين  منذ الأيام الأولى للأحداث في سوريا , رفعوا شعارا عدم الزج بالفلسطينيين فيما يجري على الساحة السورية , هل هذا القرار بيدكم يا أصحاب هذا الشعار , فالمجموعات الإرهابية التكفيرية هي التي استهدفت  المخيمات الفلسطينية من بداية هذه المؤامرة وهي التي هجرت أبناء مخيماتنا في درعا والحسينية والسيدة زينب واجتاحت مخيم الرمل الجنوبي , وتجمعات الفلسطينيين في أكثر من مكان, وهي التي هاجمت مخيم اليرموك وقتلت وأعدمت فكيف يمكن أن نحيد أنفسنا عما يجري في سوريا , أليست أحد أهم أهداف المؤامرة هو تصفية القضية الفلسطينية وتهجير  الفلسطينيين من مخيمات سوريا, فالموقف الواقعي ومن حيث المبدأ أن نقاتل دفاعا عن سوريا لأنه دفاع عن فلسطين , سورية هذه التي أرسلت الجيش العربي السوري للدفاع عن الثورة الفلسطينية في لبنان عام الاجتياح 1982 ودفعت ثمنا غاليا من خيرة جنودها وضباطها  000 14 شهيد  فالمتآمرين اليوم على سوريا هم من باعوا فلسطين وتآمروا عليها , وكانوا أحد الأسباب في ضياع فلسطين ونكبتها , وشواهدنا كثيرة على ذلك.

نؤكد وقوفنا مع محور المقاومة ومع حزب الله الذي لعب دورا هاما في سوريا, وإلى بعض القوى اللبنانية والعربية الذين وصفوا حزب الله بالإرهاب , نقول لهم: إن دخول حزب الله في سوريا وهو الدخول الأول للدفاع عن سورية في محنتها هذه , فإن الدخول الثاني لحزب الله بمشاركة الجيش العربي السوري والإيراني والمقاومة الفلسطينية سيكون إلى الجليل الأعلى , بعد الانتصار الكبير في دحر المؤامرة وكل القوى العميلة المتآمرة على سورية والأمة العربية.

إن انتصارات الجيش العربي السوري وقربه من تحرير مدينة حلب بالكامل, زادت من هستيريا أمريكا وحلفائها , فانتقلوا من القلق والاتهام إلى التهديد والوعيد , بعد أن أدركوا أنهم اليوم أقرب إلى إعلان الهزيمة في الملف السوري من أي وقت سابق , فالدعم العسكري الروسي والإيراني صب في صالح الجيش العربي السوري الذي أثبت عبر هذه السنوات الخمس, بأنه عصي على الأنهيار.

ونحن نحيي الذكرى الأولى للأنتفاضة, مطلوب أن نسمي الأشياء بأسمائها, فالموقف الرمادي في قضايا الأمة وسوريا بالتحديد, يصب في الموقف الآخر ولن يشكل حماية للذات أو حماية للقضية أو الانتفاضة, علينا مواجهة الذات والاعتراف بأن الخلل هو الرهان على عودة أولئك اللذين يتمسكون بأتفاقية أوسلو وبالمفاوضات مع الكيان الصهيوني , وقبولهم التعايش معه والتعاون الأمني ضد المقاومة , وأكثر من ذلك العناق وذرف الدموع على القاتل شمعون بيريز , ويجب الوقوف في وجه البعض من الدول والحكومات التي تهرول للتطبيع مع الكيان , هذا الأقبال والعناق لقادة الكيان الذي أصبح علنا بلا خجل وحياء , هؤلاء الذين أطلقوا الحملات الظالمة والعواصف على سورية ومحور المقاومة , الذين أداروا ظهورهم لفلسطين وأخذوا قادة الكيان بالأحضان.

إن أحرار وشرفاء الأمة ومحور المقاومة  وعماده سورية العربية الشقيقة والجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله , والمقاومة الفلسطينية , وكل المناضلين في أمتنا والمقاومين للتطبيع والمشاريع الاستعمارية , سيظلون هم حماة القضية والانتفاضة , حاملين راية فلسطين  حتى التحرير الكامل.

تحية إلى شهداء الجيش العربي السوري والشعب السوري , اللذين يواجهون عصابات التكفيريين , وتحية إلى شهداء إيران والمقاومة الإسلامية اللذين تعانقت أرواحهم الطاهرة مع شهداء فلسطين وسوريا , تحية إلى كل الشهداء والمناضلين في كافة الوطن العربي والإسلامي الذين يجسدون المعاني الكفاحية من أجل تحرير فلسطين, كل فلسطين من الاحتلال الصهيوني, ومن رجس التكفيريين وأسيادهم.

وفي الاخير,  تحية إلى شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج, وإلى الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني.

* أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح/ الانتفاضة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى