تدني نسبة المشاركة بالانتخابات تفرز مجلساً دون مستوى الرهانات

اخيراً ذاب الثلج وبان المرج، فقد تمخضت صناديق الاقتراع فولدت مجلساً نيابياً جديداً لا يختلف في سويته ونوعيته عن المجلس السابق، رغم اختفاء قانون الصوت الواحد السيئ الذكر، واعتماد قانون انتخابي آخر، اتضح انه ”معلول” وغير قابل للاستمرار.
ورغم ان احداً لم يكن يتوقع ان يشكل المجلس الجديد قفزة واسعة الى الامام، او نقلة نوعية باتجاه تعميق التجربة الديمقراطية، الا ان هذا المجلس جاء دون مستوى ادنى رهانات الذين راهنوا على نجاعته وكفاءته.
المراقبون الذين عكفوا على قراءة الخرائط الانتخابية ومخرجاتها، توقفوا عند تدني نسبة المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات والتي ناهزت %37، ما يعني ان كل الرسائل الاتصالية الاقناعية التي بعثتها الهيئة المستقلة للانتخابات واجهزة الحكومة، وكلفت عشرات آلاف الدنانير لم تأت أكلها : بل فشلت في اقناع الناخب بالتوجه الى مراكز الاقتراع، حيث جاء ركونه الى القعود مبنياً على هواجس بعدم انتاج مجلس نواب فاعل وقوي، او بسبب شكوكه – رغم عدد المراقبين الدوليين والمحليين الكبير- باحتمالات التلاعب بمحتويات الصناديق.
وفي الوقت الذي كان يفترض ان تشكل مشاركة الاحزاب علامة فارقة، كمقدمة لانتاج حكومات برلمانية برامجية مستقبلاً، لوحظ ان الاحزاب المشاركة قد اتكأت على كاهل العشائرية في خوضها للانتخابات، فبدت وكأنها غير واثقة من قدرتها على الفوز بصفتها الحزبية، فكانت القوائم والتحالفات هي الجسم الذي توارى الحزبيون خلفه، آملاً في الحصول على ثقة الناخبين.
في هذا الاطار لاحظ المراقبون ان العشيرة شكلت محور العملية الانتخابية، وبينوا ان 37 عشيرة قد حصدت معظم مقاعد مجلس النواب، في حين حصدت 16 عشيرة ثلاثين مقعداً، وحصلت الاحزاب الوسطية على 13 مقعداً، فيما حصل ائتلاف التيار القومي واليساري على اربعة مقاعد.
وباستثناء تحالف الاخوان المسلمين، الذي قد تنفرط بعض حبات عقده اثناء الممارسة العملية تحت القبة، فان المراقبين يتوقعون ان لا تتغير صورة تشكيل الكتل في المجلس الجديد عن نظيراتها في المجالس السابقة، ولولا ضعف حكومة الملقي لما اختلفت علاقة المجلس بها عن العلاقات السابقة بين المجالس والحكومات، خاصة وان التقديرات تشير الى ان نواب الخدمات هم الابرز بين الناجحين، ويبلغ عددهم 39 نائباً من المجلس السابع عشر، و17 نائباً من المجالس السابقة.
ويرى المراقبون ان اداء النواب سيكون على المحك في وقت قريب، فمجلس النواب سيكون امامه ثلاثة ملفات كبيرة، اولها انتخاب مكتبه الدائم ولجانه، وثانيها جلسات الثقة بالحكومة، وثالثها مناقشة مشروع الموازنة واتفاقية استيراد الغاز الاسرائيلي وغيرها، وهذه منعطفات من شأنها مساعدة الرأي العام على معرفة شكل هذا المجلس ومدى اختلافه عن المجلس السابق.
معظم المراقبين يعتبرون ان مخرجات الانتخابات الاخيرة لا تختلف عن سابقاتها – باستثناء حضور الاسلاميين، الذين ابعدتهم عن المجالس السابقة قراراتهم بالمقاطعة- وان المجلس الثامن عشر من شاكلة سابقه، مع ملاحظة غياب العديد من الاسماء الوازنة عن هذا المجلس جراء اخفاقها بالانتخابات، وبالتالي فان المراقبين لا ينظرون بتفاؤل للقادم الجديد متوقعين كتلاً هلامية، وفوضى، وعلاقات متوترة مع السلطة التنفيذية التي ينتظر ان لا تحظى بثقل نيابي مستقر.
هذا الاستخلاص التشاؤمي، يرد المراقبون مشكلته الى البيئة السياسية والاجتماعية، ويتهمونها بانها لا تعطي المجال لتحسين مخرجات العملية الانتخابية بصرف النظر عن هوية وماهية القانون الانتخابي، ويقولون ان كل قوانين الانتخاب اخذت في الاعتبار عند تصميمها وجود احزاب سياسية متنافسة، في حين ان الاردنيين – رسمياً وشعبياً- انشغلوا لسنوات طويلة في جدل لا ينتهي حول افضل الانظمة الانتخابية، واهملوا ملف الاحزاب السياسية، وتجاهلوا الحاجة الموضوعية لربط قانون الانتخاب بحياة حزبية سليمة.
استقراء الخرائط الانتخابية التي افرزت المجلس النيابي الثامن عشر، يشير الى ان المال الاسود كان مهيمناً، سواء عند تشكيل القوائم، او عند شراء ذمم الناخبين، وبطرق التفافية، يصعب على الجانب الرسمي اكتشافها بسهولة، وبالتالي فان العديد من الناخبين هم من الذين انفقوا بلا حساب، حباً في الوصول الى مقعد القبة لغاية في نفس ”يعقوب”.
غير ان المفارقة اللافتة للانظار، تمثلت في اخفاق جمعية الاخوان المرخصة ”جماعة الذنيبات” في الانتخابات بشكل واضح، اذ لم ينجح احد منها، حيث خاضت الانتخابات بقائمة واحدة هي ”قائمة البناء والتجديد” التي ترسخت في دائرة اربد الثالثة.
وكان القائمون على الجمعية قد ذكروا في تصريحات صحفية ان الجمعية ستخوض الانتخابات بست قوائم، قبل ان تتراجع الى قائمة واحدة، في حين ان النائب ”ابراهيم ابو العز” الذي تقول التقارير انه ينتمي اليها، قد حقق نجاحه من خلال ”قائمة المنار” في العقبة، بعد ان ترشح بصورة فردية.. والسؤال هنا حول مدى شرعية وشعبية ومستقبل هذه الجمعية التي حظيت بدعم مالي ومعنوي واعلامي كبير، في ظل حضور برلماني للجماعة غير المرخصة قوامه 15 نائباً.
الاغرب من كل ذلك، هو الاعتداء الذي وقع في وضح النهار على عدة مراكز اقتراع في دائرة بدو الوسط، ذلك لان هذا الاعتداء يشكل سابقة خطيرة وتطاولاً على هيبة الدولة، وتشكيكاً في نزاهة العملية الانتخابية ومصداقية الهيئة المستقلة للانتخابات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى