في ذكرى الزعيم جمال عبد الناصر
بقلم : إنصاف قلعجي
ترممّني ذكراكَ.. فأراكْ
في كلّ الوجوهِ الصابرةِ أراكْ
في كلّ الأيدي القابضةِ على الجمْرِ أراكْ
في قناديلِكَ المزروعةِ على دروبنا
أراكْ..
في الشّفَقِ الدامي ينتظرُ نهايةَ المخاضِ
في أكُفٍّ تَبْتَهلُ إلى اللّهِ
في صرَخاتِ المظلومينَ
تشْهَقُ في أعماق اللّيلِ
أراكْ..
تُرَممّني ذكراكَ
فأحيا من جديدْ
كأنّه ذاكَ الحلم.. حلمٌ مرّ ذات صباً جميل..
هكذا هو.. مرّ
مرّ الحلم العروبي الجميل، كأنّه رفّة عين، شهقة قلب، رعشة ذاكرةٍ تغفو على زمنٍ غابرٍ، لكنّه ترك شروشَهُ تنمو في وجداننا..
مرّ حلمٌ ما.. وتلاشى في أشلاء الغروب يحملُ بقايا ما كان في القلب، وفي الروح.
مرّ في صبانا ونحن نعانق حروف” وطني حبيبي الوطن الأكبر”.. و” لآخر مدى ثوار”.
يمرّ العمر، يطوي الأيامَ والشهورَ ليأتي نهاية أيلول مبللا ببقايا دموعٍ معلقةٍ على جدران الذاكرة.. هل بقيتْ ذاكرةٌ ما.
مرّ مثل طيف خفيفا خفياً، لكننا أثقلنا قلبه النقي بالأوجاع، والخلافات، والتآمر. وما نزال، يا سيدي، نعيش في عصر عنوانه: الكذب الكثير والدم الكثير.
كم.. قتلناك. وقد مرّ عمرٌ جميلٌ بهيٌّ تحت ظلالك. نرفع قاماتنا أعلى وأعلى، والحرية تتنفس بكل رئتيها، وتهتف: لقد عشنا زمان عبد الناصر، زمان كان كلّ ما حولنا يصدح بثوار ولآخر مدى ثوار.
لكنهم ” قتلوك يا آخر الأنبياء” كما قتلوا كل عروبي بعدك. ووضعوا أيديهم بأيدي كل من تحالف ضد أمتنا، وكان بريق الدولار يعمي أبصارهم.
كانت “منشية البكري” تتبع القلب كلما زرت المحروسة. وكان قبرك محجّي الذي تفيض أحزاني في رحابه.
كنتَ.. آه كم كنتَ..
لكنها الأمة التي قتلتك يا ” آخر الأنبياء “، أمّة احترفت القتل والذبح والاغتيال، بعد أن باعت ضميرها وركعت، ليس للصلاة، ولكن لتقبيل أحذية ذوي النعمة، أحذية مالكي النفط والدولار، باعت عروبتها وقيمها ودينها.. للعق الأحذية. ومع كل لعقة، تتناثر فوقها، كما الراقصات، الدولارات، ومن يلعق أكثر يقبض أكثر، حتى تأتي اللحظة التي يرفسها سيدها، الذي أناخت تحت خيمته لتنفيذ المهمات القذرة.
يا لذاك الزمن الجميل ونحن نردد: ناصر كلنا بنحبك ناصر وحنفضل جنبك ناصر.
يا سيدي.. أشكو إليك ضياعنا.. أشكو إليك اغتيال الكلمة الحرة الصادقة، أشكو إليك زمن تكميم الأفواه، أشكو إليك عصر التطبيل والتزمير..لكن ذكراك تبقى” عصفورٌ من القلب ينقر” رغم كل الظلام الذي غرقنا ونغرق فيه.