دعوة حارة لتدارك الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للناس قبل فوات الاوان

بعيداً عن التجمل والمحافظة على الشأن المظهري، من الواضح ان اغلب المواطنين لم يعودوا قادرين على التعبير عن فرحهم بمناسبات الاعياد وغيرها بسبب عجزهم عن الوفاء بمتطلباتها المالية والاجتماعية
اجمع الخبراء والمراقبون على ان اشهر هذا الصيف بما فيه من مناسبات، جعلت المواطن يعيش صراعاً حاداً للتوفيق بين دخله المالي ونفقاته الاسرية من جهة، وبين هذا الدخل ومتوالية ارتفاع الاسعار التي لا يقر لها قرار من جهة اخرى، علاوة على محاولاته اليائسة للتكيف مع القرارات الحكومية، قديمها وجديدهما، ما يعني ان عامة الناس كانوا رهن دوامة مهلكة وهم يحاولون المواءمة بين ما يتوفر لديهم من اموال ومتطلبات حياتهم افراداً واسراً.
مناسبة هذا الكلام ان مناسبة عيد الاضحى الاخير واجازته الطويلة نسبياً قد كشفتا عن ظروف واوضاع معيشية صعبة يعيشها المواطن منذ ان حاول التكيف مع اعباء شهر وعيد رمضان المنصرم، ثم تكاليف العودة للمدارس، ثم انتظام الدراسة في الجامعات، وصولاً الى الاحتفال بعيد الاضحى.
وبعيداً عن التجمل والمحافظة على الشأن المظهري، فمن الواضح ان كثيراً من المواطنين لم يعودوا قادرين على التعبير عن فرحتهم بهذه المناسبة وغيرها من المناسبات التي تفرض اكلافاً مالية اضافية كالمشاركة في الافراح على اختلافها، والاتراح وما يترتب عليها من واجبات.
وحول هذا الشأن يقول المراقبون ان هذه المناسبات وغيرها قد تحولت الى مشكلات مجتمعية حقيقية، والى مآزق يعاني منها المواطنون، وهي تؤرقهم بأحمالها المضافة لاعبائهم، والتي يرافقها معدل دخل يتراجع كقيمة حقيقية، وكنسبة من الناتج المحلي، بالاضافة الى معدل رواتب يكاد يظل ثابتاً في مقداره الذي يدور في فلك الاربعمئة دينار شهرياً.
وفي تعقيبهم على هذا الامر يقول محللون اقتصاديون ان مجمل هذا العبء يضع الجهات المعنية امام تحدي مواجهة النتائج المترتبة على تضعضع دخل المواطن وانعدام فرص زيادته او تحسينه بغياب الخطط والبرامج التي تؤدي لرفع معدلات النمو الاقتصادي التي بالكاد تزيد على %2,5، وثقافة الاستدانة التي تضرب الجميع- الحكومة بنسبة مديونية تصل الى %49 من الناتج المحلي الاجمالي، والشعب الذي ارتفعت نسبة مديونية افراده خلال الاعوام الخمسة الاخيرة، من %53,6 عام 2010 الى %69 عام 2015.
ويقولون ان هذه الاوضاع ضربت قطاعات اقتصادية عديدة، حيث اظهرت نتائج دراسة ميدانية اجرتها نقابة تجار الالبسة والاقمشة على مناطق محددة من العاصمة عمان، تراجع مبيعات تجار وسط البلد بنسبة %60، وتراجع الحركة في المراكز التجارية ”المولات” بنسبة %30.
وفي هذا السياق نقلت التقارير عن مسؤولين في النقابة بأن شراء الالبسة خلال عيد الاضحى الذي يشكل اولوية في الاعياد ويؤشر على البحبوحة المالية ويحظى باهمية كبرى، لم يعد اولوية عند اغلب المواطنين في ظل ارتفاع كلف المعيشة وتوزيع الدخل على الغذاء ودفع بدل الايجارات وفواتير الماء والكهرباء، وغير ذلك من الخدمات والضرورات، مؤكدين ان الحركة التجارية على مختلف محال الالبسة شهدت هبوطاً حاداً خلال ايام ذلك العيد.
التقارير ذاتها نقلت عن سلطان علان نقيب تجار الالبسة والاحذية والاقمشة تشخيصه للخلل، قائلاً ان من اسباب الهبوط المشار اليه تراجع القوة الشرائية المحلية، وعدم القدرة على استقطاب القوة الشرائية الخارجية بسبب الرسوم والضرائب المفروضة على القطاع، ما افقد التجار منافستهم للاسواق الاخرى القريبة، وخاصة الاسواق الخليجية والتركية، علاوة على تراجع الحركة السياسية وانخفاض الدخل السياحي على شراء الالبسة، مطالباً الحكومة بتحفيز القطاع من خلال حزمة اجراءات اهمها تخفيض الضرائب والرسوم على القطاع، واعادة تنظيم عمليات البيع الالكتروني.
بالمقابل، بين اسعد القواسمي ممثل قطاع الالبسة والمجوهرات في غرفة تجارة الاردن تراجع مبيعات الالبسة خلال عيد الاضحى بنسبة %60 مقارنة بمواسم الاعياد السابقة، مفصلاً ذلك بالقول في تصريح صحفي ان حجم استيراد الالبسة لموسم عيد الاضحى المبارك بلغ نحو 51 مليون دينار، فيما بلغ حجم مبيعات الالبسة نحو سبعة ملايين دينار، مبيناً ان تزامن العيد مع بدء العام الدراسي ساهم بتراجع الطلب على الالبسة والاحذية، اضافة الى قرار الحكومة الاخير المتضمن الغاء قرار تخفيض الضرائب والجمارك على الالبسة والاحذية، ما انعكس سلباً على الاسواق حيث ادى هذا القرار الى احجام التجار عن الاستيراد، نظراً لارتفاع الاسعار وضعف الطلب، مطالباً باعادة النظر بقرار الغاء تخفيض الضرائب والجمارك المشار اليه لما له من انعكاسات سلبية تطال طرفي المعادلة، المستورد والمستهلك.
في هذا السياق كان مسح نفقات الاسر في الاردن لعام 2014 قد قدر الاهمية النسبية لنفقات الاسرة الاردنية على الملابس بنحو %3,93، وعلى الاحذية بنحو %1,03، بحجم انفاق على ملابس الرجال بلغ 95 مليون دينار سنوياً، وعلى الملابس النسائية بنحو 120 مليون دينار، وملابس الاطفال بنحو 18 مليون دينار، فيما يقدر حجم الانفاق على الاحذية بنحو 82 مليون دينار.
بعيداً عن اولويات شراء الملابس من عدمها، لاحظ المراقبون ان المترشحين للانتخابات النيابية قد وجدوا في مناسبة العيد فرصة سانحة لترويج انفسهم، حيث يرى المراقبون ان المقرات الانتخابية زادت من فرص التفاعل والالتقاء، الى جانب الدواوين والمضافات، فكانت الانتخابات والقوائم وآليات تشكيلها والمترشحون وقانون الانتخاب وفرص الفوز مدار الحديث الطاغي على تلك اللقاءات.
لحوم الاضاحي، والملابس، والطرد الغذائي كانت حاضرة في ايام العيد حيث ينقلها اتباع المترشحين يميناً ويساراً بغية استقطاب الناس وشراء ودهم طمعاً في منح اصواتهم لهذا المترشح ”المحسن” او ذاك، فيما عمد آخرون الى توزيع كوبونات شرائية تحت يافطة العمل الخيري، بينما الغاية الاساس هي تفعيل مبدأ ”اطعم الفم تستحي العين”، وبالتالي فان حاجة الناس وفاقتهم وضعف قدرتهم الشرائية صارت وسيلة لجذب الاصوات، تحت يافطة العمل الخيري والرغبة في الاحسان.
هذا الاستغلال دفع بالمراقبين الى استنكار هذا الفعل، وقالوا ان استغلال العمل الخيري لاغراض شخصية او سياسية- اي تسييسه – لا يختلف عن الرشوة التي يدفعها مترشح للانتخابات للناخبين ليقترعوا لصالحه، او عن تزويرها لصالحه مقابل وعد بخدمة لاحقة.
وفي سياق توضيح اسباب استنكارهم لهذا الفعل الممجوج قال المراقبون ان استراتيجية الخير تقتضي قيام الدولة بواجبها- اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وصحياً وادارياً- تجاه جميع مواطنيها بلا تمييز، وبحيث تخرجهم ببرامجها وخططها من دوائر الفاقة والفقر، او النسيان والاهمال او عدم السؤال، وعندما تتلكأ الدولة او تتغاضى عن هذا الواجب او تفشل فيه او تفسد، يجب ان تنبري مؤسسات المجتمع المدني والمثقون الى الضغط عليها لتقوم بواجباتها نحو اولئك المواطنين، لان العمل الخيري العارض لا يستطيع ابداً قطع دابر تلك المشكلات، ومعالجة تلك العلل.
من جهة اخرى وللدلالة على قصور الدولة الاقتصادية، سواء لجهة عدم ضبط جنون الاسعار وجشع التجار، او الكف عن تحميل المواطن فوق طاقته باستمرار ”حلبه” ضرائبياً وتكليفه باعباء لا طاقة له بها، قال تقرير مالي متخصص ان الاردنيين ينفقون %69 من دخلهم للوفاء بالتزامات ديونهم، وان مديونية الافراد في الاردن من اعلى النسب عربياً.
جاء ذلك في تقرير الاستقرار المالي الصادر عن البنك المركزي الشهر الماضي، وبين ان نسبة مديونية الافراد في الاردن خلال الاعوام من 2010 الى 2015 قد ارتفعت من %53,6 الى %69 العام الماضي، وقد جاء هذا الارتفاع كنتيجة طبيعية للظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة وتداعياتها السلبية على الاردن، حيث سجلت هذه المديونية 9,75 مليار دينار نهاية العام الماضي، مقارنة مع 14 مليار دينار هو معدل الدخل السنوي للاسر، وانها ارتفعت من 8,8 مليار دينار نهاية عام 2014 الى 9,7 مليار دينار نهاية العام الماضي، اي بنسبة نمو بلغت %10,5، مقابل نسبة نمو بلغت %15,7 في عام 2014.
وقال التقرير ان مديونية الافراد بشقيها القروض الاستهلاكية والسكنية ارتفعت الى نحو 900 مليون دينار، وبنسبة %15,9 لعام 2014، حيث تركز ارتفاعها في القروض الشخصية والقروض السكنية، اما نسبة مديونية الافراد لدى المؤسسات المالية غير المصرفية، فقد ارتفعت من 730,5 مليون دينار نهاية عام 2014، الى 781,1 مليون دينار نهاية العام الماضي، اي بنسبة نمو بلغت %7، مشيراً الى ان نسبة مديونية الافراد الى دخلهم السنوي هي من اعلى النسب بين عدد من الدول العربية، وخاصة البحرين والامارات والسعودية.
خلاصة الكلام.. ان هذه الظروف الصعبة والضاغطة تصدرت احاديث الناس في اغلب المناسبات، وبضمنها ايام العيد، وصارت فرصاً للشكوى من ظروف المعيشة والبطالة التي تضرب اغلب الاسر الاردنية، لدرجة ان العديد من المراقبين وصفوها بانها تشكل احد مظاهر الاستثمار المهدور في تعليم الابناء، دون الاستفادة من هذا الاستثمار لتحسين دخل الاسرة ودخل المواطن المتعطل نفسه، او الاستفادة من الطاقات البشرية المعطلة لتطوير قدرات المجتمع الاقتصادية، او هو يخسر تباعاً، اما بتحويلها الى مجرد مستهلكين او مهاجرين الى الخارج.. والاخطر من هذا وذاك تحويلها الى اهداف لتنظيمات ارهابية تستثمر في البطالة وعجز المجتمعات عن توفير فرص العيش الكريم لابنائها، مبينين انه لا يمكن فصل الاجتماعي عن الاقتصادي عند الحديث عن صعوبة الظروف المعيشية، فكلها امور متداخلة، ومشددين على انه آن الاوان لطرح الافكار والمشاريع واتخاذ القرارات التي تسهل معيشة الناس، اذ ليس المطلوب من المواطن الذي يتضور ضرائب ورسوماً واسعاراً مرتفعة ودخولاً متراجعة، ان يواصل شد حزامه على بطنه، ما يجعل مجرد محاولته الفرح او الاحتفاء بالعيد او احدى المناسبات عبئاً مكلفاً مالياً، ومرهقاً اجتماعياً، وغير متسق مع حقيقة اوضاعه المعيشة انسانياً، ولسان حاله يقول : متى تتغير الاحوال ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى